لأسباب سياسية رخيصة تحولت أسطورة أكتوبر وأبطالها الحقيقيون إلى شبح ومجرد مشاهد متقطعة أرشيفية على خلفية الأحداث الرئيسية للعمل الدرامى، فى مسلسلات الجاسوسية بدءا من «رأفت الهجان» ثم «الحفار» و«دموع فى عيون وقحة» وصولا إلى «العميل 1001» و«السقوط فى بئر سبع» وبالتالى الوقوع فى عار تاريخى. «روزاليوسف» تكشف الأسباب الحقيقية لغياب معجزة النصر من الشاشة الصغيرة مع كتيبة من المبدعين.. وهل هذه الجريمة مسئولية المبدعين أم الدولة؟ المخرجة إنعام محمد على قالت: إن تجسيد حرب أكتوبر فى عمل تليفزيونى أمر مكلف جدا وصعب، ويحتاج إلى دقة شديدة فى تناوله سواء إخراج أو إنتاج أو تمثيل، حتى يتم الخروج بعمل فنى كبير على مستوى النصر العظيم، وأن اللوم لا يوجه إلى المبدعين والمخرجين أو الكتاب بل إلى المسئولين عن تخطيط الدراما فى قطاعات التليفزيون المصرى المختلفة، وسؤالهم عن أسباب تأخرهم فى تقديم عمل درامى عن أكتوبر.
إنعام راضية عن أدائها فى تقديم فيلمين يؤرخان لهذه الحقبة التاريخية من عمر مصر، سواء «الطريق إلى إيلات» الذى تحدث عن حرب الاستنزاف، و«حكايات الغريب» الذى ترى أنه كان يصلح أن يتم تقديمه كمسلسل تليفزيونى، لأنه تناول أكثر من حقبة بدأت مع نكسة 1967 ثم مرورا بنصر أكتوبر ثم ما بعد الحرب وفك الحصار عن مدينة السويس.
بينما طالب محفوظ عبدالرحمن - المؤلف الدرامى - بتبرئة المبدعين من هذه المسئولية، لأنهم لم يعطوا الفرصة لكتابة وتنفيذ عمل درامى عن حرب أكتوبر، مشيرا أن الدولة لم تتصد لهذا العمل بجدية على الإطلاق على فترات طويلة سواء من عهد السادات مرورا بمبارك.
أضاف عبدالرحمن أن الإهمال كان أكبر فى عهد مبارك، لأن قمة السلطة السياسية لم تكن هى القيادة فى الحرب، ومن ثم لا ترغب فى توثيق عمل عن الحرب تظهر فيه بمجرد كونها عضوا وليس قيادة، وبالرغم من ذلك كان هناك من «التسكين» للمبدعين وطلبوا منهم بعض الموضوعات والنصوص لكى تطلع عليها القوات المسلحة وتختار فيما بينها ولكن الموضوع مات.!!
أشار أن هذه الأعمال الملحمية تتطلب دعم الدولة، لأن المؤلف يستطيع أن يكتب مسلسلا اجتماعيا، ولن يحتاج لمساعدة أحد به، ولكن الكتابة عن حرب تحتاج إلى معلومات عسكرية لم يتم الإفصاح عنها بعد، والاستعانة بمعدات القوات المسلحة نفسها فى إنتاج المسلسل وتصويره من دبابات وطائرات، لأنه لا يوجد منتج مستقل يستطيع توفير نفقات هذا المسلسل، لأنه لو أراد أن يستعين بأسلحة ومعدات خاصة ستكلفه أكثر مما كلفت الحرب نفسها.
أما عن أسباب تركيز الأعمال الدرامية على تقديم ملفات الجاسوسية فقط فسر المخرج عصام الشماع أن جهاز المخابرات كان نشطا آنذاك، وكان يريد تسجيل هذه الملفات المشرفة والتى بدأت بمسلسلات مثل «رأفت الهجان» و«دموع فى عيون وقحة» و«الحفار»، و«ملف الصعود إلى الهاوية»، وكانت كلها ملفات حقيقية، أرادت أن تثبت المخابرات من تسجيلها أنها كان لها دور مؤثر وكبير فى حرب أكتوبر.
أضاف الشماع أن ملفات الجاسوسية كانت لا تحتاج إنتاجا ضخما، مثل تصوير عمل تليفزيونى عن حرب أكتوبر الذى يحتاج إلى الدبابات والطائرات وعابرات قناة السويس، مشيرا إلى أنه لا يمكن تخيل تصوير معركة عبور القنطرة شرق بدون أن يقوم الجيش بتسليح هذه المعركة للتصوير.
وأضاف الشماع أنه فى ظل هذه الروح السائدة لهذا العام وقيام السيسى بإحياء الشعور الوطنى والانتماء من جديد فى نفوس الشعب بأكمله، يمكن أن نتفاءل إذا فتحت إدارة الشئون المعنوية يديها للمبدعين وتعاون الجيش على إنتاج عمل فنى درامى أو سينمائى عن أكتوبر، سيقدم 5000 عمل على الفور.
نحن دائما نتحدث عن أفلام ومسلسلات تحتفى بأكتوبر، ونحن فى الحقيقة لسنا متحمسين لذلك لأنه لو كنا متحمسين لكانت الدولة ساهمت فى إنتاج هذه الأعمال،هكذا خرجت طلقات الشاعر الكبير عبدالرحمن الأبنودى.
