وسط كل المآسى والكوارث التى يعانى منها الشارع المصرى على كل المستويات الأمنية والسياسية والاجتماعية والدينية، كان تواصل «روزاليوسف» مع نماذج من ملح الأرض المصرية فى نهاية عام وبداية آخر وسط مخاطر تحاصر المحروسة بالإفلاس! .. وأغرب ما فى الشارع الآن أن الأسلحة بكل أنواعها والمخدرات بجميع أصنافها متوافرة على باب البيت و«ديلفرى»، لكن اختفت العملة الصعبة وبعض أدوية الأطفال والأمراض المزمنة!.. وبين هذه المهازل كانت تدور نقاشات دستورية بين سائقى التوك توك وأصحاب عربيات الفول وأسطوات التاكسيات وفى المقاهى وحتى فى الغرز التى انتشرت فى غياب الأمن، ولخص حوار سياسى معقد على مقهى صغير بين اثنين ما يحدث فى الشارع المصرى، فقال أحدهم: «اللى حاصل فى مصر ده سببه مخطط خارجى» فرد عليه: «لا ده مشجر داخلى»! قائمة طويلة من الظواهر الخطيرة جدا تسيطر على الشارع الآن بكل مستوياته من المخدرات للعنف والأسلحة والتحرش الجنسى وانتشار العشوائيات حتى فى الأحياء الراقية والتكاتك وأغانى المهرجانات وفوضى المساجد واستغلال التكفيريين للجهلة والبسطاء والفقراء فى مقابل غياب التنويريين عن الشارع!وبمنتهى البساطة.. لا تستعجبوا من غلبة «نعم» فى ظل هذه الأجواء الخربة ! تربيزات الأسلحة والمخدرات أمام المنازل أصبحت ظاهرة، فهناك سوبر ماركت متحرك بكل أنواع الأسلحة بداية من المطاوى والسنج وحتى فرد الخرطوش سعر المطواه يتراوح بين 30 و 60 جنيها حسب بلد الصنع وفرد الخرطوش يتراوح سعره من 300 إلى1200 جنيه.. والأخير يطلق عليه اسم «شوت جن» وهو الذى يطلق نحو 6 طلقات. وإذا أردت أن تشترى سلاحا أعلى فلا توجد أدنى مشكلة.. فقط ستوصى عليه ويأتيك بعد يومين أو ثلاثة حسب القطعة المطلوبة، فمثلا إذا طلبت طبنجة فقد يصل سعرها إلى 4000 جنيه حسب الحالة، أما الآلى فقد وصل سعره إلى 16000 جنيه وكله على التجربة. ولم يقتصر بيع الأسلحة على الشوارع الداخلية أو الحوارى المزنوقة فى المناطق الشعبية فقط، بل وصل إلى وسط البلد أيضا، حيث تجد العديد من الفرشات التى تقوم ببيع الصواعق الكهربائية «الإلكتريك تشوك» والرادع «السلف ديفنس» والعصيان الحديدية وتتراوح أسعارها بين ال 50 و 300 جنيه.. وهذا كله كشو لمن يطلب الأسلحة النارية! والأمر لم يقتصر على بيع السلاح فقط فهناك ترابيزات أخرى تبيع جميع أنواع المخدرات أيضا مثل «البانجو» الذى وصل ثمن الباكتة إلى 25 جنيها، و«الحشيش» الذى وصل سعر «الصباع» إلى 150جنيها بعد أن كان سعره 80 جنيها قبل الثورة بجانب ذلك يوجد البرشام بمختلف أنواعه وأشهرها «التامول» الذى يصل سعر الشريط إلى 15 جنيها و«الترامادول» الذى يتراوح سعره بين 20 و40 جنيها للشريط! سعيد عبد الرحمن - 36 سنة أحد سكان منطقة الوايلى - يقول: يوميا نجد الكثير من الوجوه الغريبة التى تتوافد على شارعنا بغرض شراء الأسلحة أو المخدرات من على