أهمية فيلم «البار» لا تعود إلى موضوعه الذى بات مستهلكًا لاعتماده على تيمة قديمة قدمتها السينما المصرية كثيرًا أقربها فيلما «كباريه» و«ريكلام»، واستعراض قصص نساء ساقطات فى الرذيلة نتيجة ظروف اجتماعية ضاغطة.. لكن لأنه أول فيلم تضع الرقابة عليه شارة «للكبار فقط» - أى لا يمكن مشاهدته لمن هم دون ال81 عاماً - رغم المحاذير الشائعة حاليا وسط حكم الإخوان وسيطرتهم على مقاليد الحكم فى مصر وتراكم مخاوف السينمائيين من حذف هذه الشارة نهائيًا من دور العرض ومعها الأفلام التى تنتمى إلى هذه النوعية التجارية الرخيصة. صناع الفيلم بذكاء نجحوا فى تجاوز المطب بتصدير فتوى سينمائية سريعة بأن ثورة مصر كانت حاصل جمع صراع طويل بين التيارات الإسلامية وخاصة جماعة الإخوان وجهاز أمن الدولة، وأن انفجار المصريين بدأ من الجماعة التى ذاقت كل ألوان التعذيب والذل من الجهاز الأمنى المخيف.. وبالتالى تلخيص أسباب الثورة فى هذه المعركة وتكسير أسطورة أن رجل الدين هو تجسيد للإرهاب الذى ساد طوال فترة حكم النظام السابق، وربما يكون هذا الخيط الذى دفع الرقابة على المصنفات الفنية لتمرير هذه الفيلم والتصريح به بعرضه دون خوف، فالإخوان يسيطرون على السلطة والفيلم تقول نهايته إن الجماعة هم مفجرو الثورة ولا أحد غيرهم.
ومن الاستغلال والابتزاز السياسى إلى الاستغلال الفنى، حيث اعتمد الفيلم على مجموعة من الوجوه الجديدة بعضها يظهر لأول مرة على الشاشة وبالتالى الخروج من فخ أجور كبار النجوم وخصوصا الفاتنات الذين يبتلعون ميزانيات الأفلام فى الفترة الأخيرة، ومن هنا لا مانع من استعراض مفاتنهن من أجل الشهرة والدخول فى بورصة مشاهير السينما وعالم الملايين من باب السقوط وتعاطى الألفاظ السوقية وتصدير الحوارات المتدنية للشباب باستخدام مصطلحات مبتذلة من عينة «المزة» و«السوزة» «وبنت على الزيرو» فى إشارة للعذرية حتى «أحطو فى بطنى وأحبل عليك»!! «وعلى أد فلوسه يأخذ اللى يعوزه»؟! وغيرها من قواميس الدعارة ولغة «السين السائدة» فيه.
خيوط اللعبة فى فيلم «البار» يحكمها «الباشا» الذى نكتشف من أول مشهد أنه أحد قيادات جهاز أمن الدولة وصاحبة البار «سوسو» ويركز على عملياته الوطنية داخل الوكر ومراقبة كبار رجال الدولة من رجال الأعمال وتصديرهم فى أوضاع خارجة كورقة يستخدمها الجهاز ضدهم وهى الوسيلة التقليدية المتبعة منذ زمن مراكز القوى.. ولهذا استخدم المؤلف اسم «موافى» فى إشارة لرموز النظام القديم، فى حين تلجأ صاحبة البار للباشا لتأديب الخارجين على أوامرها مثل الفتاة التى أعلنت توبتها بضغوط من حبيبها لاعب «الدى جى» فى البار نفسه الذى لجأ إلى المسجد والدعاة لترك معاقل الرذيلة، ويستخدمهم الفيلم ««الفتاة والعازف» كنموذج للتيارات الإسلامية واتهامهم بقلب نظام الحكم وتلقى أموال من الخارج لنشر أفكارهم الدينية.
ثم نكتشف فى نهاية الفيلم أنهم فى طريقهم إلى ميدان التحرير إيذانًا باندلاع ثورة يناير رغم وجود عناصر أخرى قدمها الفيلم على أنها ضحايا المجتمع ونظام فاسد على رأسهم الفتيات الأربع محور أحداث الفيلم داخل البار بالشخصية النمطية التقليدية التى قدمتها السينما المصرية من قبل.. مثل الفتاة التى تعرضت للاغتصاب من زوجة أبيها وتضطر للعمل فى البار أو التى تضحى فى سبيل توفير قوت أسرتها فى غياب الأب أو الفتاة العربية التى تقدم نفسها على أنها ضحية زوج كان يستخدمها كسلعة لإرضاء أصدقائه أو الفتاة التى دفعت فاتورة حبيب مستهتر وإنجاب طفل فى الخطيئة، ثم المتطلعة للشهرة عن طريق الغناء فى «البار» لتقديم نفسها كمطربة فى تلميح مباشر إلى أن مطربات الفيديو كليب اللاتى انتشرن فى النظام الفاسد فى العشر سنوات الأخيرة كن من هذه النوعية.
إلى جانب هذه النماذج الأساسية يقدم المؤلف توليفات أخرى مثل المطرب الطفل الذى يقدم وصلة غنائية فى إشارة إلى سوء استخدام الأطفال فى المجتمع، والسايس الذى يعمل خارج البار، وفى نفس الوقت طالب جامعى تقوده الظروف إلى هذا العمل للإنفاق على نفسه، ولا يفوت المؤلف والمخرج تقديم شخصيات نمطية أخرى لرواد البار لشخصيات خليجية أصبحت من لوازم هذه الأحداث أو تاجر خردة ثرى باحث عن المتعة الحرام.
أحداث الفيلم عمومًا أشبه بفيديو كليب سريع استهلاكى أو تسجيلى يتاجر بالسياسة ويزايد بمشاهد العرى والابتذال رغم عدم رهانه على اللقطات الخاصة في غرف النوم فى مثل هذه الأجواء، وهكذا كان يراهن المخرج مازن الجبلى والمؤلف أشرف سالم للهروب من تهمة الاستسهال التى تواجه أغلب الأعمال التى تدور فى هذا الإطار حيث اكتفى المخرج باستعراض مفاتن بطلاته بدون توقف.
فيلم «البار» راهن على «الجماعة» والتيارات الإسلامية من أجل المرور لشاشة العرض والإفلات من الفخ الرقابى.. ولكنه وقع فى مصيدة المزايدة فى سباحة مكشوفة مع التيار من أجل الكسب السريع فى شباك التذاكر. ∎