المخابرات العامة والحربية قدمت تصورا كاملا للحرب ورد الفعل الإسرائيلى فى مايو 37، أى قبل المواجهة التاريخية بخمسة شهور، وكان غير مفاجئ أن أغلب التصور حدث بالفعل بما فيه الثغرة.. واحدة من المعلومات التى حصلنا على تفاصيلها خلال حوارنا مع اللواء محمد رشاد وكيل المخابرات العامة الأسبق ومسئول الشئون العسكرية الإسرائيلية بالمخابرات العامة المصرية خلال سنوات الحرب، «رشاد» الذى فتح ل«روزاليوسف» الأسرار وأكد لنا بلغة الأرقام والمواقف أن مصر هى المنتصرة فى الحرب، فمع وقف إطلاق النار فى 42 أكتوبر كان لنا جيشان بتسع فرق شرق القناة، بينما كان لإسرائيل فرقة واحدة غرب القناة، وبالتالى كانت الثغرة تمثيلية إسرائيلية مفضوحة، خاصة أن قواتها فشلت فى حصار الإسماعيلية أو احتلال السويس، وكشف لنا فى الوقت الذى دار جدل حول الكلام المنسوب للرئيس الأسبق مبارك بأن الرئيس الفلسطينى الراحل ياسر عرفات هو من سرب موعد الحرب، بقوله إن الشخصية المقربة للقيادة المصرية وقتها هى من سربت موعدا خاطئا للحرب لرئيس الموساد لأنها لم تحضر اجتماع وزير الحربية المصرى، أحمد إسماعيل والعماد مصطفى طلاس قائد القوات السورية الذى حدد فيه الموعد الأخير للمواجهة! ∎ هل ترى أن دور المخابرات فى معركة النصر تم توثيقه بالشكل الذى يمجد دورها؟!
المخابرات العامة هى المسئولة بحكم اختصاصها ومهامها عن العمق الاستراتيجى فى إسرائيل، حتى داخل حدودها لأنها محور الصراع العربى الإسرائيلى فكل القوات الإسرائيلية مجمعة داخل حدود إسرائيل فى العمق الاستراتيجى، وإسرائيل تعتمد أساسا فى بناء قواتها على قوات الاحتياط، وبالتالى كل الآلة العسكرية الإسرائيلية موجودة داخل العمق الاستراتيجى فى حدودها، وبالتالى كانت مهمتنا متابعة هذا العمق الاستراتيجى للوقوف على حجم الآلة العسكرية الإسرائيلية.. لذلك عندما عين «أمين هويدى» مشرفا على المخابرات العامة بعد 67 أنشأ قسم الشئون العسكرية الإسرائيلية، وكنت أنا المسئول عنه فى أكتوبر 73 ولغاية كامب ديفيد، وللعلم أمين هويدى كان نائب صلاح نصر للمعلومات، لذلك عندما أشرف على جهاز المخابرات كان عارف هو عايز إيه ويركز على إيه، فقام بإعادة بناء الجهاز وخاصة هيئة المعلومات والتقديرات لأنها محرك هذا الجهاز.. فقمت ومجموعة العمل بإنشاء قاعدة المعلومات العسكرية عن إسرائيل، وكانت المعلومات الموجودة عندنا مطابقة لما هو واقع على الأرض فى إسرائيل، وهذه القاعدة كانت هى الأساس الذى دخلنا به حرب أكتوبر ,73 وبالتالى استطاعت القوات المسلحة أن تحدد أهدافها وتوظف إمكانياتها طبقا لأهدافها بناء على المعلومات، وكسبنا بفضل الله.
