حرب الفتاوى مع أو ضد الحاكم- أيا كان- ستظل آفة الشعوب النامية التى يستخدم حكامها بعضا من شيوخها كذراع دينية لهم لتمرير ما يريدون! تعيش مصر منذ ما يقرب من الثلاث سنوات فى حرب ليست سياسية فحسب ولكنها دينية أيضًا، ورغم نفى البعض إلا أن فتاوى مثل «مبارك ولى الأمر ولا يجوز الخروج عليه» أو «فتاوى جواز قتل المعارضين لمرسى» وغيرها من فتاوى السلطان قد أشعلت النار فى الشارع الذى لم يهدأ ساعة طوال ال3 سنوات.
وثار الجدل على أشده بعد فتوى مفتى الديار المصرية السابق الشيخ على جمعة، الذى أفتى بجواز قتل المتظاهرين الخارجين على رجال الشرطة والجيش، كما يدعى الإخوان وحلفاؤهم بعد اقتطاع فيديو خاص به توزعه الشئون المعنوية للقوات المسلحة، ليخرج بعدها يوسف القرضاوى «رأس الفتنة القطرية» ليهذى بقوله إن «الانقلابيين هم الخوارج على الرئيس محمد مرسى»، واصفًا على جمعة، مفتى الديار المصرية الأسبق، ب«عبد السلطة وعالم الشرطة». وخرج القرضاوى متحدثا عبر شاشة «الخنزيرة» قائلا ما نصه «مرسى الحاكم الشرعى ومعه دستور منتخب ومجلس شورى، فمن يخرج على الحاكم الشرعى هم من يستحقون القتل لأنهم الخوارج وليس نحن المدافعين عن مرسى».
بالعودة إلى أيام ثورة يناير فلم ننس أن معظم مشايخ «السلفية» يحرمون الخروج على مبارك أيضا.. ومنهم الشيخ محمد حسان الذى وقف على منصة ميدان مصطفى محمود اعتراضا على فض اعتصامى رابعة والنهضة بالقوة، ها هو نفس الرجل يقول فى خطبة يوم 22 يناير 2011 مانصه «الإضراب والتخريب فى الشوارع لن يوسع الرزق وستعم الفوضى كل أرجاء مصر وستسيل الدماء فى شوارع مصر إذا ماعمت الفوضى!
وبعد الثورة كان طبيعيًا أن يغير الكثير من مواقفه .. «ياسر برهامى» قال إن مبارك لم يكن حاكما شرعيا وبالتالى لا ولاية له علينا ونحن اشتركنا فى المظاهرات لخلعه!.. خرج الشيخ يعقوب مبتهجا بنصر الله وقال «البلد بلدنا واللى مش عاجبه يمشى» وقالت الصناديق للإسلام نعم!! فى غزوة استفتاء مارس الشهير ثم عاد وقال «معلش أنا كنت بهزر»!!
وقبل الاستفتاء على التعديلات الدستورية شهدت مصر حينها تجاذبات دينية أكثر منها سياسية حتى تحولت (نعم) و(لا) بين الإسلام وغير الإسلام بل وصل ضلال بعض المشايخ أن قالوا أن الكنيسة تحرض بلا ونحن نحرض بنعم وذهب المصريون للاستفتاء رغم أن أغلبهم لم يقرأ تلك المواد ولكنه قال نعم نصرة لدين الإسلام!!
«فتاوى السلطان» لم تتوقف حتى مع الانتخابات الرئاسية ولكنها تلك المرة بصبغة إخوانية خالصة لوجه المرشد عندما أصدر د. منير جمعة عضو جمعية الإخوان وعضو الاتحاد العالمى لعلماء المسلمين فتوى بعدم جواز التصويت لصالح عمرو موسى والفريق أحمد شفيق فى الانتخابات الرئاسة!!
وقبل أيام من حسم جولة الإعادة فى الانتخابات الرئاسية خرج الداعية أبوإسحاق الحوينى على قناة الناس متحدثا إلى الإعلامى خالد عبدالله قائلا «أهيب بكل المصريين أن يكونوا خلف «مرسى» لأنه يريد أن يطبق الشريعة ولا أجد مبررا لأحد ان يبطل صوته أو يقاطع الانتخابات.
