كتبت مقالاً فى مجلة روزاليوسف عدد «4388» ورد على الأستاذ «المكرس مدحت محروس» فى عدد مجلة روز اليوسف «4389»، أُقدم الرد العلمى الموضوعى الآتى على مدحت محروس. ردُّكم لم يتطرق إلى مضمون المقال، ولا إلى النصوص القانونية الواردة فى المقال، ولا إلى شرحها وتوضيح المغزى منها، ولا إلى الشرح الوافى للقانون الرسولى رقم 14 والذى يبدأ بتحريم قاطع لانتقال أسقف إلى إيبارشية غير إيبارشيته مُقرِّراً العقوبة الفادحة على هذا التعدى. وقد أوضحنا أن القانون استدرك بعد ذكر العقوبة ووضع استثناءً من العقوبة وليس استثناءً من انتقال أسقف إلى إيبارشية أخرى. وهذا الاستثناء من العقوبة هو أن يدعوه أساقفة إلى الحضور لإيبارشياتهم لمهمة محددة أن ينفعهم بعظاته وكلامه. لم يتم الرد على هذا الشرح.
الرد لم يتطرَّق إلى الأهمية القصوى التى تعطيها الكنيسة وآباء الكنيسة قدامى ومعاصرين لقوانين مجمع نيقية المسكونى، ومن بينها القانون رقم 6 أن أسقف الإسكندرية المرسوم صحيحاً.
الرد لم يتطرق إلى ما ذكرناه من قوانين المجامع اللاحقة لقوانين الرسل مثل مجمع نيقية المسكونى سنة 325م والقسطنطينية المسكونى «القانون رقم 2» - ومجمع سرديقية سنة 344م الذى قال فى قانون رقم 2: «لا يسمح لأسقف أن ينتقل من مدينة صغيرة إلى مدينة أخرى. لأن الغاية من هذه المحاولة ظاهرة» ورفض أى عذر مثل: «أنه يحمل معه رسائل من الشعب فى حين أن الأمر واضح بأن بعض الناس تفسدهم الرشاوى والعطايا فيُحدثون سجساً فى الكنيسة طالبين أن يكون ذلك الرجل أسقفاً عليهم». وأيضاً مجمع أنطاكية سنة 341م القانون 21 الذى يرفض أى عذر لانتقال أسقف إلى إيبارشية الكرسى الرسولى الإسكندرية مثل عذر: «بإرغام من الشعب أو بإلزام من الأساقفة». فهذه المجامع رفعت العذر المذكور الوارد فى قانون الرسل رقم 14- لأنه كان عذراً ضرورياً أيام الرسل أى فى بداية المسيحية حيث قلة عدد المؤمنين وبالتالى الأساقفة المتعلمين، أما فى القرن الرابع فقد كثر عدد المؤمنين والأساقفة العلماء فى كل مكان، فلم يعد من ضرورة لأى استثناء مهما كان «مثل: إلحاح من الشعب أو إلزام من أساقفة»، وها نحن فى القرن الحادى والعشرين وأديرتنا الآن مليئة بالنساك العلماء الكنسيين الملتزمين بقوانين الرهبنة، المُلازمين قلاليهم وأديرتهم دون الخروج منها. وكل هذه القوانين وضعت العقوبة الفادحة على من ينتقل من إيبارشيته لينال أسقفية الكرسى الرسولى و«يُحدثون سَجَساً فى الكنيسة». وهذا أيضاً لم ترد عليه.
ونزيد على ذكر أهمية قوانين المجامع المسكونية بذكر أنه فى طقس القداس الإلهى، فإن آباء هذه المجامع المسكونية حاضرون معنا فى الكنيسة كل يوم ونسمع ذكرهم فى أول القداس أثناء صلاة التحليل حيث يذكرهم الكاهن الخديم بقوله: «عبيدك خُدام هذا اليوم.. وكل الشعب وضعفى يكونون محاللين من فم الثالوث الأقدس الآب والابن والروح القدس، ومن فم الكنيسة.. ومن أفواه الاثنى عشر رسولاً ومن فم ناظر الإله الإنجيلى مرقس الرسول.. ومن فم ال318 المجتمعين بنيقية وال150 بمدينة القسطنطينية والمائتين بأفسس..». فآباء المجامع المسكونية الثلاثة يعطوننا التحليل من خطايانا لنكون مستحقين لخدمة القداس الإلهى «بالنسبة لخُدَّام المذبح» وللتناول من الأسرار المقدسة «بالنسبة للخُدَّام والمؤمنين». فكيف نكون مُخالفين لقوانينهم ونحن نطلب من أفواههم التحليل من خطايانا؟ هذا تناقض من جانب المُخالفين وعثرة للشعب المسيحى.
لقد تجاهلت كل هذه الأبحاث الموضوعية ولم ترد على أية واحدة منها ومسست شخصى الضعيف. وهذا يخرج تماماً عن الرد العلمى الذى تطالبنى به وأنت مُخالف له إذ أن ردَّك شخصى وليس موضوعياً. ومن بين الأسئلة الشخصية: ما هى دراساتك وتخصُّصك العلمى. وليس من رد على هذا السؤال سوى سؤال مشابه: وما هى دراساتك أنت وتخصُّصك العلمى ومن أية جامعة لاهوتية مُعترف بها دولياً نلت هذا التخصص؟ ولكنى لا أُطالبك بأن ترد على هذا السؤال لأنه سؤال شخصى مقابل سؤالك الشخصى.
