أدى التفجير الأخير فى ماراثون بوسطن إلى تصاعد الدعوات إلى العنف ضد المسلمين فى الولاياتالمتحدة، على الرغم من اندماجهم فى المجتمع الأمريكى وولائهم للدولة الأمريكية.وفى موقع «إسلاموفوبيا توداى» نقلت الصحفية هايدى هول عن مدير مشروع أبحاث وتوثيق الإسلاموفوبيا فى جامعة كاليفورنيا بيركلى حاتم بازيان قوله: إن التفجير فى ماراثون بوسطن تسبب فى تصاعد الدعوات إلى العنف ضد المسلمين فى أنحاء الولاياتالمتحدة.
وكتبت صحيفة ديلى ميل البريطانية أن سياسيا محليا فى ولاية تنيسى الأمريكية يتعرض للانتقاد بعد أن قام بنشر صورة على موقع فيس بوك تظهر راعى بقر أمريكيا، يصوب بندقية رش ثنائية الطلقات وإحدى عينيه مغمضة، وقد كتب فوق الصورة: كيف تغمز بعينك لمسلم، أى أن الطريقة المثلى لمغازلة مسلم، هى قتله وتقول الصحيفة، إن مفوض مقاطعة كوفى بارى ويست، الذى نشر الصورة أزالها بعد ساعة من نشرها، ولكنه مازال يعتقد أن لا مشاكل فى نشر هذه الصورة الهزلية. وذكرت صحيفة ناشفيل سين الأمريكية أن المفوض بارى ويست اعتذر عن النكتة المناوئة للمسلمين. وكانت بعض المنظمات الاجتماعية الأمريكية، ومنها المركز الأمريكى للتفاهم طلبت من المواطنين الأمريكيين المعنيين بالأمر الاتصال بمكتب ويست، ومطالبته بالاعتذار. وقد حصلت عليه. وفى مجلة ذى بروجريسيڤ يتناول اميتاب بال مدير تحرير مجلة ذا بروجريسيڤ الأمريكية ومؤلف كتاب: الإسلام يعنى السلام، الأثر الذى خلفه اعتداء ماراثون بوسطن على الجالية المسلمة فى الولاياتالمتحدة، فيشير إلى أن الإسلام والأمريكيين المسلمين يتعرضون لحملة تشويه ظالمة بسبب تفجيرات بوسطن. هذا على الرغم من أن الأسباب التى دفعت الأخوين تارنايف إلى ارتكاب جريمتهما، كانت ذات طابع شخصى. ويوضح الكاتب موقف الإسلام الحقيقى من هذه الحوادث، فيقول: إن الإسلام يحرم مثل هذا السلوك. فالقرآن الكريم ينهى بصورة واضحة عن القتل والعنف. وهو يجل النفس البشرية، ويحض على الحفاظ عليها. ومما جاء فيه قوله تعالى فى سورة المائدة الآية 32: من قتل نفسا بغير نفس أو فساد فى الأرض، فكأنما قتل الناس جميعاً، ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا. ومن الواضح أن تفجير القنابل بقصد قتل الناس وتشويههم يخالف هذه الشرائع والإرهاب فى حد ذاته مخالف لروح الإسلام، الذى يقدس الحياة البشرية، ويعتبر أن الله تعالى هو الذى يعلم الذنوب، ويحدد من المذنب، كما كتبت تمارا سون، من كلية وليام ومارى فى فرجينيا، وهى ثانية أقدم مؤسسات التعليم العالى فى الولاياتالمتحدة بعد هارفارد.
ومما لا شك فيه، كما يقول الكاتب أن الأمريكيين المسلمين يجب ألا يحملوا مسئولية ما فعله شخصان مريضان اجتماعيا. فأعضاء الجالية المسلمة فى أمريكا بوجه عام، أعضاء فى المجتمع الأمريكى، مندمجين جيدا، وقانعين بوضعهم، كما كشف استطلاع للرأى أجراه مركز جالوب عام .2011 ويقول الكاتب: إن الأمريكيين المسلمين أقرب إلى احتمال رفض العنف المستخدم لأغراض سياسية، من أتباع الديانات الأخرى. وذكر تقرير مركز جالوب، الذى نشر مع الاستطلاع، أن ما يؤكد انعدام تعاطف الأمريكيين المسلمين مع حركة القاعدة أنهم المجموعة الدينية الرئيسة فى الولاياتالمتحدة، الأقل احتمالا لأن تقول إنه يوجد أى مبرر على الإطلاق، لقيام أفراد أو جماعات صغيرة بمهاجمة مدنيين. ويقول التقرير إن واحدا من كل 10 أمريكيين مسلمين تقريبا، يقول إن مثل تلك الهجمات مبررة فى بعض الأحيان. وفى كل المجموعات الدينية الرئيسية الأخرى باستثناء المورمون، كانت نسبة من يقولون إن مثل تلك الهجمات مبررة فى بعض الأحيان، تعادل ضعف هذه النسبة على الأقل. ومما يوضح أن الأخوين تارنايف، لم يكونا على اتصال بأبناء دينهما، التقرير الذى جاء فيه أن الأخ الأكبر، تامرلان، كان قد طرد من مسجد فى منطقة بوسطن بسبب اعتراضه على إطراء إمام المسجد لشخص مارتن لوثر كينج القس وزعيم حقوق الإنسان الأمريكى 1929-1968 الحائز على جائزة نوبل للسلام الذى كان ينادى باللا عنف فى الاحتجاج. وكما كتب الإمام صهيب، على صفحة الجمعية الإسلامية، التابعة لمركز بوسطن الثقافى، فإن التوجه