«لابد أن نذكّر الذى يروع المصريين الآن بأنه كان يشكو الاضطهاد فى أنظمة سابقة» بهذه العبارة الثاقبة لخصت المستشارة تهانى الجبالى نائب رئيس المحكمة الدستورية المفارقة التى تسيطر على المشهد المصرى خلال الأيام الأخيرة، مؤكدة بمنتهى الحسم أن استحواذ مرسى على السلطتين التشريعية والتنفيذية بداية مشروع استبداد ومفسدة حقيقية لا جدال فيها، وكان مدهشا أن عباراتها قوية كالعادة لم تتأثر بمحاولات ردعها ببلاغات واهية تطاردها الآن فى إطار حملة مستفزة لاغتيالها المعنوى، وكشفت لنا سراً مهماً حسمت به الجدل المثار حاليا بأن وزير الدفاع الجديد الفريق أول عبدالفتاح السيسى رجل عسكرى مبهر ومستنير ولا علاقة له بالإخوان، فيما شددت أن كل محاولات هدم المحكمة الدستورية مكشوفة ولن تنجح.
∎ فى البداية.. كيف ترين المشهد السياسى بعد استحواذ رئيس الجمهورية على السلطتين التشريعية والتنفيذية معا؟
- للأسف هذه بداية واضحة لمشروع استبداد بالسلطة بأشكالها المتنوعة فى مصر، خاصة أنه فى هذه الحالة لا يوجد أى ضمان من أى نوع لمتابعة السلطتين التنفيذية والتشريعية والرقابة عليهما وهى فى يد رئيس الجمهورية، وفى هذه الحالة يتحول الأمر إلى مفسدة حقيقية ولا جدال فيها.
∎ ولكن بعض الأصوات ترى أن تركز السلطات كلها فى يد الرئيس تجعله المسئول الأول والأخير عن كل شىء، وبالتالى يجوز محاسبته محاسبة كاملة؟
- المسئولية كبيرة فى كل الأحوال والمساءلة قادمة بلا شك، وفى إطار الدولة هناك سلطات متعددة، يحدث تناقض كبير عندما تتركز فى يد واحدة فقط و،هذا يحض على الاستبداد بشكل مباشر. وهذه هى طبائع النظم السياسية والقانونية التى تعلمناها، وبهذا لا يمكن أن يتوافق أحد مع هذه الأفكار التى تدعو لتركز السلطات فى يد واحدة فقط، وفكرة توزيع السلطات لا تختلف ولا تتناقض مع فكرة «المسئولية» القائمة فى إطارها الدستورى ولهذا أتمنى ألا تجتمع سلطتان فى يد الرئيس خاصة أننا نحاول التخلص من المرحلة الانتقالية بكل التعقيدات والأخطاء التى وقعت فيها على أرض الواقع.
∎ إذن.. ما الحل لمواجهة هذا الاستحواذ الذى يراه البعض حلا مناسبا لهذه المرحلة؟
- أرى أن هذا الوضع يحض على الإبداع، فمن الممكن أن نقوم بإنشاء كيان خاص يتم تعيينه لهذه المرحلة الانتقالية، ويكون على شكل مجلس مصغر للتشريع يتم اختيار أعضائه من كل حزب ويتم التمثيل بنسب متساوية بجانب أعضاء من التكنوقراط يتم تعيين الجميع فى هذا المجلس المصغر وتتم الاستعانة به حتى انتخاب مجلس الشعب فهناك أشكال من الإبداع لابد أن تواجه الفراغ الذى نشأ فى السلطة التشريعية.
∎ وكيف تجدين الأزمات التى تواجهها المحكمة الدستورية العليا التى تصل للتهديد بتجميدها وإلغائها؟
- للأسف استهداف المؤسسات المرجعية فى الدولة لم يبدأ من اليوم، بل بدأ منذ فترة ليست قصيرة، وأرى أيضا أنه استهداف منهجى حاول تضليل الرأى العام من خلال ادعاءات مختلفة ومحاولات تشويه متعددة ضد هذه القلعة الشامخة.. وهذه الأمور للأسف الهدف منها معروف وواضح، ولكن على المواطن المصرى أن ينتبه لمؤسساته التى تقوم عليها الدولة لأنه بالرغم من الصراعات التى خاضتها إلا أن الشعب المصرى ما زال يحترم ويقدر هذه الكيانات الكبيرة.