وأضاف: إذا كنا جادين فى الاحتفاء بهذه الذكرى العظيمة وهذا الإنجاز الرائع فى حياة شعبنا وجيشنا فعلى الدولة أن تمد يدها لكتاب ومخرجين لإنتاج هذا العمل، مشيرا أنه كانت هناك قبل الثورة فكرة لكتابة عمل كبير عن حرب أكتوبر تصدى له الكاتب الراحل أسامة أنور عكاشة، إلا أن البعض «تشكك» فى تقديم أسامة له، وخشى أن يصبغ المسلسل بصبغة ثورية.
فقد كنا فى الزمن المباركى وكان هناك المطبلون الذين يدعون أنهم يخشون على النظام من أناس يحملون أفكارنا التقدمية، فأماتوا الفكرة فى مهدها، دون أن يسمحوا لرجل عظيم مثل أنور عكاشة أن يثبت قدرته على إنجاز هذا العمل.
اتفق معه فى الرأى محمود الطوخى - الكاتب والسيناريست متسائلا من سيشترى عملا دراميا عن حرب أكتوبر، نحن أصبحنا لا ننتج لكى يرى المسلسل المواطن المصرى، ولكن هناك موضة سائدة الآن، وهى أن ننتظر هل القنوات العربية سوف توافق على شراء المسلسل أم لا، أى ننتج دراما وفقا لمعايير السوق العربى.
أما عن ثانى الأسباب التى تعيق إنتاج مسلسل عن النصر يقول: الرقابة الشديدة من قبل الدولة، تجسدت فى إحدى تجاربى بمسلسل عام 2000 «رجل طموح» بطولة خالد النبوى وكان ممنوعا من العرض على القنوات الأرضية، لأنه كان يرصد بدقة الحركة الطلابية فى صمتها وسكونها وثورتها، وتتضمن أحد المشاهد التى أرادت الرقابة حذفها وهو عند عودة البطل إلى منزله بالسويس ليجده وقد تحول إلى وحدة عسكرية، فضلا عن مشاهد أخرى يتساءل فيها الجنود عن الحرب ومتى ستقوم؟
أضاف الطوخى أن الكاتب الصحفى «صلاح قبضايا» كانت له رواية بعنوان «الخديعة» توثق تجربة الشاب المهندس البطل صابح فكرة تجريف خط بارليف وتدميره بالماء، والفعل قمت بكتابة المعالجة الدرامية للنص، وتقدمنا به إلى التليفزيون فى عهد مبارك، إلا أنهم تجاهلوه أو اترفض بشكل غير مباشر، حتى لا يتم تقديم صورة نموذج لبطل آخر غير ذلك النمطى بأن مبارك هو القائد الأول صاحب الضربة الجوية التى حققت النصر.
وبحزن شديد قال الطوخى «لو مصر محافظة على تاريخها بجد كان خرج إلى النور كل عام أكثر من عمل تليفزيونى وسينمائى، ولكن كيف يحدث هذا وتليفزيون الدولة أصبح يتصارع مع شركات الإنتاج الخاصة لتقديم أعمال لفيفى عبده وغادة عبدالرازق، وليذهب الجيل الجديد للجحيم، لا يعرف شيئا عن الحرب المجيدة وبطولات إبراهيم الرفاعى ولا رأس العش.
بينما يرى الفنان الكبير محمود ياسين وأحد أبطال أفلام أكتوبر أن إنتاج مسلسل تليفزيونى عن ملحمة حرب أكتوبر أمر مستحيل فى مثل هذه الظروف الاقتصادية السيئة التى تمر بها مصر سواء فى السنوات الأخيرة ومن بعد الثورة أيضا، مشيرا أن هذا العمل يحتاج إلى تكاليف ضخمة، وعندما تم تصوير السبعة أفلام عن حرب أكتوبر كان مسرح العمليات مازال منعقدا ومهيأ لوضع معدات التصوير، فهذه الأفلام مثل «أبناء الصمت» و«الرصاصة لا تزال فى جيبى» وغيرها استطاعت اللحاق بالحرب على أرض الواقع، ومن ثم تكلفتها كانت بسيطة.
وأشار ياسين أنه غير معقول فى ظل الكبوات التى تعيشها مصر أن تضع أموالها الآن فى إنتاج أفلام ومسلسلات بتكاليف كبيرة، فالأهم أن ننهض بالدولة ونضخ الأموال فى مشروعات قومية تستطيع أن تتقدم بالبلد نحو الأمام.
حرب أكتوبر تحتاج إلى عمل سينمائى ضخم يسجل هذه الحرب المجيدة وليس مسلسل فقط، ويكون على مستوى الأفلام العالمية التاريخية، فنصر أكتوبر يليق به فيلم عالمى يخاطب الغرب، وليس مسلسلا للجمهور المصرى والعربى الذى يعلم تماما انتصار مصر على إسرائيل هكذا كان رأى الكاتب د. مدحت العدل.
وأضاف أنه قام بتجربة قبل الثورة وتم تقديم قصص وموضوعات عن حرب أكتوبر، بل تم تقديم «C.D» للتعريف بالأبطال المشاركين والأبطال العالميين، وشركات الإنتاج الأجنبية التى ستشارك فى هذا العمل.
وقال العدل «أن هذا العمل الضخم الذى تم تقديمه للجيش كان سيشارك فيه أكثر من كاتب أنا أحدهم بجانب الأستاذ الكبير محفوظ عبدالرحمن والأستاذ جمال الغيطانى نظرا لخبرته كمراسل حربى لهذه الحرب ،والمؤرخ على عبده غباشى، وكان سيتم تحضير لقاءات مع أبطال الحرب وشهود العيان ليخرج عملا يتسم بالمصداقية والدقة التاريخية.