∎ كيف تم إنشاء قاعدة المعلومات العسكرية عن إسرائيل؟
- عندما بدأنا ننشىء قاعدة المعلومات عن إسرائيل بعد نكسة 67 مباشرة كان لابد أن نبحث عن مصادر المعلومة، فبدأنا نجمع المعلومات من المصادر العلنية ومن مصادرنا السرية، فبدأنا نجمع كل الكتب والنشرات الإسرائيلية والعالمية والمجلات والجرائد والتى صدرت عن عمليات ,67 وكانت إسرائيل وقتها رفعت الحظر الإعلامى عن كل المعلومات العسكرية لأنها كانت تعتقد أن حرب 67 هى آخر الحروب، وبعد جمعنا لهذه المعلومات بدأنا نعمل لها فحص، فطلعنا بحوالى 16 كتاب بيتكلموا عن العمليات العسكرية الإسرائيلية عن حرب ,67 كان منهم حاجة لتشرشل وحاجة كتبها يائيل ديان، وكان أهم كتاب صدر فى هذا الموضوع كتاب الأمن الإسرائيلى وكان من ضمن المجموعة التى تحكم إسرائيل ويشارك فى صنع القرار، وهذا الكتاب كان مرشد لنا بعد نكسة 67,. فتم تجميع حجم القوات الإسرائيلية التى اشتركت فى حرب ,67 وبعدما انتهينا من إنشاء قاعدة المعلومات عن إسرائيل فى ,68 طالب أمين هويدى بعمل غرفة معلومات تكون عبارة عن غرفة يتم فيها تجميع كل المعلومات الموجودة عن إسرائيل، فعملناها وزودناها بماكينات طبغرافية، وماكينات بمقياس رسم لكل الأهداف الحيوية الإسرائيلية وخصوصا العسكرية سواء كانت مطارات أو موانئ أو قواعد جوية أو وحدات الدفاع الجوى أو وحدات الصواريخ، وأصبحت الفرقة بشكل تعيش من خلالها إسرائيل، ولعلمك إسرائيل تعايش ولا تقرأ، ولابد من معايشتها حتى تستطيع أن تنقل المعلومة، نتج أن إسرائيل قدرة وليست حجما، علشان كده بنقول لكل المتابعين للملف الإسرائيلى أن إسرائيل لا تخضع فى ميزان القوى لجداول مقارنة القوات بل إسرائيل قدرة، والقدرة هى محصلة كل المقومات الفاعلة التى تكون القدرة من تسليح وتدريب وتطوير.. علشان كده عايشنا إسرائيل من خلال غرفة المعلومات، وإحنا فى المخابرات العامة بنشتغل جانب واحد وليس جانبين، يعنى إحنا شباك مصر على إسرائيل، ننظر من الشباك على الجانب الإسرائيلى ونبلغ الجانب المصرى ونقوله هى ديه إسرائيل، حتى أننا نسمى عسكرى إسرائيل وضابط المعلومات يقوم بالتحليل، والتحليل السياسى فى المخابرات العامة هو خلق حاجة جديدة من خلال واقع موجود بتحليل الوقائع وصولا فى النهاية لإعطاء تنبؤ أو توصية، وبذلك كل ما يخص إسرائيل جبناه وأصبحت إسرائيل لدينا.
وبدأنا نتوقع إزاى إسرائيل هتتعامل معنا ومع الجبهات العربية الأخرى فى المرحلة القادمة، فمثملا الجبهة السورية لها خصوصية فى تعامل إسرائيل معها، حيث إن إسرائيل لن تقبل إدارة المعركة مع سوريا على هضبة الجولان، ونقل المعركة خارج أرض هضبة الجولان لأنها ليس فيها عمق وتحتها المستعمرات الإسرائيلية، وبالتالى أى معركة على هضبة الجولان تهدد الأمن القومى الإسرائيلى، فيجب نقل المعركة مع سوريا خارج هضبة الجولان حتى حدود دمشق، كما أن الجبهة المصرية لها خصوصية أيضا فى تعامل إسرائيل معها، حيث إنه نتيجة لوجود عمق كبير ممكن إسرائيل تسمح بإدارة بعض المعارك المحدودة على سيناء، ومن وجهة نظر إسرائيل ممكن تسحب القوات المصرية إللى ممكن تعبر قناة السويس شرقا إلى مناطق قتل، وبعد كده تعمل عليها عمليات التفاف وتطويق بعيد المدى، ثم تحقيق خسائر فيها كبيرة أو إجبارها على الانسحاب غرب القناة.
