الاغتيال المعنوى والنفسى أسلوب محكم لإقصاء أى قوة معارضة لحكم الإخوان، ولا نستغرب إذا وجدنا أن كل أسلحة هذا النوع من الاغتيال وجه إلى القوى السياسية التى دعت للثورة بمن فيهم البرادعى وحمدين صباحى وحتى حركة 6 إبريل التى تفككت بسبب مواقفها من الجماعة.. وكان مثيرا جدا هجوم الإخوان على النائب حمدى الفخرانى لمجرد أنه طالب بتقنين أوضاع الإخوان بإنشاء مؤسسة باسم الجماعة، واعتبروا أنه يهذى ويستهدف شو إعلاميا، متجاهلين دوره النضالى قبل الثورة وبعدها.. وغير الفخرانى الكثير من ضحايا الإخوان من معارضيها، فهل هذه هى الديمقراطية الإخوانية؟.. خاصة أنهم يستخدمون حلفاءهم الإسلاميين فى تكفير المعارضين بل وتشويه سمعتهم حتى ولو بالخوض فى الأعراض!
الحديث عن أخونة الدولة تجاوز عن كونه تعبدا - كما تحدث مهدى عاكف - إلى كونه أساس الديمقراطية من وجهة نظر القيادى الإخوانى سعد الحسينى، وبالتالى فإن «الأحادية» لا التعددية هى أساس حكم الإخوان، رغم أن تصريحات من يوصفون بالحمائم منهم تتحدث عن التعددية أحيانا، بنفس طريقة الحزب الوطنى المنحل، الذى كان يحترف الأحادية الدكتاتورية وتراه يتحدث عن أنه داعم للتعددية الحزبية لأنها أساس الديمقراطية، وكنا نكتفى بالضحك وقتها، والاعتراض غير المسموع له أساسا.
ولا تخفى تصريحات القيادات الإخوانية رعبهم من التحالفات التى تتم ضدهم خلال هذه الفترة استعدادا للانتخابات البرلمانية المرتقبة ويقودها تحالف البرادعى وصباحى وأيضا تحالف التيار الثالث وتحالف الأمة المصرية.. وما كان أن رد الإخوان على هذه التحالفات أنهم سبقوا الجميع بإقامة التحالفات.
ويرى المحللون أن أسلوب الجماعة فى التشوية مقسم إلى 4 مجموعات.. الأولى: تهليل وتطبيل لأى خطوة تقدم عليها الجماعة والحزب، والثانية: تشويه لحمدين ومراقبته ليل نهار على تويتر أو فيس بوك، والثالثة: الهجوم على البرادعى أينما كان وأى ما قال حتى لو كان يتلو القرآن، الرابعة: وهى الأخطر التى تتعامل بالعصا والكرباج مع المعارضين فى الشارع.. والخامسة: ترصد كل المعارضين الجدد لتشويههم معنويا حتى إن طالت السمعة.
مخطط إقصاء المعارضة من أسفل إلى أعلى، لم تكن وليدة الصدفة فى الأيام الأخيرة فهى خرجت عمدا، ولكن الجماعة وجدت أن المعارضة تحتاج إلى إجازة بعد أن قامت بواجبها وساعدت الحرية والعدالة فى فوز الرئيس الحالى.
وهنا طرحت فكرة تكميم الأفواه بالتخوين لأحد أهم التيارات السياسية الوطنية فى مصر وهو اليسار الذى لم يرحم طوال فترات من التنكيل به منذ عشرينيات القرن الماضى، فلم يدعو اليسار مثلا فى يوم الملك فاروق بأمير المؤمنين، ولم يحاب الرئيس السابق مبارك مثلما فعل المرشد السابق مهدى عاكف، ولكن يبدو أن د. عصام العريان القائم بأعمال رئيس حزب الحرية والعدالة ومساعد الرئيس كما لم يتوقف عن مهاجمة اليسار تطاول ايضا على كل أنواع المعارضة قائلا: إنها تختفى وتظهر ويبقى الحرية والعدالة، وكانت هذه طريقة احتفاله بظهور حزب الدستور إلى النور، واعتبرها البعض كشفا إخوانيا عن مخاوف الجماعة من قوة البرادعى وحزبه.
وهذا ما فسر أن العريان لا يقصد اليسار فى هجومه بل يستهدف كل من يعارض الإخوان، لكنه وجد شيئا فى نفسه من جانب اليسار فخرج ليقول إن اليسار يحصل على تمويل من جهة أجنبية، وأنه يعمل لجهات أجنبية، فهذا الاغتيال لتاريخ ونضال اليسار الذى يوصف سياسيا من المؤرخين بأنه النضال الأشرف الذى دفع ثمنه دماء كان بمثابة إهانة للحركة الوطنية فى مصر كما وصفت القوى الليبرالية التى انزعجت من حملة العريان على اليسار.
وأرجع البعض خروج مثل هذه التصريحات من أحد صقور الجماعة على خلفية تفكير قوى اليسار فى الانضمام لتيار حمدين أو حزب البرادعى أو التيار الثالث القائم من جانب بعض القوى الليبرالية، فوجد العريان دخول اليسار لهذه المعسكرات السياسية قوة دفع تكون بمثابة حجر عثرة أمام حزب الحرية والعدالة فى الانتخابات البرلمانية القادمة.
