وساطات، جهود، اتصالات قامت بها مؤخراً أطراف عربية عديدة على هامش قمة الدوحة الأخيرة بهدف احتواء بركان الغضب الإخوانى.. هذا البركان انفجر فى وجه العاهل الأردنى عبدالله الثانى، فى أعقاب انتقاداته اللاذعة التى وجهها إلى جماعة الإخوان بفرعيها المصرى والأردنى.. الديوان الهاشمى نفى ما نُسب للملك من توصيف مسىء للرئيس المصرى.. هذا النفى لم يخفف من غضب الإخوان، وترك غيوماً كثيفة على العلاقات المصرية- الأردنية وتسربت معلومات حول وقف قريب لتدفق الغاز المصرى للأردن رداً على إهانة الرئيس، فى حين تحدث البعض عن طرد جماعى محتمل للعمالة المصرية غير الشرعية من الأردن.. فهل تعمد عبدالله الثانى افتعال معركة مع الإخوان، أم أنه سقط سهواً فى فخ الصحافة الأمريكية؟. حديث الملك المفخخ مع الصحفى الأمريكى «جيفرى جولدبيرج» أثار جدلاً ساخناً داخل الأردن وفى عدد من العواصم العربية والإقليمية، فلم تتوقف انتقادات الملك، عند توصيف الرئيس محمد مرسى ب «السطحى»، لكن شظايا حديثه المثير طالت شخصيات وأطرافاً عديدة، منها رئيس الوزراء التركى «رجب طيب أردوغان» الذى وصفه ب «الشمولى» الذى يستخدم الديمقراطية لفرض سيطرته على مقاليد الأمور فى بلاده ببطء على عكس الرئيس المصرى الذى يرغب فى تقليده لكن بأسرع ما يمكن، كما وصلت شرارة حديثه المفاجئ إلى جاره الرئيس السورى بشار الأسد الذى وصفه ب «القروى». تداعيات الحديث لم تتوقف عند افتعال أزمة سياسية مع بعض الدول المحيطة، بل مست صميم التكوين الاجتماعى للمجتمع الأردنى من الداخل عندما وصف بعض العشائر ب«الديناصورات» التى تعوق عمليات الإصلاح، كما لم يسلم بعض أفراد عائلته من انتقاداته، سواء أشقاءه أو أبناء عمومته، بالإضافة إلى بعض قيادات جهاز المخابرات الأردنى الذى وصفهم ب«التردد»، لكن الأهم أنه وجه سهام غضبه إلى جماعة الإخوان المسلمين فى الأردن حيث شبهها بالمحفل «الماسونى» ووصف أعضاءها بأنهم «ذئاب فى ثياب الحملان»، مما دفع الجماعة إلى إصدار بيان يرفض تلك الأوصاف ويطالب بالإصلاح. منذ وصول الإخوان إلى السلطة فى مصر، وبات ملك الأردن مدركاً أن رياح الربيع العربى قادمة إلى بلاده لا محالة، وأن الإخوان الذين قاطعوا الانتخابات التشريعية الأخيرة، ومن ثم أصبحوا يشكلون الخصم السياسى الرئيسى لحكمه، كما اعترضت أجهزة المخابرات الأردنية أحاديث لقادة الجماعة تشكك فى «إيمان» الملك، بالإضافة إلى رصد اتصالات جرت بين زعماء الجماعة فى عمان والقاهرة.. الملك اضطر إلى الإشارة بأنه يواظب على الصلوات الخمس بانتظام، وواجه بعضهم بهذه المعلومات فى لقاء تم مؤخراً فى أحد القصور الملكية.. فى ذلك اللقاء لم ينكر قادة الإخوان تشاورهم وتنسيقهم الدائم مع مكتب إرشاد الجماعة بمصر، بل تحدث بعضهم مع الملك بلغة مغلفة باستقواء لم يعهده عنهم من قبل، مما عمق لديه الإحساس بأنهم أصبحوا فى حل من تعهدهم التاريخى بالتحالف مع القصر والقسم على احترام الدستور والقانون. توابع حديث العاهل الأردنى دوت فى أرجاء المملكة، فأغضب كبرى العشائر، وتململ منه عمه الأمير الحسن بن طلال، إلى جانب بعض القوى السياسية الأردنية ذات الجذور الفلسطينية.. المجتمع الأردنى انقسم بشأن مضمون حديث الملك.. البعض رفض انتقاده للعشائر وقادة الدول «الشقيقة».. جماعة الإخوان الأردنية كانت فى مقدمة الغاضبين من كل ما تضمنه الحديث، فى المقابل تعاطف معه فريق آخر على رأسهم المثقفون والليبراليون الذين اعتبروا صراحته تنبع من شجاعته فى مواجهة الأخطار المتصاعدة لجماعة الإخوان، وما