∎ وهل تمت الاستفادة من هذه المعلومات والتحليلات للتخطيط للمعركة؟
- كانت حرب الاستنزاف مستمرة بين القوات المصرية والإسرائيلية، وخلال عام 70 طرحت مبادرة روجرز لوقف إطلاق النار لحين البحث عن حل سياسى، وقبلها الرئيس عبدالناصر، مما أعطى فرصة لبناء حائط الصواريخ، لأنه بناء على المعلومات كان لا يمكن لقواتنا تحقيق النجاح فى حالة عبورها لشرق القناة والسويس نظرا لقدرة إسرائيل الجوية، لأن استراتيجية إسرائيل مبنية على القوات الجوية حيث إنها تمثل القوة الهجومية للقوات الإسرائيلية والتى تستطيع من خلالها أن تحقق التفوق والسيادة الجوية على كل الدول العربية مجتمعة، لذلك أصدر الرئيس عبدالناصر أوامره ببناء حائط الصواريخ، وبالفعل تم بناء ليغطى 15 كيلو مترا شرق قناة السويس، وبالتالى منع تدخل الطيران الإسرائيلى فى معركة العبور داخل هذه المسافة المغطاة بحائط الصواريخ.
ثم بدأت قواتنا المسلحة تعيد تنظيمها وترفع درجة الاستعداد، وكانت أول معركة فى رفع درجة الاستعداد هى معركة رأس العش التى قادها اللواء أحمد إسماعيل على، حيث إن إسرائيل نسيت تأخذ بورفؤاد فى حرب 67 وفاقوا بعد كده، فبدأوا بعمل عمليات فى رأس العش علشان يستولوا على بورفؤاد، وبكده يكون كل الشاطئ الشرقى لقناة السويس تبع إسرائيل، ونجحت قواتنا المسلحة فى صد هذا الهجوم وبعد كده عقب أحداث مايو 71 إللى هى قضية مراكز القوى تم تعيين اللواء أحمد إسماعيل مديرا للمخابرات العامة، ولأنه راجل عسكرى بدأ يهتم بالشئون العسكرية الإسرائيلية، وطبعا كان لدينا قاعدة المعلومات وغرفة المعلومات عن إسرائيل موجودة فبدأ يتابعها ويعايش إسرائيل معنا، فحس وعرف إسرائيل وقدرات قواتها المسلحة.
ثم عين اللواء أحمد إسماعيل فى 26 نوفمبر 1972 وزيرا للحربية، ونظرا لمعايشته معنا أثناء توليه قيادة المخابرات العامة لملف الشئون العسكرية الإسرائيلية، فبدأت تتفتح علينا القوات المسلحة المصرية، وبدأت تتعامل مع معلومات إسرائيل من خلال غرفة المعلومات الموجودة لدينا، التى أعطت تصوراً كاملاً لإسرائيل بالتفصيل بعد كده بدأ الاستعداد لحرب ,73 ولأن المخابرات العامة دورها ما قبل المعركة بتغطية العمق الاستراتيجى لإسرائيل، لأن قواتها لم تحصل التعبئة تبدأ قواتها الموجودة فى العمق الاستراتيجى تتحرك إلى الجبهات فتدخل نطاق التعبوى والتكتيكى وعندها تصبح هذه القوات مسئولية المخابرات الحربية، لذلك قبل المعركة كنا نعطى كل إنتاجنا والمعلومات الموجودة فيها أولا بأول إلى المختصين، وعندنا معدل توزيع 100 نسخة بتطلع من هيئة المعلومات وتقدير الموقف وتوزع كل الجهات الفاعلة فى مصر والعاملة فى هذا المجال وخصوصا وزارة الحربية.. وفى الوقت ده وضعنا تصور للمعركة لتوقعنا العمل العسكرى فقدمنا فى مايو 73 تصوراً للمعركة القتالية مع العدو الإسرائيلى، وقلنا أن أى هجوم شامل من قواتنا فى اتجاه إسرائيل شرق القناة طبقا للاستراتيجية الإسرائيلية وعقيدتها القتالية لابد أن يقابله هجوم مضاد من القوات الإسراذيلية على القوات المصرية فى اتجاه غرب القناة بهدف إرباك القيادات وفتح ثغرة فى الدفاع الجوى والحد من القوة الواقعة لأى هجوم مصرى موجود ثم عمل عمليات التفاف وتطويق حول قواتنا، لأن إسرائيل لما تلاقى نفسها مضغوطة فإنها تقوم بالتفريغ فى مكان آخر لفتح ثغرة فى أى مكان وخصوصا فى حائط الصواريخ لتعطى فرصة للطيران الإسرائيلى أن يشتغل بالمعركة غرب القناة، لأن الطيران الإسرائيلى محروم من العمل حتى حدود 15 كيلو مترا شرق القناة وهى حدود حائط الصواريخ المصرى.