وبعد فوز «مرسى» بالانتخابات الرئاسية السابقة كشف لنا مشايخ السلطان عن وجههم القبيح الذى لا يحرم المظاهرات، فحسب بل ويكفر من يخرجون فيها، الشيخ وجدى غنيم قال قبل أيام من 30 يونيو 2013 «إن الخارجين فى 30 يونيو هم جبهة الخراب الصليبيون المجرمون الفلول البلطجية وقال الخروج على مرسى بإجماع المسلمين حرام شرعا» !!
وعلى نفس النهج ولكن هذه المرة فى حضور مرسى داخل استاد القاهرة خلال مؤتمر دعم سوريا حيث قال محمد عبدالمقصود «اللهم انصر الإسلام وأعز المسلمين، وأن يجعل يوم الثلاثين من يونيو يوم عز للإسلام والمسلمين ويوم كسر لشوكة الكافرين والمنافقين، اللهم إنا نعوذ بك من شرورهم، اللهم اهزمهم وانصرنا عليهم، اللهم انصر دينك وعبادك الصالحين».
أما د.«محمد البرادعى» فقد نال نصيبه من الفتاوى التى أباحت دمه فى نظام مبارك ونظام مرسى حتى فى عهد الرئيس المؤقت عدلى منصور فإنه متهم بالخيانة!!
ففى عهد مبارك أجاز الداعية محمود عامر عبر فضائية المحور جواز إهدار دمه لأنه يثير الفتن ويحرض على عصيان النظام! وفى عهد مرسى أجاز الشيخ محمود عامر الشهير بمقولة «هاتولى راجل» جواز قتله لأنه يحرض على الفوضى والتخريب!!
وفى عهد «عدلى منصور» فإن البرادعى متهم أيضا حيث حددت محكمة جنح مدينة نصر جلسة 19 سبتمبر القادم، لنظر أول جنحة مباشرة مقامة ضد البرادعى نائب رئيس الجمهورية للعلاقات الدولية سابقًا، والتى يواجه فيها تهمة «خيانة الأمانة» بسبب استقالته احتجاجا على فض اعتصامى رابعة والنهضة بالقوة.
وبعد سقوط الإخوان وعزل مرسى لم تتوقف فتاوى السلطان ولكن خرجت فتوى تجيز قتل المتظاهرين والتى تمت الإشارة لها فى السطور الأولى كما خرج الشيخ سالم عبد الجليل يفتى ويقول «على الجندى الذى يأمره قائده العسكرى بقتل متظاهرين سلميين عدم إطاعته وإن مات لعدم تنفيذ الأوامر فهو شهيد»!
كما خرج مستشار شيخ الأزهر الإخوانى المستبعد الشيخ حسن الشافعى يناشد المصريين بعدم تلبية دعوة السيسى للاحتشاد فى الميادين من أجل تفويضه فى محاربة الإرهاب، وأن يقفوا صفا واحدا مع الرئيس الشرعى، ليرد عليه د.عبدالله النجار عضو مجمع البحوث الإسلامية قائلا عبر قناة العربية «أن موقف الشريعة الإسلامية واضح تماما من هؤلاء فلا يوجد أى دين يأمر بهذا ولا توجد أى عقيدة تأمر بأن يكون التخريب أو القتل أو النهب أو الغصب هو السبيل الذى ننتهجه من أجل تحقيق مصلحة، فالشريعة الإسلامية حاربت جميع الأشكال التخريبية وحاربت كافة الأمور التى تدخل فى إطار التخريب بالوطن فإعلاء المصلحة العليا للوطن هو فريضة دينية.
ثم جاءت الأزمة الأخيرة بين مصر وتركيا بعد أن أعلن شيخ الأزهر فى كلمة مسجلة له عبر التلفزيون المصرى بعد فض اعتصام رابعة والنهضة أن الاختلاف سنة الله فى الكون لكنه لا يقدح فى وطنية أحد، الشرعية لا تكتسب بمشاهد العنف، من حق الجميع أن يشارك فى صنع مستقبل مصر، الأزهر يناشد الأمن التفريق بين المتظاهرين السلميين والإرهابيين.
وهو الأمر الذى أدى إلى هجوم شديد اللهجة من قبل رئيس الحكومة التركية أردوغان شيخ الأزهر لتأييده ما وصفه ب«الانقلاب العسكرى» فى مصر، قائلاً إن التاريخ «سيلعن» العلماء أشباهه.
هكذا تسير مصر بين نخبة زائفة تتكلم فى السياسة وشيوخ للسلطان يفعلون مايؤمرون!!