فى ملف أموالهم المنهوبة والمهربة للخارج أصبح حلم المصريين بعودة هذه المليارات والاستفادة منها للصالح العام، أشبه بحلم بعودة الميت إلى الحياة. فلقد مر أكثر من عامين ونصف العام لم يتوقف الشعب خلالها عن الركض أمام جبل من المماطلات، ليكتشف فى النهاية أنه كان كمن ينظر السراب وليؤمن أن ملف أمواله المهربة قد مات أمام عينيه بالسكتة القلبية، رغم عشرات الملايين التى أنفقت فى ذلك.
الكثير من اللجان التى شكلت بدعوى استرداد أموال مصر المنهوبة.. كانت المحصلة فيها «صفر» فماذا قدمت الدولة خلال العامين الماضيين لملف استرداد أموالنا المنهوبة؟!! البدرى فرغلى - القيادى بحزب التجمع وعضو مجلس الشعب السابق كشف لنا عن معلومات جديدة خاصة بلجنة تقصى الحقائق البرلمانية ، التى شكلت لاسترداد أموال مصر المهربة فى الخارج وكان يرأسها آنذاك عصام العريان القيادى الإخوانى بصفته رئيس لجنة العلاقات الخارجية فى مجلس الشعب المنحل قائلاً: عقب ثورة يناير فى 2011 تعالت الأصوات تطالب نظام مبارك المنهار بإعادة ثروات الشعب المنهوبة والمهربة خارج البلاد أثناء سنوات حكمه.
ومع أول برلمان للثورة تم بالفعل تشكيل لجنة برئاسة العريان من أجل استعادة أموال مصر المهربة وقد تسلمت اللجنة مستندات وأوراقًا خطيرة للغاية متعلقة بتهريب بعض الأموال عبر القارات حيث نشر عدد من المصريين المقيمين فى الخارج أن بعضًا من السفارات الأجنبية فى لندنرعواصم أوربية أخرى تلقت مئات الملايين من الدولارات المهربة من مصر حاولت إيداعها فى البنوك فى عواصم تلك البلدان إلا أن تلك البنوك رفضت استلامها لأن تلك الأموال غير معروفة المصدر ومجهولة الهوية بالنسبة لها ومن ثم أصبحت بعض السفارات بمثابة خزانات للأموال المهربة من مصر من قبل مبارك ورموز نظامه بعد رفض البنوك استلامها.
وأشار البدرى فرغلى الى أن السفارات الأجنبية لعبت دورًا خطيرًا فى تهريب هذه الأموال خاصة فى البلدان الأوروبية وهى نفسها البلدان التى اعتاد مبارك السفر إليها فى السنوات الأخيرة لحكمه.
ويكشف البدرى فرغلى أن كل ذلك كان مدعوماً بالمستندات التى حصلت عليها اللجنة التى كان أحد أعضائها و تم عرضها فى اجتماع عقدته بحضور كل من رئيس الجهاز المركزى للمحاسبات ورئيس البنك المركزى وكذلك رؤساء البنوك الوطنية واللجان الشعبية التى شكلت والمسئولين المهتمين بمتابعة ملف أموال مصر المهربة للخارج وكان ذلك فى إطار نشاط تلك اللجنة التى كان يرأسها عصام العريان.
مشيرا إلى أنه مع حل البرلمان أصبح كل ما يختص بنشاط لجنة تقصى الحقائق البرلمانية بشأن استرداد أموال مصر المهربة فى عهدة جماعة الإخوان التى كان بحوزتها كل المعلومات المتعلقة بالملفخاصة الأموال المصرية المتواجدة فى أوروبا.
حيث إن السنوات الأخيرة من نظام حكم مبارك تحولت الدبلوماسية المصرية ذات التاريخ الوطنى إلى إدارات ومواقع لفساد مبارك حيث تعاونت مقرات بعض السفارات لإخفاء أموال الشعب المصرى والدولة لدرجة تواجد 600 مليون دولار فى سفارة لندن وحدها و كذلك سويسرا التى أعلنت أن لديها ملايين الدولارات والفرانكات السويسرية فى حين التزمت الحكومة المصرية الصمت.
