وزارة الخارجية المصرية تعانى فى الآونة الأخيرة مما تعانى منه كل مؤسسات الدولة.. حيث ثورة قامت كانت مصر خلال 81 يوما جنة الله فى الأرض تليها أكبر كذبة فى تاريخنا المعاصر وهى إسقاط النظام بخلع مبارك الذى تخلى عن منصبه!.. وعادت مؤسسات الدولة بعد ثورة وردية للعمل كما كانت فى قديم عهدها.. بنفس الآليات.. بلا رؤية أو أجندة تحدد أولويات العمل بها.. كأن ما جرى كان كرنفالا فى الميدان وبعد انفضاضه عاد كل شىء إلى ما كان عليه. لاقت وزارة الخارجية فى الآونة الأخيرة هجوما من وسائل الإعلام.. ولعل ذلك بسبب الاختبار الصعب جدا الذى وضعت فيه الخارجية وللإنصاف مصر كلها بعد نظام استبد بها لمدة ثلاثين عاما ليتم استبداله بنظام أكثر فاشية.. وتعثر وزارة الخارجية فى الامتحان لا ينفى أنها خط دفاع حيوى للحفاظ على الأمن القومى المصرى وأن تلك الوزارة بها كفاءات وعقول ومصريون مخلصون يعملون قدر المستطاع لخدمة وطنهم فى ظل تلك الظروف الصعبة، وفى الوقت الذى يتم وضعهم فى مواقف تثير سخط الناس عليهم وعلى الوزارة والوزير مثل تحركات الرئاسة وعصام الحداد فى كثير من الدول والملفات بشكل فج ويسىء للخارجية ويضعها فى موقف صعب أمام الرأى العام.. ولعل أكثر الأمثلة فجاجة للتطفل والتدخل للعمل الدبلوماسى هى زيارة الحداد والسفير محمد رفاعة الطهطاوى الأخيرة لإيران، فبرغم معرفة الخارجية بالزيارة كما صرحت فى بيان رسمى فإن الطريقة التى خرجت بها الزيارة للإعلام وكذلك البيانات الرسمية للرئاسة التى لم يرد فيها من قريب ولا من بعيد أى ذكر للخارجية مما جعلها تخرج ببيان تدافع عن نفسها وكأنها متهمة.. فالجميع يتساءل: أين الخارجية لماذا لا يتخذ الوزير محمد كامل عمرو موقفا حاسما من تجاوزات الحداد وإحراج الرئاسة الدائم لها؟
أسئلة تتردد فىالشارع والإعلام ولها أسبابها ولكن لا يجب على أحد أيضا أن ينسى أن كثيراً من ملفات الخارجية تلك المؤسسة العريقة التى تمتلك أدواتها ولها قواعدها ولديها رموزها التى أثرت الحياة الدبلوماسية، أخذت منها أيام المخلوع مبارك وكان رئيس المخابرات السابق عمر سليمان هو المسيطر عليها وهو الذى يحدد مواقف السياسة الخارجية لمصر فى ملفات عدة.
وأن ما يفعله الحداد ومرسى هو امتداد لنفس ما كان يفعله سليمان ومبارك.. بل إن مبارك هو الذى رسخ للتعامل مع الخارجية على أساس أنها أداة تنفيذية فى يد النظام على الرغم من وجود كفاءات وخبرات بها ولعل هذا يذكرنى بالأيام الأولى بعد تنحى مبارك فى ظل عنفوان ونشوة نجاح الثورة.. هذا الخداع الذى عشنا فيه جميعا وحيث تحمس شباب الدبلوماسيين وبدأوا فى المطالبة بعودة بعض ملفات الخارجية من المخابرات وطالبوا بإصلاحات عديدة فى قانون السلك وكذلك صياغة أچندةمصرية مستقلة للسياسة الخارجية المصرية بعيدا عن الأچندة الأمريكية.. ورفعوا سقف الأحلام كما فعل المصريون كلهم الذين بدأوا يحلمون بالكرامة والحرية والعزة ومصر فى مقدمة الأمم، فعادوا فى عهد مرسى مع تدهور الحال للحديث عن رغيف العيش، بل والكهرباء والغاز وأساسيات الحياة.
حلم شباب الدبلوماسيين بأچندة مستقلة للسياسة الخارجية المصرية تركز على أولويات مصر وأمنها القومى والتخلص من الأچندة الامريكية التى كان يعمل عليها مبارك فاصطدمت أحلامهم بمرسى الذى تبنى نفس الأچندة بل وعمل عليها بشكل أكثر نشاطا مع بعض الشعارات التى يطلقها بلا أى أصل فى الواقع، فإذا كانت علاقتنا الأفريقية لها أولوية قصوى لماذا يتم وضعها فى المرتبة الثالثة فى توزيع البعثات الدبلوماسية، ولماذا يريد مرسى تخفيض بعثاتنا فى بعض الدول وغلق سفارات فى دول أخرى. كما لا يتم إمداد سفاراتنا هناك بالإمكانيات لدرجةأن بعض سفاراتنا هناك ليس لديهم ما يكفى لاستئجار محام وكثير من الدبلوماسيين يتعرضون لتلك المواقف وبعضهم يضطر للمساهمة من ماله الخاص عندما تكون هناك حالات إنسانية صعبة.
مرسى ونظامه لا يريان فى مؤسسات الدولة إلا أدوات لتدعيم نظامه وتثبيت أركان حكمه.. إلا أن عملية التمكين والأخونة للخارجية معقدة وتحتاج لمدى زمنى أطول وهناك فجوة كبيرة بين ما يحاول مرسى وجماعته فعله بمؤسسات مصر وبين ما يأمله الشارع والإعلام فيما يخص أداء تلك المؤسسات.. فلا يمكن أن تطالب مؤسسة كالخارجية بأن تعمل بشكل مثالى فى حين أنه لم يُقدم لها أى من الوسائل والإمكانيات لكى تقوم بأداء مهماتها على أكمل وجه وخصوصا فى ظل إرادة سياسية لمن يحكم البلاد تعمل ضد نجاح تلك المؤسسة فى أداء دورها واستغلال طاقتها. كيف ترى مريضا أجلسه النظام السابق على كرسى متحرك لمدة ثلاثين عاما وتطالبه الآن بالوقوف على رجليه بل وتنتقده لأنه لا يستطيع الجرى وهو لم يقدم له أى دواء.
الدبلوماسية المصرية تحمل فوق عاتقها ميراث السنين الماضية، هذا بالإضافة للتضييق عليها من قبل السلطات الحاكمة الآن، ولا يمكن فهم ما تعانى منه دون إدراك أنها جزء من مصر التى تحطمت أحلامها فى التغيير مع وصول حكم دينى فاشى لسدة الحكم.