منذ 53 عاما أدى المصريون شعائر الحلم المقدس.. تماسكوا كالبنيان المرصوص.. قلبا على قلب.. قرشا على قرش.. آمنوا بأنفسهم وبحقهم فى مستقبل أفضل.. مارسوا الطواف فى طول البلاد وعرضها لتحقيق الحلم الذى كان فى عيونهم مستحيلا، فأضحى واقعا منيرا.. وكان السد العالى الذى نحتفل هذه الأيام فى صمت بذكرى افتتاحه. فى تلك الأزمان كان يمكن للأمة أن تنهض ويشتد عودها وتنفض غبارها إذا التفت حول مشروع قومى.. فعلوها فى عهد الفراعنة العظام وشيدوا الأهرامات.. وحققنا خلال آلاف السنين الكثير.. منها نهضة «محمد على».. وقناة السويس.. حتى كررناها فى عهد «ناصر» لنبنى سدا عاليا مجيدا.. طوبة عرق، وأخرى كفاح، وثالثة دم مصرى غالٍ. من يومها ونحن نطارد أحلامنا.. نفتش فى مستقبلنا عن ومضة.. عزت علينا الأحلام .. لم يتبق لنا منها إلا أضغاث.. فارق التوقيت الزمنى كان كفيلا بتغيير الفكرة برمتها.. فلم تعد المشروعات القومية العملاقة هى قاطرة نقل الأمم إلى الصفوف المتقدمة.. فقط التوافق والتخطيط والمصداقية فى بناء نهضة حقيقية. هذه الأيام.. ونحن نحتفل بالذكرى ال53 لبناء السد العالى.. علينا أن نعيد النظر كرتين إلى الوراء.. وأن نعلم أن مشروع الرئيس «مرسى» الحقيقى هو بناء جسر من الثقة والصدق والتفاهم والتوافق بين كل المصريين لتعبر عليه الأمة المصرية العظيمة إلى مستقبلها ونهضتها المستحقة وإلا ستكون الكارثة.. خصوصا فى هذه اللحظة الحرجة والمؤلمة من عمر الوطن الذى يئن من جراح اقتصادية غائرة، وعملة نقدية تتهاوى، ومعدل فقر يتزايد. لا سبيل إلا أن نتكاتف، وأن نتوحد، وأن تتماسك الجبهة الداخلية، وهى مهمة النظام الحاكم بالأساس حتى ينجح فى مهمته، لو كان يريد نهضة مصر بحق لا اختطافها، وعليه أن يستوعب الخلافات، ويتقبل الانتقادات، حتى يتسنى له أن يعبر بنا هذه الفترة العصيبة، وأن تتوزع علينا جميعا أوجاع الإجراءات الاقتصادية المتوقعة، لايدفع فاتورتها فئات بعينها!. بالأمس جرت مراسم تسليم وتسلم قيادة البنك المركزى فى ظروف مصرفية حساسة، ومهما كانت كفاءة من أداروها طوال الفترة الماضية أو من تولوا المهمة مؤخرا.. فإن النجاح الاقتصادى بالحفاظ على سعر العملة المصرية وثباتها، ونجاح القطاع المصرفى.. مرهون بالأساس بإجراءات وتوافقات سياسية تترجم إلى نجاحات اقتصادية. آه لو فعلها «مرسى».. لوقف التاريخ عنده طويلا بحروف من نور.. الفرص لا تتكرر فى فترات الحكم.. إما أن تقتنصها فورا.. وإما تظل للأبد تعض أصابع الندم.. فلن يسكت هذا الشعب ولن يرحمكم إلا لو فعلتم ذلك!