وهناك أسلوب آخر بعيدا عن التشويه أو الإقصاء المعنوى، وهو استخدام العصا وضرب المعارضين لهم، مثلما حدث مع النائب السابق حمدى الفخرانى الذى تعرض للضرب والسب وتقطيع ملابسه فى رمضان الماضى عندما كان برفقة عدد من نواب البرلمان المعارضين لحزب الحرية والعدالة مثل إيهاب رمزى ويوسف البدرى، وكانت كل جريمتهم أنهم ذهبوا إلى المحكمة لإقامة دعوى قضائية تطعن على قرار رئيس الجمهورية بإعادة مجلس الشعب المنحل بحكم قضائى، حيث تم حشد جموع شبابية عند ساحة المحكمة وتعدوا على النواب ولكن كان النصيب الأكبر من التعدى للفخرانى، والغريب وقتها أنه وصف بالفلول، على الرغم من أن الفخرانى كان يخرج علنا يهاجم حسنى مبارك وابنه جمال وأحمد عز عندما كانوا فى عز قوتهم، وهو من أهم العناصر التى قادت مظاهرات جمعة الغضب فى 28 يناير فى الوقت الذى نزلت فيه قيادات الإخوان بالمحافظة بعد أن رفعت الداخلية وقتها راية الاستسلام، ومع ذلك أصبح الفخرانى من الفلول لأنه رفض أن ينضم إلى صفوف القوى السياسية التى انحنت لتيار الإخوان الذى أصبح التيار الحاكم.
وكان مصطفى بكرى وأبوالعز الحريرى من ضحايا التشويه فى السمعة، حيث عانيا ولا يزالان من اللجان الإلكترونية التى تشوه سمعتهما بكل الطرق والألفاظ النابية بشكل لا يطاق وبعيد تماما عن الدين وكل الأخلاق، ولم يختلف فى الامر مع صباحى والبرادعى من مقصلة التشويه الإخوانية.
البرادعى الذى لم يسلك طريق المعارضة بالشكل الحقيقى حتى الآن لجماعة الإخوان، يتعرض لمخططات التشويه مع تكوينه حزب الدستور الذى يجمع اتجاهات كثيرة من القوى السياسية، وعلى الرغم من أن البرادعى هو أول من طالب الرئيس السابق بتسليم السلطة بشكل سلمى، يتعرض لحملات تشويه من الإخوان الذين دافع عنهم الرئيس السابق للوكالة الدولية للطاقة الذرية وتعاطف معهم فى مواجهاتهم مع النظام السابق.
ولم يتعب مشوهو البرادعى فى تأليف سيناريو تشويهى جديد بل اعتمدوا على نفس سيناريو الحزب الوطنى بأن البرادعى عميل أمريكى وأنه أعطى الضوء الأخضر لضرب العراق بتقرير وجود أسلحة نووية فى عهد صدام حسين، ولم تكن مناسبة خروج الحزب الجديد كعادة تبادل التهانى بين الأحزاب السياسية، وبدلا من أن يهنئ قيادات الإخوان رموز الحزب الجديد كانت التعليقات بأن الحزب لن يستطيع الوصول الى الشارع، ولن يحقق نتائج إيجابية فى الانتخابات البرلمانية القادمة.
أما حمدين صباحى المرشح الرئاسى السابق الذى أصبح معارضا مع وصول الحرية والعدالة للحكم، فتعرض لكمية اغتيالات معنوية منذ أن كان منافسا قويا فى الانتخابات الرئاسية وكان قاب قوسين أو أدنى من دخول مرحلة الإعادة، فكان التشهير بابنته سلمى لعملها فى قناة مملوكة لرجل الأعمال محمد أبوالعينين، ووصل التشهير لزوجته لكونها غير محجبة، ثم قاموا باتهامه بعمل صفقات مع نائب رئيس الجمهورية السابق اللواء عمر سليمان وقت ثورة 25 يناير، فكان الرد العملى من مؤيدى حمدين بإخراج صور تجمع محمد مرسى عندما كان قياديا فى الإخوان المسلمين مع عمر سليمان فى اجتماعات مع القوى السياسية رفض صباحى حضورها.
وكان هذا التشويه بعد أن كانت قيادات الإخوان تقف وراء حمدين الذى كان فى المقدمة أمام نظام مبارك فى مظاهرات ضد الطوارئ والتوريث، وكان يقف خلفه قيادات الإخوان محمد البلتاجى وسعد الكتاتنى وسعد الحسينى وصبحى صالح وحمدى حسن حتى لا يكونوا فى مواجهة الأمن.
وتتناقض مواقف الإخوان حسب الظروف والأجواء، فهم أول من أيدوا قرار المشير بتعيين د. كمال الجنزورى رئيس الوزراء فى أحداث محمد محمود، عندما وصفوا المتظاهرين بالمتآمرين، فى حين كان البرادعى وصباحى مرابطين فى الميدان مع المتظاهرين، وهو ما جعل الإخوان يصعدون الهجوم على المتظاهرين عندما وصفوا الفتاة التى تعرضت للتحرش وخلع ملابسها فى وسط ميدان التحرير على يد قوات الأمن ووصفوها بأبشع الأوصاف.