وفى هذا الوقت بدأ الرئيس أنور السادات يقول هذه السنة سنة الحسم، ثم اجتمع حافظ إسماعيل مستشار الرئيس للأمن القومى مع كسينجر مرتين لتقديم طلبات بعمل سلام مع انسحاب إسرائيل ورجوعها لحدود يونيو 67 وتحرير أرضنا، فكان وجهة نظر كسينجر أن هذه الطلبات مبالغ فيها جدا وهذه طلبات المنتصر وأنتم منهزمين ولابد أن تعطوا تنازلات، لذلك لم يكن أمام مصر إلا أنها تحارب لتحريك الموقف السياسى.
وقدمنا معلومات عن القوات الجوية الإسرائيلية وأن قدرتها القتالية إذا ما تعدت قواتنا حائط الصواريخ ستكون خسائر قواتنا عالية جدا، كما أن قدرات القوات المدرعة الإسرائيلية فى عمليات الالتفاف والتطويق بعيدة المدى عالية أيضا، وبناء عليه قامت قواتنا المسلحة بتحديد أهدافها طبقا لإمكانياتها بناء على المعلومات المخابراتية، وذلك بعبور قناة السويس والاستيلاء على رؤوس الكبارى حتى عمق 15 كيلو مترا شرق القناة وهو مدى حائط الصواريخ المصرى، تم تطوير الهجوم طبقا لتطور الموقف.
وفى 14 أكتوبر 73 اتفقت قيادة القوات المسلحة المصرية والسورية على تنفيذ معركة الهجوم على إسرائيل فى يوم 6 أكتوبر الساعة 6 مساء فسافر عميل لإسرائيل من أحد الشخصيات المصرية البارزة المقربة من دائرة القرار السياسى المصرى قيل أنه عميل مزدوج بعد علمه بموعد الحرب إلى لندن وطلب مقابلة رئيس الموساد وفى يوم 15 أكتوبر جاء إليخه رئيس الموساد فأبلغه العميل بأن مصر ستعبر القناة وتحارب يوم 6 أكتوبر الساعة 6 مساء فقام رئيس الموساد فى نفس اليوم 15 أكتوبر الساعة 11 مساء بإرسال برقية إلى إسرائيل ليبلغهم أن مصر وسوريا سيقومان بهجوم على إسرائيل يوم 6 أكتوبر الساعة 6 مساء.
وجمع القادة الإسرائيليين أنفسهم الساعة 4 فجر 6 أكتوبر للمناقشة وبالفعل أخدوا قرار التعبئة الساعة 6 صباحا ولكن عندما تم تعبئة الخط الأول الإسرائيلى إلى سيناء كانت الساعة 2 ظهرا لأن الخط الأول تم تعبئته فى 8 ساعات، وعندما وصلوا فوجئوا أن الهجوم المصرى بدأ، رغم أن المعلومة أن الهجوم المصرى كان سيبدأ الساعة 6 مساء لأن العميل الإسرائيلى الذى بلغ المعلومة لرئيس الموساد ولم يحضر اجتماع يوم 4 أكتوبر، عندما ذهب الفريق أول أحمد إسماعيل إلى سوريا للاطمئنان على الاستعدادات فى الجبهة السورية، فقال له مصطفى طلاس قائد القوات السورية أنهم لن يستطيعوا الهجوم آخر ضوء فى الساعة 6 مساء كما كان متفقاً، لأن المنطقة عندهم وعرة، لذلك محتاجين أن يكون الهجوم أول ضوء يوم 6 أكتوبر، فتم الاتفاق بينهما على تقسيم الضوء ليتم الهجوم الساعة 2 ظهرا يوم 6 أكتوبر، وتم تبليغ حافظ الأسد والسادات وبذلك لم يكن يعلم بالمعلومة الجديدة التى تمت فى سوريا بتغيير ساعة الهجوم إلا الأربعة.
