الإعلام الغربى مازال مدهشا وصادما كما عودنا، وربما الإصرار على العنصرية ضد الأديان والهجوم على الإسلام تحديدا ما هو إلا فقر فى المادة الإعلامية التى تقدم للمشاهد.. ورغم عشرات الأفلام والمقالات التى استعرض قدراتها العنصرية ضد الإسلام، فإنهم مازالوا يفضلون التأكيد على هذه الرسالة عن طريق برامج التليفزيون وظهر ذلك جليا فى أحد برامج شبكة (إيه بى سى) باسم الجنة أو الفردوس
استضافت المذيعة فى برنامجها أشخاصا ينتمون إلى ديانات مختلفة من بينها الإسلام، ولم تجد من المسلمين من تقابله إلا شخصا محكوما عليه بتهمة محاولة تنفيذ عملية انتحارية، لتكرس فكرة روجتها وسائل الإعلام الصهيونية وهى أن كل عمل مقاومة يقوم به العرب والمسلمون، ما هو إلا محاولة للظفر بالحور العين فى الجنة، ناهيك عن غزو بلادهم واحتلال أوطانهم وتشريد شعوبهم، وسعيهم مثل كل الشعوب إلى مقاومة ذلك.
وعلى أحد مواقع الإنترنت يتناول الكاتب (حبيب بتاه) البرنامج مذكرا فى بداية مقاله بما دأبت عليه السينما الأمريكية من تشويه لصورة العرب ويقول : يخبرنا ناقد وسائل الإعلام جاك شاهين أن 90٪ من أفلام هوليوود ترسم للعرب صورة سلبية، وترسخ نموذجا ثابتا من الصور النمطية الحاقدة بشكل خطر، وذلك فى كتابه (العرب السيئون فى السينما) الذى يتناول بالبحث ألف فيلم أمريكى تم إنتاجه منذ .1896 وهناك حاجة إلى إجراء دراسة معمقة بالقدر نفسه للأنباء التليفزيونية، حيث ذم العرب والمسلمين وتنميط صورتهم جاريان بالطريقة نفسها على قدم وساق.
ومن أحدث الأمثلة الساطعة على هذا التوجه، البرنامج الخاص الذى عرضته شبكة إيه بى سى نيوز على مدى ساعتين بعنوان الفردوس، وطرحت فيه المذيعة باربرا والترز، سؤالا عن الفردوس يقول : (أين هو : وكيف نصل إليه). وانهمك العرض الذى استمر ساعتين، فى ترسيخ تصور استشراقى يبغض الإسلام، ويتهم المسلمين بالتعصب.
ومن أجل الإجابة عن مثل هذه الأسئلة المبهمة عن الآراء فى الحياة الأخرى، تجوب والترز وفريقها العالم، ويحاورون الكاثوليك والبروتستانت، والمورمون، واليهود والبوذيين، والملحدين، ويدققون فى تمثيل الفردوس فى السينما، والموسيقى والأساطير القديمة.
ويتحدثون إلى كهنة، وقساوسة، وحاخامات، ووعاظ تليفزيونيين، وحتى إلى الدالاى لاما نفسه. ويظهر بعض من تجرى معهم المقابلات بلغاء ملهمين، بينما يبدو آخرون ضيقى الأفق، بعيدين عن روح الحضارة. ولكن عندما يحين دور الحديث عن آراء المسلمين فى الفردوس، يخير المشاهدون بطريقة صادمة بين أكاديمى عذب اللسان، وإرهابى متعطش للدماء وراء القضبان.
ويبدو أن الجهد الذى بذل فى إنتاج المقابلة مع السجين، أكبر بكثير مما بذل فى أى مقابلة أخرى، إذ قطعت والترز المحيطات لكى تزور سجنا إسرائيليا وتقابل فيه أعضاء من حماس، جلست المذيعة مع جهاد جرار الذى قيل إنه فشل فى محاولة تفجير انتحارى بين إسرائيليين عام .2001 وقالت والترز موضحة (كان جرار يعلم أنه بات قاب قوسين أو أدنى من الخلود فى الجنة، ضغط الزناد، ولكن القنبلة لم تنفجر). ويخبر جرار والترز بما يلذ لها سماعه : فيقول إنه حاول قتل إسرائيليين على أمل أن يدخل الجنة ويحظى بالحور العين.