نحو الأصولية لا يحدث مع الفتيان ذوى الجذور العميقة من أفراد عامة المسلمين الأمريكيين، بل يحدث بصورة متزايدة من خلال شبكة الإنترنت، وفى الخارج فى بعض الأحيان، فى أوساط المنعزلين والساخطين. ومع كل ذلك، كما يقول الكاتب يجرى تشويه سمعة الجالية كلها بوجه عام. فقد طالب النائب الجمهورى بيتر كينج بإخضاع الأمريكيين المسلمين لتدقيق خاص. وقالت النائبة الجمهورية دانا روراباتشر، بعد هجوم بوسطن، آمل فى أن نعمل جميعا معا ضد دين يدفع الناس إلى قتل الأطفال، وغير ذلك من المخاطر علينا كمدنيين. ويقول الكاتب إن تشويه سمعة دين وجالية برمتهما، هو أسوأ أنواع الافتراء. كما أن الأمريكيين المسلمين ليسوا الخطر الداهم على الولاياتالمتحدة، الذى يصوره البعض. فالجهاديون المسلمون، قتلوا 17 شخصا فى الولاياتالمتحدة بين 11 سبتمبر2001 ونهاية عام 2012 وفقا للبيانات التى جمعها الصحفى بيتر بيرجين ومؤسسة أمريكا الجديدة، كما ذكرت مجلة مذر جونز. وفى المقابل قتل متطرفون يمينيون 29 شخصاً أثناء السنوات الإحدى عشرة نفسها. وتضيف المجلة قائلة: باستخدام بيانات بيرجين التى يذكر فيها وجود 203 إرهابيين جهاديين، نجد أن ما يقارب 0 .007٪ من مسلمى الولاياتالمتحدة كانوا متورطين فى خطط إرهاب محلى منذ 11-9 . ويقول الكاتب فى ختام مقاله، إننا فى حاجة إلى مراعاة الأرقام، فى أعقاب هجمات بوسطن، وإدراك النسبة والتناسب فيها. وفى تقرير آخر لمركز التقدم الأمريكى وهو مركز أبحاث أمريكى ليبرالى التوجه، يوضح مدى تطور شبكة الإسلاموفوبيا فى أمريكا خلال السنوات العشر الأخيرة، والنمو السريع والمتصاعد لتلك الظّاهرة، والتى تطورت بصفة ملحوظة منذ عام 2001 ونمت أكثر وبشكل مقلق خلال العامين الأخيرين. فقبل عشر سنوات لم تكن شبكة الإسلاموفوبيا بهذا الحجم، وما كانت تضم كل هؤلاء الإعلاميين والكتاب والسياسيين والقادة الجماهيريين. ولم تكن أيضا قد انتشرت فى نوامى مختلفة من الحياة العامة الأمريكية، وخاصة على المستوى السياسى الجماهيرى كما يوضح التّقرير؛ وهذا يعنى أننا أمام خطر حقيقى متنام. وتقول الدراسة إن الإسلاموفوبيا هى امتداد لحركات الكراهية الأمريكية. وهى حركات عديدة وقديمة قدم أمريكا نفسها، وعانت منها تاريخيًا جماعات أمريكية مختلفة كالسود وبعض المهاجرين وبعض الطّوائف الدينية المسيحية لأسباب مختلفة، وهنا تقول الدراسة: للأسف المسلمون الأمريكيون والإسلام هما الفصل الأحدث فى كفاح أمريكى طويل ضد استخدام الآخرين كبش فداء لأسبابٍ دينيّة وعرقية وعقائدية. كما تقول إن شبكة الكراهية ليست حديثة فى أمريكا، ولكن قدرتها على التنظيم والتنسيق ونشر أيديولوجيّتها من خلال المنظّمات الجماهيرية زادت دراماتيكيا خلال السنوات العشر الأخيرة. أكثر من ذلك أن قدرتها على التّأثير فى خطاب السياسيين وقضاياهم الخلافية فى انتخابات عام 2012 حولت أفكارا كانت تعتبر فى السابق خطابا متطرفا إلى تيّار عام رئيسى. وهذا يعنى أن شبكة الإسلاموفوبيا لم تولد فى أمريكا بعد أحداث 11 سبتمبر، فقد وجدت قبل ذلك بسنوات. وتشير الدراسة إلى كتابات بعض رواد شركة الإسلاموفوبيا ومواقفهم كستيفن إمرسون مؤسس ومدير مركز المشروع التحقيقى عن الإرهاب تعود إلى النصف الأول من تسعينيات القرن الماضى. تشير الدراسة الراهنة إلى أن الإسلاموفوبيا بمعناها السابق لا تنتشر فى أمريكا بهذه السرعة تلقائيا أو كنتيجة للتوتر الذى تمر به العلاقات بين أمريكا وبعض الدول المسلمة، أو بسبب التحيزات القديمة وأخطاء الإعلام الأمريكى فى تغطية قضايا الإسلام والمسلمين. الدراسة تقول لنا إن الإسلاموفوبيا فى أمريكا مقصودة ويقف وراءها مجموعة من المؤسسات اليمينية المتشددة، والتى تسميها الدراسة شبكة الإسلاموفوبيا. هذا يعنى أننا أمام عدة مؤسسات تعمل فى تكامل وعن قرب لنشر الإسلاموفوبيا على مستويات مختلفة. وهذا يعنى أيضا أنها مؤسسات مختلفة تقوم بوظائف متعددة، فبعضها ينتج الأفكار وبعضها يمول، وفريق ثالث ينشر الأفكارفى الإعلام، ورابع ينشرها فى أروقة السياسة وفى أوساط الجماهير، وهناك أيضا من يترجمها فى صورة سياسات وقوانين وقرارات حكومية.