يضمرونه من رغبة فى تقويض عرشه، خاصة أن كثيراً من مثقفى الأردن ينظرون إلى أن الربيع العربى، على أنه وضع المملكة بين مطرقة الهلال الشيعى الذى كان يمثله حزب الله اللبنانى وبشار الأسد فى سوريا، ونورى المالكى فى العراق والمدعوم من إيران، وبين الهلال الإخوانى الذى تشكل مؤخراً، من خلال إخوان تركيا، ومصر وتنامى قوة حماس فى الأراضى المحتلة، واحتمالات وصول الإسلاميين إلى السلطة فى سوريا بعد انهيار حكم بشار. مقربون من الملك يتحدثون عن مشروع إصلاحى شامل يسعى عبدالله الثانى لتطبيقه فى الأردن لتجنب العصف بحكمه والتآمر عليه.. هذا المشروع يتم بموجبه تحويل نظام الحكم فى الأردن من ملكية برلمانية إلى ملكية دستورية، يملك فيها الملك ولا يحكم على الطراز البريطانى، لكنه يخشى من غدر جماعة الإخوان وعدم ثقته فى أنهم يمكن أن يلتزموا بعهودهم فى الحفاظ على العرش الهاشمى، لذلك فتح النار فى حديثه مع الصحفى الجرىء الذى نشرت مجلة «ذى أتلانتك» الأمريكية جزءاً منه على موقعها الإلكترونى قبل أيام تمهيداً لنشر الحديث كاملاً خلال الأيام القادمة، حيث من المتوقع أن يثير مزيداً من المفاجآت التى تهز العرش الهاشمى. الصحفى الأمريكى المخضرم «جيفرى جولدبيرج» تحدى الديوان الملكى الأردنى الذى نفى جميع الأوصاف التى وردت فى مقاله، وكشف عن أن ما نشره لا يمثل سوى 05٪ مما قاله الملك فى حديثه الذى استغرق نحو 5 ساعات، طلب خلالها الملك وقف التسجيل 21 مرة، وأنه حجب معلومات خطيرة بناء على طلب الملك وموظفى القصر الذين يحتفظون بنسخة من التسجيلات. اللافت أنه بالرغم من أن «جيفرى جولدبيرج» يرتبط بعلاقات وثيقة بالعاهل الأردنى ترجع بداياتها إلى قبل 41 عاماً، حيث أجرى أول مقابلة مع الملك فى بداية تسلمه العرش خلفاً لوالده الملك حسين، إلا أنه رفض الاتهامات الأردنية بعدم الدقة والتشكيك فى أمانته المهنية، وهدد بإذاعة نص الحديث مسجلاً بصوت الملك على الملأ. سخرية العاهل الأردنى من رئيس مصر مرفوضة، وتعتبر تدخلاً غير مقبول، لكن أيضا على الجماعة ألا تتدخل فى شئون الأردن الداخلية، مع الاعتراف بأن ثورة يناير المجيدة منحت كل مصرى الحق فى انتقاد رئيس الجمهورية بجميع الوسائل، لكن يبقى ذلك حقاً أصيلاً للمصريين دون سواهم، لأن فتح الباب أمام انتقاد الحكام العرب لبعضهم البعض سوف يؤدى إلى مهاترات تضر بمصالح الشعوب، وربما تتسبب فى إشعال حرب الشائعات والاتهامات التى لا تنتهى.. النموذج على ذلك أن الدكتور عصام العريان نائب رئيس حزب الحرية والعدالة الذراع السياسية لجماعة الإخوان لم يترك سخرية العاهل الأردنى من الرئيس محمد مرسى، تمر مرور الكرام.. وفى صفحته على موقع التواصل الاجتماعى فيس بوك علق: إن المملكة الأردنية مع الكيان الإسرائيلى نشأتا برعاية أمريكية، وأنهما من أكبر الدول التى تلقت دعمًا ماليًا وسياسيًا وأمنيًا واستخباراتيًا طوال ستين سنة، مرت فيها عواصف عاتية على المنطقة.. بالطبع كان متوقعاً أن يرد عليه الكاتب الأردنى «ناهض حتر» فى مقال بصحيفة «كل الأردن» تحت عنوان هلوسات العريان انتقد فيه الجماعة بقوة واتهمها بالاستعداد لعمل أى شىء من أجل الاستيلاء على حكم مصر وأضاف: من صفوف هذه الحركة، ظهر التكفيريون الإرهابيون، أتباع سيد قطب، ممن استخدمهم ال «سى آى إيه» ضد الاتحاد السوفيتى فى أفغانستان وضد سوريا فى الثمانينيات، ولا تزال تستخدمهم حتى الآن فى تجريف الثورات العربية من مضامينها الاجتماعية والتحررية، وكحلفاء لإسرائيل كما فى تركيا، أو وسطاء لها كما فى مصر.