وبدأت القوات المصرية تنطلق من مواقعها للهجوم على إسرائيل يوم 6 أكتوبر الساعة 2 ظهرا وعبرت قناة السويس، واشتغلت فى رؤوس الكبارى، واستكملنا الاستيلاء عليها حتى عمق 15 كيلو مترا مدى حائط الصواريخ المصرى، وإسرائيل حصل لها مفاجأة شديدة، ولم تستطع عمل أى اختراق لرؤوس الكبارى وخسائرها بدأت تكثر، وكانت أوضاع قواتنا المسلحة مستترة تماما حتى يوم 13 أكتوبر.. لأن إسرائيل قامت بهجوم مضاد على الجبهة السورية واستطاعت يوم 12 أكتوبر أن تعبر الخطوط السورية وبدأت فى الاتجاه لدمشق، فتدخلت الأردن بلواء مدرع لشعورها بأن هناك خطورة على موقفها الاستراتيجى إذا ما دخلت إسرائيل دمشق، كما أن القوات العراقية كانت بدأت بشائرها فى طريقها لدخول المعركة، فطلب كيسنجر من إسرائيل وقف إطلاق النار على الجبهة السورية تماما، لأنه مش عاوز يفتح جبهة جديدة مع الأردن ولا يريدها أن تدخل المعركة، خصوصا أن الروس كانوا يضغطون على الملك حسين ملك الأردن ليدخل المعركة مع سوريا فطلب منه كيسنجر عدم دخول الأردن فى المعركة، فالتزم الملك بعدم دخول المعركة، وبناء على تعليمات كيسنجر لإسرائيل تم وقف إطلاق النار على الجبهة السورية.. ولكن القيادة السياسية المصرية يوم 14 أكتوبر طلبت تطوير الهجوم علشان رفع الضغط عن سوريا، رغم أن سوريا كان فيها وقف إطلاق نار، وعبرت الفرقة من غرب القناة عندنا إلى شرق القناة فى اتجاه إسرائيل، وعبور هذه الفرقة أدى إلى خلل فى اتزانات الدفاعات عندنا فى غرب القناة، لأن ده عبارة عن العمق الاستراتيجى للجيش الثانى والجيش الثالث المصرى، وعندما تم تحريك هذا العمق الاستراتيجى إلى شرق القناة فى اتجاه الشرق حصل خلل فى اتزانات الدفاعات المصرية، كما أن الفرقة بعد عبورها إلى شرق القناة أصبحت تعمل خارج نطاق حائط الصواريخ الذى مداه 15 كيلو مترا شرق القناة، وبالتالى لم تستطع أن تحقق أهدافها وحصل لها خسائر شديدة جدا، وكانت هذه مقدمة للاختراق الإسرائيلى فى الثغرة.