∎ إذن هل تعتبرين أن الأزمات التى تواجهها المحكمة الدستورية ليست مجرد رد فعل حدث بالمصادفة مع قرارات اتخذتها؟
- بالطبع هناك مخطط منظم جدا يهدف جزء أساسى منه إلى تغيير المؤسسات المرجعية وتبديلها، ويدخل فى هذا الإطار بالطبع التخلص من المحكمة الدستورية العليا أو إعادة تشكيلها، وليس هناك أى مبرر فى الهجوم على قرارات وأحكام المحكمة الدستورية العليا خاصة أن نزاهتها معروفة للجميع، وهذا التاريخ العريق مكنها من الوصول للمركز الثالث على مستوى العالم فى استقلال القضاء، وهذا ليس كلامنا بل شهادات دولية موثقة.
∎ كيف سيكون رد الفعل فى حالة حل المحكمة الدستورية العليا أو إلغائها؟
- المحكمة الدستورية العليا هى كيان عريق يشهد له العالم كله، فهى استطاعت أن تواجه عهدين لهما من القوة ما لهما فى عهد الرئيس الراحل أنور السادات والرئيس السابق محمد حسنى مبارك ولها أحكام يتم تدريسها فى أنحاء العالم كله، وتم ترجمة أحكامها إلى 13 لغة، وذلك من خلال مفوضية استقلال القضاء الدولية، ويشهد لهذه المحكمة خوض المعارك وإصدار الأحكام فى قضايا شائكة مثل المواطنة وحقوق المرأة والحريات العامة والمساواة، لهذا فالمساس بهذه المحكمة أو محاولة تجميدها سيكون بمثابة جريمة كبيرة لا يمكن أن تغتفر لأنها ستكون قرارات غير شرعية فهى محكمة تم إنشاؤها بنصوص دستورية وأعضاؤها محصنون من العزل.
∎ وكيف تجدين ما يحدث مؤخرا من تعليقات على أحكام الدستورية العليا وخاصة من قبل المستشار أحمد مكى وزير العدل؟
- لن نقبل تدخلا من السلطة التنفيذية في أحكام القضاء، كما أنه ليس من حق أى سلطة مهما كانت التدخل فى أحكام القضاء أو التعليق عليها.. وللقضاة مكانتهم الكبيرة والمعروفة لدى الجميع والدليل أن اثنين من خيرة القضاة قام الرئيس مرسى باختيارهم لمناصب مهمة وهذا نابع من مكانة القضاة المستقلين ووضعيتهم المهمة ومن الدلائل اختيار المستشار أحمد مكى وزيراً للعدل والمستشار محمود مكى نائباً لرئيس الجمهورية وهذا سبب كافى ليذكر الجميع بضرورة الالتزام بعدم المساس بأحكام القضاء أو التعليق عليها لأن هذا ليس مقبولا بأى شكل من الأشكال.
∎ و ما هو ردك على من يصفون المحكمة الدستورية العليا بأنها تصدر أحكاما مسيسة وفقا للنظام السابق؟
- هذا الكلام ليس له أساس من الصحة ولا يجوز ترديده، لأنه مجرد كلام عبثى وغير منطقى، خاصة ان المحكمة الدستورية العليا مشهود لها وأحكامها معروفة للجميع، كما أنها أصدرت أحكاما كثيرة ضد النظام السابق، ولماذا يتم توجيه هذا الاتهام لها بالتحديد فى الوقت الحالى، المحكمة الدستورية العليا أحكامها نزيهة، ومجردة ولا يجوز التدخل فى أحكامها لأن القضاة فيها يحكمون وهم معصوبو الأعين بعيدا عن الأهواء والسياسات، ولكن العدل هو الأساس المعروف فى أحكامها.
∎ .. وبالمناسبة كيف وجدت قرار الرئيس بإقالة المشير حسين طنطاوى وعدد من قيادات الجيش؟
- من وجهة نظرى هى ليست إقالة بالطبع بينما هو تقاعد، وهناك فارق كبير جدا بين الإقالة والتقاعد، خاصة أن الإقالة تعنى بصراحة الاستبعاد، ولكن ما حدث يؤكد أن المشير وهذه القيادات هى التى طالبت بهذا التقاعد، ومن يتابع الأمر جيدا يعرف هذا الكلام، خاصة أن هناك تكريمات وأوسمة رفيعة المستوى منحها الرئيس للمشير والقيادات الكبيرة الأخرى فلا داعى للاجتهادات والافتراءات الكاذبة.
∎ ولكن البعض يرى أن هذه التغييرات جاءت بناء على وجود تذمر داخل المؤسسة العسكرية نتيجة لبعض التصرفات للمجلس العسكرى اعتبرها البعض مسيئة لسمعة الجيش فى الشارع؟
- هذا غير حقيقى فعلى الجميع أن يقرأ المؤسسة العسكرية جيدا، فالحقيقة هى أن هذه الترتيبات والتغييرات جاءت من داخل المؤسسة العسكرية وبناء على طلب هذه القيادات الكبيرة فى نقل المسئولية لجيل لاحق من الشباب، فالمؤسسة العسكرية هى صاحبة القرار وستظل صاحبة القرار وستظل بنفس قوتها مهما حدث من ظروف وتغييرات.