كذلك وجه البدرى فرغلى النائب السابق اتهامات واضحة للإخوان بأنهم اقتسموا مع مبارك وعصابته أموال الشعب المصرى قائلاً: بعد تلك المعلومات التى حصلنا عليها ومع وصول مرسى للرئاسة أنشأت الجماعة مكتب محاماة لها فى لندن كوسيلة للتصالح مع نظام مبارك ولاقتسام أموال الشعب المصرى بينها وبينه وكان ذلك بالاستعانة بمحامين من حزب الوسط كوسطاء فى ذلك لمتابعة سير الملف مما أدى لإهدار أموال الشعب المصرى.
وأضاف: الآن أموال مصر المنهوبة أصبحت فى ذمة التاريخ ولا أحد يتحدث عن ذلك.
على الجانب الآخر نفى محمد حمودة محامى الرئيس السابق تصالح مبارك مع نظام الإخوان منتقداً أداء اللجان والمبادرات الشعبية التى شكلت لاسترداد الأموال عقب ثورة 25 يناير قائلا: كل المبادرات الشعبية التى طالبت بتجميد أموال مبارك وأسرته كانت تنم عن عدم فهم حقيقى للقوانين الدولية ولذلك كانت النتيجة هى فقط تجميد أموال المصريين لصالح الأجانب.
وأضاف: مبارك رفض التصالح مع جماعة الأخوان وقال حرفيا لن يروا جنيهًا واحدًا ولكن الذى كان مستعدا للتصالح معهم هو حسين سالم لأن محاميه الذى كان حزب وطنى ثم انقلب إخوانياً تحول لوسيط بينه وبينهم وبالفعل كان هناك الاتفاق على نسبة 10 ٪ يتقاضونها من إسبانيا ولكن الاتفاق لم يكتمل بسبب عزل مرسى.
وأكد حمودة أن محمد محسوب واحد من أبرز الذين عملوا على ملف استردادالأموال المنهوبة ورأس بعد الثورة لجنة شعبية متخصصة فى ملف استرداد الأموال المنهوبة، قائلاً: محسوب كان معروفا بانتمائه للتيار الإسلامى وتحالف مع الإخوان لكن لا يستطيع أحد أن يشكك فى ذمته المالية!!
فى حين أكد الناشط الحقوقى حسن الشامى رئيس الجمعية المصرية للتنمية العلمية والتكنولوجية وأحد المعنيين بهذا الملف - فشل اللجنة الوطنية لاسترداد الأموال المنهوبة والتى شغل فيها الدكتور حسام عيسى وزير التعليم العالى حاليا منصب الأمين العام قائلاً: لم تتوصل اللجنة لأى نتائج محددة لعدة أسباب منها أن تشكيل اللجنة نفسه لم يكن فيه التزام قانونى لأعضائها لأنها جمعية تطوعية وبالتالى الانضمام إليها كان تطوعيًا.
وأضاف: وحال هذه اللجنة حال جميع اللجان التى تشكلت كمبادرات شعبية عقب ثورة يناير من أجل استرداد أصول وممتلكات الدولة المنهوبة وكلها فشلت فى الوصول لأى نتائج لاسترداد أموال وممتلكات الشعب المصرى والأسباب فى ذلك ترجع الى أن الدولة المصرية لم تتوافر لديها الإرادة السياسية فى الأساس.
فشرط استعادة تلك الأموال يتمثل فى التصديق على المعاهدات الدولية والاتفاقيات الثنائية فى هذا الشأن ولكن مصر لم تنضم لأى من تلك المعاهدات وبالتالى لم يكن لديها أى حصن أو سند قانونى أو حتى علاقات شخصية!!
ويضيف الشامى: بالفعل هناك إدارة داخل وزارة العدل لاسترداد الأموال ومشروع قانون لذلك ضمن أهداف تطبيق العدالة الانتقالية بالإضافة إلى جهود الجمعيات الأهلية ولكن ما فائدة ذلك دون الإرادة السياسية والسند القانونى وعدم وجود المساندة الشعبية القوية من المجتمع المدنى بمنظماته غير الحكومية وجمعياته الوطنية.