∎ ما شهادتك التاريخية على الثغرة؟
- إسرائيل نفذت ما حذرنا منه فى تقريرنا للقوات المسلحة المصرية عندما قدمنا فى مايو 73 قبل الحرب وبعدما تعرضت الفرقة المصرية لخسائر شديدة نظرا لعملها خارج نطاق حائط الصواريخ بدأ ده يشجع إسرائيل أن تكمل عمليات فى اتجاهنا غرب القناة لإرباك القيادات واستنزاف قدراتنا وفتح ثغرة، وعبرت فرقة إسرائيلية إلى غرب قناة السويس فى اتجاهنا يوم 16 أكتوبر إلى الفاصل بين الجيشين الثانى والثالث المصرى، لأن التواصل بين الجيوش والوحدات هى أضعف نقطة، وتبقى غير مغطاة بقوات ومغطاة فقط بنيران خفيفة، كما أن إسرائيل علمت أن عبور الفرقة المصرية إلى شرق القناة وتركها للعمق الاستراتيجى بين الجيشين الثانى والثالث أحدث خللا فى اتزانات دفاعاتنا، وكان هناك قصور فى المعلومات عن العدو وعدم فهم للمعلومات، فقد جاء بيان لقواتنا أن هناك 7 دبابات و4 عربيات مدرعة إسرائيلية فى الثغرة وكل نقطة مراقبة مصرية تبلغ نفس المعلومة، ولكن فى الحقيقة كانوا 7 دبابات و4 عربيات ولكن مكررين 11 مرة لتوزيعهم فى 11 نقطة بنفس العدد 7 دبابات و4 عربيات، فكان عددهم الحقيقى 110 مدرعات إسرائيلية داخل الثغرة، ولكن قواتنا عندما أرسلت لهم قوات مواجهة لصدهم أرسلت على أساس 11 مدرعة فقط وليس 110 مدرعة، وبالتالى كان حجم قواتنا لمواجهتهم أقل من المفترض، وبالتالى أصبحت منطقة الثغرة خارج السيطرة.. ودخلت القوات الإسرائيلية على الدفرسوار وطلع جزء من الإسماعيلية طوق الإسماعيلية ولكنه لم ينجح، ثم بدأوا يتجهون جنوبًا إلى السويس وفشلوا أن يدخلوا السويس.. ثم صدر قرار مجلس الأمن يوم 22 أكتوبر بوقف إطلاق النار، ولكن إسرائيل لم تمتثل، وبدأت تحاول الاستيلاء على مدينة السويس، علشان يبقى فى إيدها حاجة للمساومة، ولكنها فشلت، واستمرت إسرائيل فى الثغرة من يوم 16 أكتوبر وحتى يوم 25 أكتوبر، ليصبح الموضوع هناك قوات إسرائيلية عندنا فى غرب القناة، وهناك قوات مصرية عند إسرائيل فى شرق القناة.. ولكن بعد قرار إطلاق النار يوم 22 أكتوبر بدأت محادثات الكيلو 101 فى يوم 25 أكتوبر، وبدأ الفصل بين القوات.
∎ ما رأيك فيما يتردد من الإسرائيليين أن نصر أكتوبر نصرهم.. بسبب الثغرة؟
- لا طبعا، نصر أكتوبر نصر عظيم لقواتنا المسلحة المصرية، وبخصوص وجود قوات إسرائيلية فى الثغرة عندنا فى غرب القناة، فإن القوات الإسرائيلية التى كانت موجودة كانت مجرد فرقة واحدة، أما قواتنا التى كانت موجودة فى شرق القناة فكانت جيشين موجودين بتسع فرق بتدعيمهم، فهناك فرق كبير جدًا فى القوات، ولكن الثغرة كانت تمثيلية ليحاول منها الإسرائيليين تحقيق مكاسب سياسية فى المفاوضات بعد هزيمتهم. والأهم يكفى لمصر أنها عبرت قناة السويس رغم كل العقبات، ويكفى أنها استولت على أكبر مانع فى تاريخ البشرية وهو خط بارليف، وما كان أحد فى العالم يتصور أن يحدث هذا، وكان الهجوم مفاجئا لإسرائيل ورادعًا لها وحقق فيها خسائر فادحة، لدرجة أن أول مرة جولدا مائير تطلب من الولاياتالمتحدةالأمريكية الإغاثة قائلة لهم أنقذونا، وأول مرة تحس إسرائيل بالمهانة، ورغم كل المعلومات المتاحة عن مصر لم تستطع إسرائيل أن تضع فى اعتبارها الجندى المصرى، الذى عندما صدر له الأمر بعبور قناة السويس ترك الخنادق مقاتلا ببسالة حتى النصر حتى لو كلفه ذلك حياته.
∎ لماذا لم يطور وزير الحربية الهجوم على إسرائيل وصولا للمضايق باعتبارها هدفا استراتيجيا موجودا بالخطة.. بالإضافة لانتصارنا الكاسح؟
- الفريق أول أحمد إسماعيل من يوم 9 أكتوبر لغاية يوم 13 أكتوبر كانت عليه ضغوط شديدة لتطوير الهجوم شرق القناة وصولا إلى المضايق وهى الحاكمة فى الدفاع عن سيناء باعتبارها هدفا استراتيجيا موجودا فى الخطة ولا يمكن التنازل عنه، وده كان رأى هيئة العمليات بالقوات المسلحة، ولكن الفريق إسماعيل نتيجة معايشته لإسرائيل أيام ما كان فى المخابرات ومعايشته للقدرات القتالية للقوات الجوية الإسرائيلية، لم يوافق أن تخرج قواتنا خارج مدى حائط الصواريخ وهو 15 كيلو مترًا، لأنه عارف أن خروج قواتنا خارج هذا المدى سيعرضها لضربة شديدة من القوات الجوية الإسرائيلية مما سيحمل قواتنا خسائر كبيرة جدًا، وهو كان حريصا على أن تبقى قواتنا بدون خسائر.