الترابيزة وطبعا لأن مفيش حكومة فالويل كل الويل لمن يفكر مجرد تفكير فى الاعتراض على ذلك. ويرى سعيد أن البلد انهار وانتهى ولكن مازال يأمل فى التحسن، ولكن ذلك مربوط بأن اللى ماسكين البلد يتقوا الله فينا. من الظواهر التى أصبحت معتادة فى الشارع، الخناقات الدموية بين أهالى المنطقة الواحدة، وذلك لعدم وجود شرطة طبعا، ويقول الحاج عبد العليم على - 64 سنة - صاحب جراج وأحد الكبار فى منطقة المطرية ومن الذين يقومون بالوساطة فى حل الكثير من النزاعات والمشاجرات: غياب الأمن جعل الكثير من الناس يتجاوزون فى حق جيرانهم وإن كل منطقة يوجد فيها من يقوم بدور الوساطة بين الأهالى فى حل تلك المنازعات، وكأننا عدنا إلى القاضى العرفى فى المجتمع القبلى، ويجب أن يتوافر فيمن يقوم بهذا الدور بعض السمات مثل أن يكون حسن السمعة ويتمتع بمصداقية عند أهالى المنطقة. حال الشارع من حال البلد - يضيف الحاج عبدالعليم: يجب على رئيس الجمهورية باعتباره كبيرا للعائلة أن يبادر بلم الشمل واليوم قبل غد وأن يعلم أن الكبير دائما لا يفرق بين أبنائه ولو حدثت فرقة بين الأبناء عليه أن يعلم أنه لم يصبح كبيرا. حمادة جمال - 28 سنة قهوجى - قال لنا: «إن البلد دخلت فى حيطة والدنيا بتقع ومفيش فايدة طول ما اللى ماسكنها مش عارفين يمشوها» أما عماد عبد السلام - 40 سنة سائق تاكسى- فصدمنا بقسمه بالله عدة مرات أنه كان يتصور أن مصر بتاعة مبارك وهو صاحب البلد، ولكن بعد ذلك بدأت أسمع وأفهم أشياء لم أكن أعلمها طوال عمرى وأهم حاجتين عرفتهم إن مصر مش بتاعة مبارك وإنما بتاعة كل المصريين، والثانى عرفت ما لى وما على، عرفت إنى لما ادخل على كمين بالليل مسمحش لأى أمين شرطة إنه يقلبنى فى اليومية اللى شقيت عليها. واكتملت مهازل الشارع من مخدرات وبلطجة وأسلحة وغياب أمن، إلى التحرش الجنسى، الذى انتشر بشكل غريب فى ,2012 وكشف «المركز المصرى للدراسات النسائية» أن عدد حالات التحرش بالمرأة وصل خلال العام المنتهى إلى ما يقرب من 20000 حالة فى مختلف أنحاء الجمهورية وأصبحت ظاهرة مفزعة تواجه النساء. ووسط هذه القنابل، كانت هناك كارثة «التكاتك» التى زاد عددها وأصبحت أكثر من الناس فى الشوارع خاصة بعد أن دعمهم رئيس الجمهورية فى أول خطاب له ناهيك عن الضوضاء التى تسببها بعد تركيب سماعات وكاسيتات كبيرة يعمل ورديتين فى اليوم والوردية بتصفى 80 جنيها أى أنه بيصفى فى اليوم 160 جنيها. وعن ظاهرة المهرجانات التى تقام فى الشوارع فقد أصبحت سمة كبيرة جدا فى 2012 لأى فرح أو حنة أو حتى عيد ميلاد لأنها أصبحت مثار إعجاب قطاع كبير من الشباب وأصبحوا يتحينون الفرصة لإقامة مثل هذه المهرجانات والتى كانت سببا فى شهرة لون جديد من الموسيقى والغناء فيما يعرف الآن ب''«الإيجبشيان هوس» أو «الهوس المصرى» ومن أشهر نجومها الآن «أوكا وأرتيجا وشحتة كاريكا وسلعوة وعمرو