مشكلة الفريق أحمد شفيق أنه لم يدرك بعد أننا لا نمتلك النسخة الثانية من «نورماندى» حتى يعود على ظهرها إلى مصر ويحررها من الاحتلال الإخوانى، كما فعل الرئيس الفرنسى «شارل ديجول» وحرر بلاده من الاحتلال الألمانى.. وحتى نمتلك «نورماندى 2» سيظل الفريق أحمد شفيق يستمد حضوره من الاستغلال العاجز لأخطاء وخطايا حكم الإخوان على طريقة صياد بدائى فى ماء عكر، كأن يستأسد أمام الإعلام أثناء اختطاف الجنود السبعة، ويقول إن أرواح أبنائنا رقم واحد وبعد أن يعودوا بسلام بأى طريقة لا بد أن نحرق المختطفين والأرض التى يختبئون بها.. ولو أنه من بين المخطوفين ابن مرسى أو ابن خيرت الشاطر لفعل الإخوان أى شىء لإعادتهم. الفريق يقدم نفسه من منطقة الخبير الأنسب فى مثل هذه المواقف استنادا إلى أنه شارك فى حرب اليمن وكل المهام والعمليات الصعبة مع القوات المسلحة.«من يقول إن شفيق هارب.. قليل الأدب».جملة حادة، قاطعة قالها الفريق عبر مداخلة تليفونية لأحد البرامج، وأنا لا أريد أن أكون قليل الأدب، لكن هل يستطيع الفريق أن يعود إلى مصر الآن؟ هو ربط عودته بالوقت المناسب، وبالحصول على الاستقبال المناسب.. الاستقبال الذى يناسب ما يتوقعه الفريق لنفسه لن يحدث مهما زاد عدد دراويشه والحقيقة أن العدد يتراجع.. كما أن الوقت المناسب مرتبط بزوال حكم الإخوان، وحكم الإخوان قائم، والفريق خائف من الإخوان لأنهم- حسب وصفه- جبناء لا يعرفون غير الانتقام الأعمى بدليل أنهم منعوا زوجة الراحل عمر سليمان وابنتيه من السفر وأعادهن من المطار.. الفريق أبدى أعجابه بنظرته الثاقبة عندما أكد أنه كان على حق حينما خرج من مصر حتى لا يمكن للإخوان أن يخنقوه. وبالتالى فإن لقب «مناضل بالمراسلة» أفضل من سجين. الفريق يغضب من وصفه بالهارب ويثنى على نفسه لأنه توقع غدر الإخوان وفوت عليهم فرصة خنقه بالسفر إلى الإمارات، يوصم الإخوان بأنهم لايعرفون إلا الانتقام الأعمى، بينما هو يمارس العداوة على طريقة الفرسان ونبلاء العصور الغابرة، قائلا «الإخوان كانوا هيركعوا قدامى لو بقيت رئيس».هذا التناقض المؤسف سمة مميزة فى شخصية الفريق منذ تصدر المشهد بتقلده منصب رئيس الوزارء ضمن محاولات مبارك الفاشلة فى إنقاذ سفينته من الغرق.. الأكثر حسرة وأسفاً هو إصرار دراويشه على انتظار اليوم الذى يدخل فيه قصر الاتحادية.. ولو باعتباره البديل الأقل مرارة من حكم الإخوان، خاصة أن الشعب المصرى- فيما يبدو- سيظل عالقا بين امتداد دولة مبارك وفزاعة الإخوان المسلمين التى صقلها وقوى شوكتها نظام مبارك.. والفريق كان بإمكانه أن يلعب دور همزة الوصل بين نظام مبارك المنهار ونظام جديد يصبح فيه للشعب قيمة حقيقية، وأنه لو كان قد جاء رئيسا لحاول خلال فترة حكمه أن ينفى عن نفسه أنه ظل مبارك أو امتداده بالإفلات من قبضة النظام القديم، حتى إنه لن يستطيع إعادة سيرة مبارك أو المشى على نهجه لأن الشارع اختلف. فشل الفريق فى إدارة أزمة التنحى بشكل ساحق، وما زال ظهوره بعد 24 ساعة من ضرب الثوار فى موقعة الجمل، وتعليقه أنه لم يتابع مادة للتندر والسخرية، وعندما قرر الترشح لانتخابات الرئاسة كان ظاهرا للعيان أن مستقبله السياسى مرتبط بما يراه ويريده مجلس طنطاوى.. وعندما دعا لإنشاء حزب سياسى لم يظهر أى تأثير للحزب وبات وجوده مرتبطا باسم أحمد شفيق، ثم أكدت استقالة د. إبراهيم درويش، الفقيه الدستورى قال: تأكد لى أن هناك عناصر من الذين أعطوا توكيلات لمؤسسى الحزب يعتقدون أنه يجلس على كنوز.. ظن هؤلاء أدى إلى حدوث دسائس وتطاول بذىء للغاية، هذه الدسائس والبذاءات لم تفرق بين الحملة الانتخابية وبناء الحزب، وأن الولاء يجب أن يكون للحزب. وحين خسر فى جولة الإعادة وقد كان الأقرب بحكم شواهد كثيرة، رضى عن النتيجة التى يراها هو وكثيرون غيره مزورة، ثم عاد بعد تمرد الشارع على حكم الإخوان بتبرير رضاه قائلا: ما فعلته هو نفس التصرف الذى كنت سأقوم به إذا ما رأيت لصا يسرق منزلى.. أدعه يهرب بما سرقه لأننى لو تعرضت له لقتلنى أنا وأفراد أسرتى.. لذلك تركت اللص يسرقنى حتى أعد العدة له.. هذا التحليل يناسب شخصيات أخرى ليس من بينها شخصية عسكرية تظهر بطولتها فى مواقف مماثلة، فما بالك والفريق خاض معارك كثيرة وسبق له أن «قتل واتقتل».لم يحدد الفريق المدة التى تلزمه لإعداد العدة، تركها مفتوحة، وهذا كلام مضحك من فرط سذاجته، تماما مثلما يتقمص دور المناضل الذى يستطيع قلب المائدة فوق الرءوس والعودة إلى مصر على طريقة «شارل ديجول»، لكن رأفته بحال البلد وخوفه من فضيحتها أمام العالم يوقفه «فليلزم الجميع حدودهم حتى لا أتخذ إجراء يؤذى الجميع أمام العالم فمصر فيها اللى مكفيها». الفريق نجا بنفسه وانتهى الأمر، وغالبا لن يعود حتى لو انتهى حكم الإخوان، فهو طوال عام كامل من حكم الإخوان رأى فيه الشعب المصرى والعالم عشوائية فاقت الخيال، وفتحت المجال لصناعة أعداد رهيبة من المناضلين، كان من المفترض أن تزيد شعبية الفريق، لكن ما حدث أنها انخفضت لدرجة تهدده بالتحول إلى ذكرى غير مرغوبة.. وهذا ما يقاوم دراويش الفريق وعبيد دولة مبارك تصديقه، إذ كيف يمكن قبول الفريق رئيسا لجمهورية ما بعد الثورة وهو خائف، هارب من مواجهة انتقام الإخوان، ومرعوب من إمكانية وضع عائلتة على قوائم الممنوعين من السفر كما حدث مع عائلة عمر سليمان.. أنصار الفريق لا يصدقون أن دولة العسكر انتهت وأن احتمال عودتها يشبه المستحيلات الثلاثة، ولو كان فيها نفس يمنحها القدرة على البقاء لما انفجرت ثورة 25 يناير.