وكانت الجهة التى ساقوها عليه، ودية كانت فكرة هيئة العمليات، أن القوات لما تلتحم بالعدو يمكن تحييد الطيران، ولكن إحنا بقى علشان بتوع إسرائيل وعارفين مين إسرائيل وبتفكر إزاى بنقول أن هذا الكلام الذى تقولونه بأنه عند الالتحام بالعدو يمكن تحييد الطيران ينفع ويكون صحيحًا إذا كانت إسرائيل بتدافع دفاعا ثابتا، ولكن إسرائيل كل دفاعاتها متحركة، وهذه هى العقيدة الدفاعية لإسرائيل أنها متحركة، وتعتمد على قوات المدرعات وقوات المشاة الميكانيكية، وبالتالى هذه الاستراتيجية للدفاعات المتحركة باستمرار ممكن تسيبك تلتحم بها ثم تتحرك بسرعة وتتركك هدفا للقوات الجوية الإسرائيلية بتاعتها.. وبذلك كان رأى الفريق أول أحمد حكيمًا ينبع من علمه بالقدرات القتالية للقوات الإسرائيلية خلال فترة تواجده بالمخابرات العامة، وبالتالى كان حريصًا على عدم خروج قواتنا من تحت مظلة مدى حائط الصواريخ.
∎ كيف ترى تحول سيناء لبؤرة من بؤر الإرهابيين الآن.. ومحاولة الجيش إحباط هذا المخطط؟
- سيناء تحولت لبؤرة إرهابية فى ظل ثلاثة عوامل، أولا وجود جهاديين فى غزة يتم تسليحهم وتدريبهم، وثانيًا وجود الأنفاق التى تعتبر كارثة أمنية على مصر، وتجعل حدودنا مباحة بلا سيطرة، وثالثًا الغطاء السياسى الذى منحته التيارات الإسرائيلية لهؤلاء الإرهابيين فى سيناء، مما جعلهم يتنامون، بالإضافة إلى أن هذه التيارات الإسلامية هى التى قوضت عمليات الجيش نسر 1 ونسر ,2 وأصبح لهؤلاء الإرهابيين اليد الطولى حتى على زعماء القبائل.. لذلك يجب هدم عمل الأنفاق وإخلاء الشريط الحدودى وضبط الحدود مع غزة، حتى نستطيع أن تكون هناك سيطرة كاملة على سيناء والتخلص من هذا الإرهاب، بالإضافة إلى ضرورة مساعدة زعماء القبائل لأنه لا أمن فى سيناء بدون غطاء قبلى، وأيضًا تنمية سيناء لأنه لا أمن فى سيناء بدون تنمية.
∎ ما أبرز بطولاتك التى شاركت فيها خلال فترة خدمتك بالمخابرات؟
- القبض على الجاسوسة الشهيرة هبة سليم التى جندت ضابطا بالقوات المسلحة لصالح إسرائيل، وتفجير الحفار الإسرائيلى فى جنوب أفريقيا قبل وصوله إلى قناة السويس وكسر الهيبة المصرية، وإفساد مخطط معمر القذافى ضد الرئيس أنور السادات، حيث إن القذافى بدأ يدخل فى مواقف شخصية لأنور السادات ويقول إن «مطروح» جزء من ليبيا وأنه خديوى مصر، فبدأ السادات يتخوف من القذافى ويحس أنه عبء على مصر، ففكر السادات فى قلب نظام الحكم فى ليبيا ليتولى عبد المنعم الصهونى بدل القذافى، واشتغلنا فى الموضوع، وكنت مسئولا عن تجميع المعلومات عن هذه العملية، ولكن هذا الموضوع لم يكتمل لأن هناك قوى دولية أخرى وبالذات أمريكا كانت حريصة على استمرار القذافى، لأن القذافى يؤدى مهمة قومية ضمن الاستراتيجية الأمريكية بدون مقابل، وهى أن يجعل العالم العربى منقسما على نفسه، وظل القذافى يقود النشاط المضاد للسادات ويجمع كل معارضيه فى أثينا، وكنت وقتها أعمل بمكتبنا هناك، فكانت مهمتنا إحباط هذا المخطط ومتابعة هذه المؤتمرات ومحاولة الحد منها، ونجحنا.