حاحا». «وزة» أحد نجوم هذه المهرجانات يقول إن نجاحهم جاء بسبب بساطة الألحان وسهولة الكلمات وجرأة التوزيع ويرى أن البلد فى حالة ثورة ونحن أيضا فى حالة ثورة على الشكل التقليدى للفن، وعن رأيه فى حال الشارع الآن قال إنهم يحاولون فى أغانيهم أن يلفتوا نظر الشباب إلى العديد من السلبيات ويحاولون نصحهم بالبعد عنها، متجاهلا فكرة أنهم أنفسهم سلبية، وعن توقع «وزة» المستقبل قال إنه مثل باقى الشباب هنفضل فى حالة ثورة حتى ننجح فى تغيير واقعنا. ومن مهازل هذا العام التى انتشرت جدا.. ظاهرة البناء العشوائى والذى سارت من الريف حتى كل شوارع مصر، ولم تتوقف الفوضى عند ذلك، بل امتدت إلى المساجد.. فحدث ولا حرج والموضة فى 2012 طبعا إطلاق اللحى، وحذر الشيخ «صلاح. ع» خطيب أحد المساجد من أصحاب الذقون الطويلة مما يحدث الآن فى الشارع فقال: نحن الآن فى زمن الفتن الذى قال عنه الرسول - صلى الله عليه وسلم- فوجب على كل مسلم أن يلزم داره وأن يتجنب الفتن، فالناس يتصورون أن كل من حفظ عدة آيات قرآنية وأحاديث نبوية يصبح مفتيا وإماما، وقبل هؤلاء كثير يسيطرون على الجوامع والفضائيات ولهم مريدون كثيرون! وفى تفسيره لهذه الحالة المعقدة التى تحاصر الشارع الآن، أرجع د. حسام عبد الرحيم أستاذ علم الاجتماع حالة التخبط والتردى فى الشارع المصرى إلى عدة أسباب ومن أهمها صدمة الشارع بعد أن كان يمنى نفسه بالاستقرار بعد انتخابات الرئاسة وبعد الاستفتاء على الدستور، ولم يتحقق، بل بالعكس زاد الشعور بالاحتقان وزاد الانشقاق بين الناس وازدادت وتيرة العنف فى الشارع، والسبب الثانى هو الانهيار الإعلامى الذى لم يلتفت أحد إلى سقوطه ضمن سقوط منظومة النظام السابق وغياب رسالته الهادفة والتنويرية وأنه أصبح لا يحمل أى رسالة استقراء للمستقبل ولا يقدم رؤية لمشروع أو فكرة وطنية خاصة أنها غائبة عن الرئيس نفسه. واستغلت التيارات الإسلامية السلفية والإخوانية المتشددة الجهل القائم وحالة التشفى والغل وفقدان الثقة التام بكل ما له علاقة بدولة حسنى مبارك وقبضت على المجتمع فهى تكاد تكون الوحيدة التى تمتلك برامج خدمية فاعلة، لكن أين دور المستنيرين الذين يعيشون بعيدا عن الشارع سواء كانوا سياسيين أو مثقفين أو أكاديميين وليس لهم علاقات حميمة داخله من خلال برامج خدمية أو ثقافية أو توعية. وكشفت دراسة حديثة عن أن شعور المصريين بحدوث تغيرات ملحوظة فى حياتهم بعد الثورة أدى لحدوث حالة انعدام الاستقرار السياسى التى تمر بها البلاد إلى الشعور بالاضطراب والتوتر والقلق وانعدام الأمان خاصة فى ظل تزايد معدلات الجرائم وعدم وجود رادع، وفى النهاية نجد أن شارعنا فقد أشياء ومازال متمسكا بأشياء أخرى.. فقد الأمن ومازال متمسكا بالعرف فى حل مشاكله، فقد الحلم.. ولايزال متمسكا بالأمل فى أن يكون الغد أفضل، فقد الابتسامة.. ومازال متمسكا بروح السخرية والنكتة!