وعن لجنة تقصى الحقائق البرلمانية برئاسة العريان ودورها أكد الشامى أن تلك اللجنة لم تكن لها أى نتائج ملموسة تذكر ولم تستكمل أعمالها.
وأشار الشامى إلى استهانة الحكومات التى جاءت بعد الثورة بإهدار أموال الشعب المصرى إلا أن بعض الناشطين أسسوا جمعية لتفعيل حركة عدم سداد ديون مصر الكريهة وهدف الحركة هو المطالبة بحق مصر فى عدم الالتزام بسداد قروض وديون استدانتها الحكومات المصرية من الخارج وكانت لمصالح شخصية واستغلال فى غير مصلحة الشعب المصرى وخلص الشامى إلى أن استرداد أموال مصر ينبغى أن يحتل أهم أهداف وزارة العدالة الانتقالية ولكنه وصف هذه الوزارة بالضعف منذ إنشائها فى 30 يونيو مقارنة بتجارب دول كالمغرب وجنوب أفريقيا التى أعادت الحقوق لأصحابها بعد اعتراف الجناة بجرائمهم وقبول الضحايا للتعويضات من خلال لجنة للمصالحة تشكلت من عناصر من القضاة السابقين وأعضاء المجالس التشريعية وممثلى المجتمع المدنى ومحامين مستقلين وفقاً لقانون أو اتفاقية تضمنت التعويضات العادلة.
ولكن فى مصر فحتى الآن لا يوجد اتفاق مجتمعى أو حتى حوار بشأن أهداف العدالة الانتقالية وحتى الآن لم تتخذ أى إجراءات فى هذا الشأن الهام على حد قوله.
بينما كشف المهندس حمدى الفخرانى عن بعض المعلومات فيما يتعلق بهذا الملف قائلا: عُرض على أن أنضم للجنة استرداد الأموال ولكن رفضت ولم أشارك فى اجتماع واحد للجنة، وأشار إلى أن لجنة محمد محسوب قامت بدفع 75مليون دولار لشركة إنجليزية لكى تسترد الأموال ولكن لم تأت الشركة بجنيه واحد لأنها كانت شركة وهمية على حد قوله.
وأضاف أن عدم استقرار الأوضاع السياسية ليس له دخل فى فشل استعادة الأموال لأن عدم الاستقرار هو سبب كاف للعمل على استرجاعها لكى يتم تهدئة الشعب مما يؤكد على أنه لم تكن هناك جدية فى استرداد الأموال من الأساس، بالإضافة لضعف الخبرة باللجان وهذا ما تسبب فى إهدار المال العام.
كما أن استرجاع الأموال المنهوبة ليس أمراً مستحيلاً الآن، إلا فيما يتعلق بتداخلات البورصة والأسهم التى تم بيعها.
وأكد الفخرانى أن مرسى وجماعته لم يكن يعنيهم أن يغضبوا الغرب أو نظام مبارك باسترداد الأموال لأنهم كانوا يريدون أن يرثوا السلطة بما فيها من فساد.
أما محسن عادل نائب رئيس الجمعية المصرية لدراسات التمويل والاستثمار فقد أرجع الفشل فى استعادة أموال مصر بالخارج لضعف خبرة تلك اللجان التى تم تشكيلها بالإضافة لعدم إصدار الأحكام القضائية فى حق من نهبوا هذه الأموال.
مشيرا إلى أنه مهما كانت الجهود المبذولة فإنها لا تفى بأى نتيجة إلا فى ظل أحكام قضائية.
