لن تظل تونس صاحبة الجميل على مصر فى التحرك لإسقاط الأنظمة الديكتاتورية والتحول الديمقراطي، حيث كانت تونس دائما سابقة لمصر فى الثورة وفى إسقاط النظام وإجراء الانتخابات البرلمانية والرئاسية، وكانت تونس سابقة أيضا بوصول نظام الإخوان المسلمين إلي السلطة عبر حزب «النهضة» وجاءت مصر برلمانيا ورئاسيا بالنظام الفاشي، الإخوان مع المعزول «محمد مرسي» فكانت دائما الإجابة «تونس»، ولكن القاهرة لم تستمر فى ملاحقة ركاب الحراك التونسي، وأصبحت مالكة للإجابة بمجيء 30 يونيو 2013 عندما استطاع الشعب إسقاط نظام الإخوان المتطرف صاحب الصور المتعددة فى عدة بلدان عربية منها تونس. الشعب التونسي يسطر الآن بدمائه نضال الهوية والحرية أمام نظام يهدف إلي إسقاط الحياة وقتل النسيم، والخوض في الرجعية ليظل مهيمنا علي السلطة باسم الدين، وقد تأخرت تونس هذه المرة وكان السبق لمصر بحسب المراقبين لأن الجيش المصري ليس مثل الجيش التونسي، الذي تحكمه اعتبارات تمنعه من التدخل لفرض إرادة الشعب، وهو ما جعل الشارع التونسي المشتعل والمعتصم في الميادين يطالب بإعارة الفريق أول عبدالفتاح السيسي وزير الدفاع والقائد العام للقوات المسلحة للتدخل لحماية إرادة الشعب وحماية المتظاهرين من الإرهاب الإخواني الممارس ضدهم من حزب النهضة، والغريب أن هذا المطلب لم يكن من باب الدعابة، فقد كان مطلبا حقيقيا انتشر في شوارع تونس ورفع في لافتات من قبل الجالية التونسية في القاهرة الذين تظاهروا أمام مقر السفارة بالزمالك.
التوانسة لا ينقصهم في تطبيق النموذج المصري سوي «السيسي»، نفس التحركات التي شهدها الشارع المصري في ثورة 30 يونيو تمارس الآن من جانب الشباب والفتيات برفع شعارات التمرد والاعتصام في الساحات الرئيسية لحين زوال النظام الممثل في مرشد إخوان تونس راشد الغنوشي ورئيس الجمهورية المنصف المرزوقي ورئيس الحكومة علي العريض، مع محاصرة القصر الرئاسي ومقر الحكومة، وكانت الصورة الأبرز هي إحراق المقر العام لحزب النهضة «مكتب الإرشاد» من جانب المتظاهرين الذين احتشدوا بالآلاف بشارع الحبيب بورقيبة بالعاصمة التونسية للمطالبة باستقالة الحكومة والدعوة إلي الالتزام بتطبيق «خارطة الطريق» لحل الأزمة السياسية، وذلك في الوقت الذي دعت فيه جبهة الإنقاذ الوطني التي تضم أطياف المعارضة التونسيين إلي النزول إلي الشارع لتأكيد انتهاء «الشرعية الانتخابية» في الذكري الثالثة لوصول «النهضة» إلي السلطة، وجاب عشرات الآلاف من المتظاهرين شارع بورقيبة رافعين لافتات «الرحيل» وشعارات تندد بتفشي الإرهاب والغلاء والبطالة، بينما نظم الآلاف وقفة احتجاجية أمام مقر وزارة الداخلية للمطالبة بكشف الحقائق عن الجرائم السياسية، رافعين صور السياسيين الراحلين شكري بلعيد ومحمد البراهمي!
وعلي صعيد آخر، أعلن الأمين العام للاتحاد التونسي للشغل حسين العباسي أن الحوار الوطني في البلاد أرجئ بشكل مؤقت، بعد كلمة لرئيس الوزراء علي العريض أثارت حفيظة المعارضة، مطالبا بإجراء مشاورات للحصول علي إيضاحات بشأن كلمة العريض التي أعلن فيها تعهده بما سماه مبدأ تخلي الحكومة في إطار خارطة الطريق التي تستهدف الخروج من الأزمة الحالية، واعتبر معارضون أن الكلمة لم تتضمن تعهدا صريحا باستقالة الحكومة، في وقت تسعي المعارضة إلي الحصول عليه تمهيدا لإجراء انتخابات جديدة، وهو ما اعتبرته المعارضة نوعاً من المماطلة الإخوانية عبر «العريض» الذي وصف بأنه لا عهد له مثل أي إخواني!
«الشرعية سقطت».. بهذه العبارة اتحد عدد من أحزاب المعارضة مع التيارات المستقلة القائمة علي الشباب والفتيات في الشارع بأن النهضة أصبحت بلا شرعية وأن الشرعية للشعب، حيث اعتبر حزب العمال التونسي أن «النهضة» فقدت الشرعية بمختلف تجلياتها سواء القانونية أو من جهة الإنجاز والالتزام باستحقاقات الثورة، مشيرا إلي أن النهضة ابتعدت عن طموحات الشعب وحافظت علي نفس سمات النظام البائد، وجاء في بيان ثوري للمعارضة التونسية التي أعلنت فقدان الشرعية أن الحوار الوطني لا معني له وسيتحول إلي إضاعة للوقت إن لم تلتزم حركة النهضة بمنطق مبادرة الرباعي الراعي للحوار الوطني وجدولها الزمني وفي مقدمتها استقالة الحكومة لحساب حكومة مستقلة كاملة الصلاحيات، مطالبا الحكومة الجديدة بأن تضع ضمن أولوياتها تطبيق برنامج إنقاذ اقتصادي واجتماعي وسياسي وأمني، وطالب البيان بأن تكون الحكومة المقبلة متطوعة ولا تترشح للانتخابات المقبلة وتعمل علي إرساء الشروط الضرورية لإجرائها لاسيما مراجعة التعيينات التي تريد حركة النهضة من خلالها التحكم في مفاصل القرار حسب نص ذات البيان.