على الرغم من إنتاج أكثر من 300 عمل تليفزيونى وسينمائى عن السيد «المسيح» - عليه السلام - وحوالى 60 عملا عن نبى الله «موسى» - عليه السلام - فإن السينما الأمريكية لم تقترب - إلا فى أضيق الظروف - من تنفيذ فيلم عن سيدنا محمد «ص»! صعوبة تقديم سيرة سيدنامحمد «ص» على الشاشة يعود إلى العنف الذى يبادر به معظم شيوخ الإسلام إذا حاول أحد من الغرب الاقتراب - ولو حتى بالحديث - عن النبى الكريم، فهناك إجراءات متشددة تواجه أى صانع أفلام يحاول تقديم سيرة الرسول على الشاشة، سواء منع أو اعتراض أو ملاحقة، ولعل أبرز ما يؤكد هذا المعنى ما واجهه المخرج السورى الراحل «مصطفى العقاد» عند تنفيذه لرائعته «الرسالة» فى السبعينيات من حرب شرسة ضده وضد الفيلم، بالرغم من أنه لم تتجسد فيه صورة النبى، حيث اعتبر الأزهر أن تجسيد العشرة المبشرين بالجنة أمر محظور، وكذلك تجسيد شخصية «حمزة بن عبدالمطلب» - عم الرسول «ص»، بل وصل الأمر لاعتبار تصوير ناقة الرسول أمرا محظورا هو الآخر! .. ولم يقتصر الهجوم على بعض الدول الإسلامية الأزهر فقد حاربت الفيلم أثناء تصويره.
ولكل هذه الأسباب اقتصرت سيرة الرسول فى السينما العالمية على الأفلام الوثائقية وأفلام التحريك بعيدا عن الشاشة الروائية تجنبا لحدوث الصدامات والأزمات السياسية حتى بعد أحداث سبتمبر التى ساهمت فى رسم النظرة المتطرفة عن الإسلام والمسلمين.
ففى عام 2002 تم إنتاج فيلم تحريك بعنوان «محمد خاتم الأنبياء»، من إخراج «ريتشارد ريتش»، الفيلم صنع فى هوليوود، ولكن بتمويل شركة سورية، تعنى بإنتاج أفلام تحريك عن الشخصيات الإسلامية، ورغم هذا فلم يلق الفيلم نجاحاً فنياً ملحوظاً، ولم يعرض سوى فى عدد محدود من قاعات العرض، وقد اقترب سيناريو الفيلم كثيراً فى الأسلوب والمضمون من سيناريو «الرسالة».
الأفلام الأهم التى صنعها الغرب عن الرسول هى الأفلام الوثائقية، وإذا بحثت عن هذه الأفلام وشاهدتها - على موقع ال Youtube ستجد أنك أمام كنز حقيقى، فالأفلام الوثائقية التى تناولت شخصية الرسول الكريم معظمها أفلام جادة، اهتمت فى مضمونها وأسلوبها بتوصيل الصورة الأقرب لمعرفة الرسول بشكل خاص، ورسالة الإسلام بشكل عام، فهى أفلام اهتمت بالبحث والاستفادة من آراء باحثين ومتخصصين فى المنهج الإسلامى وحياة الرسول «ص»، لذا فهى لا تختلق أموراً، ولا تنحاز لطائفة، أو تيار، أو مذهب، بل تنحاز لتوصيل كلمة الحق عن خاتم الأنبياء، ومن أهم هذه الأعمال ثلاثة أفلام وثائقية هى : «الإسلام: إمبراطورية الإيمان»، و«محمد: تراث نبى»، و«حياة محمد».
الفيلم الأول من هذه الثلاثية «الإسلام: إمبراطورية الإيمان» من إخراج «روبرت جاردنر»، وإنتاج قناة الPBS الأمريكية عام 2000، ويدور فى ثلاثة أجزاء هى: «حياة محمد»، «الخلافات الأولى والحروب الصليبية وغزو المغول»، و«الإمبراطورية العثمانية وسلالة الصفويين»، وقام بالتعليق الصوتى فيه النجم العالمى «بن كينجسلى»، وما يعنينا هنا هو الجزء الأول الذى حمل عنوان «الرسول»، والذى يسير فى شكل وثائقى روائى.
الفيلم الثانى هو «محمد: تراث نبى» للمخرج «مايكل شوارتز»، من إنتاج نفس القناة PBS عام 2002، يتناول قصة حياة النبى محمد من خلال تأثيره فى المسلمين، الحديث عن المسلمين فى أمريكا، الذين كان يبلغ عددهم وقت صناعة الفيلم 7 ملايين مسلم وانتقاء مجموعة ومنهم الذين يعملون فى مختلف المهن، وينتمون لطبقات مختلفة، ويقدمهم فى البداية بوصفهم يتطلعون إليه على أنه مصدر إلهامهم وكل تصرفاتهم، فهم يطبقون تعاليمه ليكونوا مواطنين إيجابيين، كما يلتقى الفيلم بعدد من الشخصيات المهمة من الباحثين والمؤلفين منهم الكاتبة «كارين أرمسترونج» والداعية «حمزة يوسف».
الفيلم الثالث «حياة محمد» من إخراج «فارس كرمانى»، وتقديم وتعليق الصحفى الصومالى «راجح عمر»، وهو مكون من ثلاثة أجزاء، وقامت بإنتاجه قناة ال BBC البريطانية فى عام .2011 ويعتبر شديد التميز على المستويين الفكرى والوجدانى، وذلك لأنه يتناول كافة المعلومات المتاحة عن حياة الرسول، إلا أن الغريب أنه واجه هجوماً شديداً لأنه قدم صوراً من التراث الإيرانى، بها رسومات لسيدنا محمد «ص» مغطى الوجه، وهو ما أثار غضب بعض المتشددين، الذين لم ينتبهوا أو يهتموا بما تقدمه هذه الوثيقة السينمائية من تبجيل واحترام لخاتم الأنبياء والمرسلين!
أخيرا فإن الافلام الثلاثة نالت استحسان المشاهدين المسلمين وغير المسلمين، ويكفى أن من كتب تعليقات ممن شاهدوها -أبرزها بالإنجليزية: «أريد أن أصبح مسلماً»، وآخر كتب : «أنا ملحد، لكنى الآن لدى احترام شديد لمحمد».