صلاح جودة المستشار الاقتصادى لمفوضية العلاقات الأوروبية قال: خلال الحكومة الانتقالية التى تشكلت بعد ثورة25 يناير: قام محمد محسوب ومعه د.حسام عيسى بتشكيل لجنة شعبية وقالوا إنهم سيعيدوا أموال الفاسدين من نظام مبارك، وفى البداية حددت اللجنة حجم الأموال بحوالى 700مليار دولار، وأن سويسرا وإنجلترا وأمريكا سيقومون بتجميد الحسابات بعد مناقشة اللجنة لتلك الدول، حيث كان وقتها جون كيرى عضو مجلس النواب الأمريكى وخاطب اللجنة أن بيانات حسنى مبارك لديهم تبلغ 31مليار دولار وعندما طالبت اللجنة بتجميد الحسابات تراجع جون كيرى وقال إن الإدارة الأمريكية كانت تقصد أموال القذافى وليس أموال مبارك، وبعدها رجعت لجنة محسوب بدون أى بيان وظلت اللجنة تنقل بياناتها شفويا دون أى بيان رسمى لها، وبعدها تولى محمد محسوب وزارة الشئون البرلمانية لمدة 6 أشهر ولم يقل أى شىء وصرف هو ولجانه 600 مليون جنيه مصرى أنفقها على رحلات من أجل استرداد الأموال ولم يرجع منها جنيه واحد، وللأسف لم نسترجع ولو جزء من الأموال التى بالخارج بالإضافة للمبالغ التى صرفت، وأموال رجال الأعمال الذين كانوا ينفقون على اللجنة فى سفرياتها لتنفذ مهامها ولكن لم يفعلوا شيئًا، فلجنة محسوب تدفع للشعور بالندم لأنها لم تسترجع أى شىء من الأموال والمبالغ التى أنفقت والشىء الغريب أن اللجنة لم تصدر أى بيان عن عن مناقشاتها مع الدول التى تحاورت معها على الأقل كان يمكن أن نطالب الدول مرة أخرى فى وقتنا الحالى.
وفى سياق ما دونه محمد محسوب على صفحته الشخصية بأنه لم يحمل الدولة سوى تذكرة سفر واحدة.
علق جودة على ذلك بأن محسوب خلط فى أموال اللجنة عندما كان فى تحالف الوفد الشعبى وأموال اللجنة كوزير للشئون القانونية، فالأولى كان يصرف عليها رجال الأعمال أما الثانية كان يصرف عليها من الدولة وذلك مصروف ومسجل فى ملفات الدولة والسفارات المصرية بالخارج.
كما أشار إلى أن البنوك لها دور فى أموال الفساد لأنها ساهمت فى تهريب الأموال خلال حكم مبارك والأهم من ذلك تهريب الأموال خلال فترة 25 يناير2011 ولقرابة 6 أشهر وهذه الفترة يسأل عنها فاروق العقدة.
وأكد مستشار المفوضية الأوربية أن فترة حكم محمد مرسى كانلها دور سلبى فى استعادة الأموال لأنه كان بإمكان مرسى أن يتحاور مع الدول ويعقد معها اتفاقية تمكن من استرداد الأموال ولكنه لم يلق اهتمامًا بالإضافة لضعف خبرة القائمين على اللجنة. أدى ذلك كله إلى فشل استرداد الأموال، وبالنسبة لمن يقول من أعضاء اللجنة أن الصدام الذى كان بين نظام مرسى والقضاء المصرى أثر سلبا على استرداد الأموال، فهذه مبررات لأن الصراع مع القضاء كان عقب توليه الحكم بحوالى6 أشهر فى حين أن لجنة المبادرة الشعبية بدأت عملها منذ الفترة الانتقالية بعد يناير 2011 كما أن من غباء لجنة جهاز الكسب غير المشروع أنها أصدرت حكمًا لمبارك فيه إمضاء له على 7 ورقات بلغات مختلفة تضمنت إقرارًا منه بتفويض المستشار فلان للكشف عن جميع الحسابات باسمه وله أن يسحبها فهذا غباء لأنه مستحيل أن تكون كل أموال مبارك بالخارج باسمه لأن هناك ما يسمى بشركات «الأوف شور» وهى أن تكون الأموال باسم الشركات للأشخاص أسهم رقمية.