∎ هل تم تكريم المخابرات العامة على بطولاتها؟
- المخابرات العامة لم تكرم بعد نصر أكتوبر ,73 رغم أنه فى نكسة 67 الجميع حملها كل سلبيات الهزيمة، وعندما انتصرنا لم يكرم أى أحد من المخابرات العامة.
∎كيف ترى صلوات الإخوان ابتهاجا بنكسة ,76. وطلوعهم فى الذكرى الأربعين لنصر أكتوبر لإفساد احتفالنا؟
- الإخوان عنصر عميل، ولازم نعتبرهم طابورا خامسا، لأنهم كل هدفهم مشروع الإسلام السياسى والإمارة الإسلامية على حساب مصر، وعلشان كده المرشد الأسبق قال طظ فى مصر وإيه يعنى لما يحكمنا واحد ماليزى، كان يعى ما يقول، فكل هدفهم مشروع الإسلام السياسى الذى يتمخض عنه الإمارة الإسلامية وتجمع فيها كل دول الإسلام السياسى، ويبقى فيه شرق أوسط جديد وهناك إمارة إسلامية جديدة، ومشروع الإسلام السياسى لا حدود ولا هوية، وكان هذا المشروع للإخوان يتم برعاية أمريكية، لأنه يخدم مشروع الشرق الأوسط الجديد.
وعندما ابتهجوا بنكسة 67 لأنهم كانوا نفسهم يشوفوا يوم فى الرئيس عبدالناصر، ومشكلتهم الأساسية شهوة السلطة بصرف النظر عن حماية الوطن، وإذا تحولت الدعوة إلى شهوة لا يمكن الوقوف أمام أطماع هذه التيارات الإسلامية كلها، لأن كلهم زى بعض، بصرف النظر عمن يلبس القميص المعتدل ومن يلبس القميص المتشدد، فكل التيارات الإسلامية منشأهم واحد ومنبعهم واحد.
∎ جيشنا الحالى بلا قيادة عاصرت نصر أكتوبر ,.73 ورغم ذلك عندهم روح أكتوبر أكثر من أى جيش آخر قبله.. وأنقذ مصر من خطر عظيم عندما إنحاز لثورة يونيو ,.2013 فما تعقيبك؟
- الجيش المصرى مؤسسة وطنية، تتوارث روحه الوطنية من جيل إلى جيل، ومش لازم تكون حضرت جيل أكتوبر لتتأثر به وتنقل إليك روحه، فممكن أن تعيش هذا الجو من خلال ما يحكى أو يقال أو يكتب عن بطولات القوات المسلحة، فهذه روح للقوات المسلحة تنبع من الماضى وتستمر فى الحالى وستستمر فى المستقبل، وهو جيش الشعب لذلك انحاز لثورة يونيو .2013
ولابد أن يكون معلومًا أنه كلما ابتعدت القوات المسلحة عن أى انتماءات سياسية أو حزبية كلما كان الجيش متماسكا ومتوازنا، وعلشان كده كان هناك هدف رئيسى خلال سنة حكم الإخوان وهو تحصين القوات المسلحة من أى نفوذ إخوانى، فقد حاولت التيارات الإسلامية اختراق القوات المسلحة لأخونة جزء منه، وأعتقد أن نجاح ثورة يونيو 2013 قضت على اختراق هذه التيارات، لتبقى القوات المسلحة نقية بعيدة عن أى انتماءات حزبية أو سياسية، ويظل عليها حماية الشعب والأمن القومى والوطن.