وتخبرنا والترز أن جرار انضم إلى الجهاد الإسلامى فى سن السابعة عشرة، وفى خلفية ذلك، تبث شبكة إيه بى سى لقطات كلاسيكية تمثل مسيرة لمسلحين إسلاميين، بدون أى توضيح عن المكان الذى كانوا فيه، أو من هم، أو لماذا كانوا خارجين فى مسيرة، أو ما علاقتهم بالرجل الذى تجرى المقابلة معه أو بتربيته. ولماذا تتعب شبكة إيه بى سى نفسها فى وصفهم ؟ فليس المهم هنا توضيح مفاهيم الجنة فى الإسلام، بل حشر المسلمين فى فئتين عريضتين يسهل هضمهما : فئة قتلة محاربين يبثون الإرهاب فى الشوارع ببنادق كلاشنكوف، وفئة تتسم بعذوبة اللسان، والطلاقة فى اللغة الإنجليزية. أى تقسم المسلمين إلى سيئين وطيبين.
وفى هذه الحالة يمثل المسلمين الطيبين، فيصل عبدالرؤوف، إمام مسجد مدينة نيويورك، الذى يقول لوالترز فى لقطة تبث مباشرة بعد كلمات جرار (المسلم السيئ): إن قتل المدنيين الأبرياء محظور صراحة فى الإسلام. وكأن الشبكة تريد أن تقول لنا أن الإسلام ذو شخصية منفصمة، كما فى رواية دكتور جيكل ومستر هايد الشهيرة. ولا ندرى بأى الإسلاميين نثق ومع ذلك، إذا كانت إيه بى سى تقول لنا، إن المسلمين يمكن أن يكونوا إما أناسا مسالمين، أو قتلة ببرودة الحجارة، فلماذا لا تطبق هذه الازدواجية عند تقديم وجهات نظر الأديان الأخرى فى برنامج الفردوس ؟ ففى خلال الساعتين الكاملتين اللتين يستغرقهما العرض، لا يعرض علينا محارب واحد مسيحى أو يهودى، أو ملحد أو هندوسى أو تابع لأى ملة أخرى، حاقد راغب فى القتل باسم آرائه الدينية.
وبدلا من ذلك، يظهر رجال الدين الذين يمثلون هذه الأديان، أفرادا مهذبين، ودودين. فلماذا إذا، عندما تعلق الأمر بالإسلام اختارت شبكة إيه بى سى تقديم شخصية من النخبة الحسنة إلى جانب سجين فى زنزانة ؟ هل الهدف جعل المشاهدين الأمريكيين يعتقدون بأن النزعة القتالية والتعصب النابعين من الدين، لا يوجدان إلا بين المسلمين، ولذلك يجب التركيز عليهما ؟ أم كان المسلمون الحاقدون الأفراد الوحيدين المتدينين بعنف، المتوفرين لإجراء مقابلات معهم ؟ وهل فكر فريق إيه بى سى نيوز، مجرد تفكير، أن يطلب من مسلحين من أديان أخرى إجراء مقابلات معهم ؟ ومن المؤكد أن هذا الفريق يعلم أن ألوف المسلمين قد ذبحوا على أيدى ميليشيات فى الصرب وفى لبنان وفى ميانمار على أيدى أتباع ديانات أخرى.
ولكن لماذا تضطر والترز إلى السفر أصلاً، وقطع مسافة نصف الكرة الأرضية بحثا عن تدين مسلح، بينما تمتزج البنادق والصلوات فى الولاياتالمتحدة علنا وعلى رؤوس الأشهاد ؟ ففى قداس لكنيسة الرب، مثلا، حض المصلون على اصطحاب أسلحتهم أثناء الصلوات. وفى المعارك يؤدى قساوسة الجيش الأمريكى والجنود الصلوات عادة قبل أداء المهمات الحربية.
ويقول الكاتب، إن الهدف من البرنامج المذكور، كما هو واضح، كان إلقاء الضوء على فكرة القتل باسم العقيدة. ولكن لماذا عرضت هذه الظاهرة وكأنها خاصة بالإسلام وحده؟ وهل لم يستطع فريق البرنامج العثور على بروتستانتى متعصب واحد، أو رجل ميليشيا أيرلندى كاثوليكى واحد، من أيام الصراع الدامى الذى دار فى ذلك البلد ؟