∎ لماذا تم إعلان هذه التغييرات فى نفس الوقت الذى تم فيه إلغاء الإعلان الدستورى المكمل؟
- المؤسسة العسكرية هى التى اتخذت قرارات التغيير والقادة هم الذين اختاروا الأسماء التى تم تعيينها والمشير كانت لمساته واختيارات وترتيباته هو والقادة معه واضحة جدا، والدليل هو أن هذه التغييرات والقرارات تم اتخاذها فى ظل وجود الإعلان الدستورى المكمل والذى ينص على أن المجلس العسكرى هو المسئول عن ترتيب أوضاع الجيش، وهناك دليل آخر يؤكد هذه المعلومات هو إعلان الجانب الأمريكى أنها كانت على علم بهذه التغيرات، أى أن المجلس العسكرى قام بها قبل إلغاء الإعلان الدستورى المكمل.
∎ وكيف قرأت البيان الذى أصدره المجلس العسكرى على صفحته الخاصة ؟
- لابد من الاهتمام بهذا البيان بشكل أكبر فى وسائل الإعلام وأطالبكم بالتدقيق فى تفاصيله لأن هذا البيان به ردود كافية وواضحة للتخمينات التى يوجهها البعض منذ فترة ومحاولات لتشويه المؤسسة العسكرية والجيش المصرى العظيم. وفى هذا البيان رد واف على كل الشائعات المغرضة التى تعرضت لها المؤسسة العسكرية وعن الشكوك حول الطمع فى السلطة والاستمرار فى حكم مصر وكل هذه الافتراءات والتخمينات «وعندما قالوا أدينا الأمانة وعبرنا بمصر إلى بر الأمان وسلمناها إلى السلطة الشرعية التى انتخبها الشعب المصرى، وذلك دليل على أننا لسنا طامعين فى سلطة ولا نسعى لمنصب وآن الأوان أن يستريح الفارس بعد رحلة عناء كانت فيها الفترة الانتقالية تحديا كبيرا».
∎ وما رأيك فيما تردد أن الفريق أول عبدالفتاح السيسى الذى تم اختياره وزيرا للدفاع بدلا من المشير يميل لفكر جماعة الإخوان المسلمين؟
- هذا الكلام ساذج ليس له أى أساس من الصحة لأننا ناقشنا الفريق أول عبدالفتاح السيسى وتحاورت معه أنا وغيرى واكتشفت أن هذا الرجل خلاصة من الوطنية والقيم، فهو رجل وطنى وعسكرى على قدر عال جدا من الثقافة والعقلية المتفتحة المبهرة. والخلاصة هى أننا لابد أن نثق فى سلطات الدولة المصرية لأنها راسخة ولا تنتظر فردا واحدا لكى يقوم بتعديلها وهى قادرة على أن تبنى الجديد لتقوية أركان الدولة الوطنية.
فالمؤسسة العسكرية لن تختلف من زمن لآخر والجيش المصرى أحد أهم أركان الدولة منذ (مينا) موحد القطرين.
∎ وكيف تجدين سياسة تكميم الأفواه والتضييق على كل من يعارض الرئيس وسياساته وخاصة فى وسائل الإعلام ؟
- للأسف هذا كله مقدمة لاستبداد خطير جدا، فحرية الصحافة والرأى والفكر والإبداع قاعدة أساسية لأى مجتمع حر يحترم مواطنيه ويمنحهم الحق فى أن يختلفوا معه، وهذا لا يتنافى مع وضع تقاليد وقواعد للحوار ولتكريس مبادئ وقيم، ولكن هذا لا يكون أبدا بتكميم الأفواه وتقديم الناس للمحاكمات ولهذا لابد أن يكون هناك ارتباط شرطى بإطلاق الحريات واحترامها ولابد أن يعلم الذى يروع الناس حاليا أننا نذكر أنه كان يشكو ويقول إنه كان مضطهدا فى ظل أنظمة سابقة، وهذا التكميم سيزيد العنف فى المجتمع.
∎ فى النهاية نريد الاطمئنان عليك فى ظل هذه الصراعات التى تواجهك والبلاغات والقضايا التى تلاحقك بسبب مواقفك الوطنية؟
- أنا بخير وبالرغم من كل المحاولات التى تستهدفنى وتسعى لإضعافى إلا أننى سيدة قضيت حياتى فى العمل العام وعملت بالمحاماة وأعلم جيدا أن الشجرة المثمرة تقذف بالطوب، ولهذا لن أضعف ولن أتراجع عن مواقفى أبدا.