فى أسئلتك الشخصية ذكرت أسماء بابوات وبطاركة تقول أنهم كسروا قوانين الرسل والمجامع المسكونية وسألتنى أسئلة لا تدخل فى مجال بحثى ''هل ينطبق هذا على الأباء البطاركة الذين كانوا قبلاً مطارنة...إلى آخر الفقرة د». ولذلك فلن أرد عليها: فمقالاتى تنويرية بحتة تذكر صحيح القوانين الكنسية للشعب المسيحى وليس أكثر من هذا. وعليك أنت يقع عبء البحث عن من هو الذى يمكنه أن يرد على أسئلتك هذه.
ومن بين ردك الشخصى غير الموضوعى غير العلمى أنك تُلوِّح بالمحاكمة الكنسية، فهذا إعلان عن إفلاسك العلمى الموضوعى أمام نصوص قوانين المجامع المسكونية والمكانية المذكورة فى مراجع القوانين الكنسية المعتمدة من الكنيسة القبطية الأرثوذكسية. ورداً على سؤالك أرد بنفس سؤالك: وما هى صفتك أنت لتوجيه مثل هذا التهديد لى؟ وما هى سلطتك فى الكنيسة أن تهدد كاتباً يكتب فى مجلة بالمحاكمة الكنسية لأنه يذكر نصوص قوانين الكنيسة؟ لا يوجد فى النظام الكنسى القانونى أية سلطة تملك التهديد الذى هو ممنوع فى المسيحية اقتداءً برأس الكنيسة الرب يسوع المسيح الذى كُتب عنه: «لم يكن يهدد» «بطرس الأولى 2 : 23» - فمن أى سلطة نلت سلطة التهديد؟
هناك نموذج عملى لبطريرك كان أصلاً مطراناً ثم بعد 6 أشهر من صيرورته بطريركاً ندم على خطئه، فترك مقر البطريركية واعتكف فى دير بعيد إلى تنيح بعد سنة ونصف «عام 1946». فلماذا لا نقتدى بهذا الأب القديس ونهرب من التجربة بدلاً من أن نندم عليها أو نُعاقَب عليها؟
وهل سيدخل فى المحاكمة الكنسية شركاء لى فى المناداة باحترام القوانين الكنسية التى تمنع الأسقف المرسوم سابقاً من اعتلاء كرسى الإسكندرية الرسولى مثل: وأولهم: الأستاذ نظير جيد «ثم الأنبا شنودة فيما بعد أسقف التعليم» فى مجلة مدارس الأحد ثم فى مجلة الكرازة، والدكتور وليم سليمان قلادة نائب رئيس مجلس الدولة ورئيس تحرير مجلة مدارس الأحد بعد رهبنة الأستاذ نظير جيد، والعالم القبطى يسى عبد المسيح أمين المتحف القبطى وأستاذ اللغة اليونانية، وأراخنة الإسكندرية ومنهم الدكتور منير شكرى والأستاذ بديع عبد الملك، والقمص بيشوى كامل وغيرهم كثيرون، وأضف إليهم الأساقفة والمطارنة الحاليين الذين يستنكرون مخالفة قوانين الكنيسة. فهل المحاكمة ستكون للمنادين باحترام القوانين الكنسية أم بالمُخالفين للقوانين الكنسية؟ وأية كنيسة المقصود بها فى كلمة المحاكمة «الكنسية»؟ هل الكنيسة القبطية الأرثوذكسية الكنيسة المشهور عنها فى التاريخ باحترام القوانين الكنسية؟ أنا وكل هؤلاء ننتمى إلى الكنيسة القبطية الأرثوذكسية كنيسة احترام القوانين الكنسية والتاريخ يشهد بهذا.
أما بخصوص الكنائس الأخرى التى تختار بطاركتها من أساقفتها «د، ه» فمقالاتى هى موجَّهة إلى شباب وشعب كنيستى الحبيبة المستقيمة فى كل شىء أن يحافظوا ويطالبوا المسئولين بالتزام قوانين الكنيسة فى الانتخابات البطريركية للكنيسة القبطية الأرثوذكسية لدوام حلول بركة الله علينا واستمرار شفاعات وصلوات آباء المجامع المقدسة الذين ينطقون بالتحليل على رؤوسنا جميعاً إكليروس وشعب الله فى كل قداس.
بخصوص كلمة «لترقية» «بند ه» لا يوجد ما يسمَّى «ترقية» فى الطقس الكنسى بل هى كلمة منقولة من النظام الهرمى فى الوظائف المدنية. أما فى الصلوات الطقسية للرسامات فى الكنيسة، فبقدر اتضاع الخادم بقدر ما يكون أهلاً للخدمة «المُنتدب» إليها وهذا هو اللفظ الكنسى الطقسى المُستخدم فى صلوات الرسامات: انتداب «قس» ليصير «إيغومانساً - قمصا» أو «أسقف» ليصير «متروبوليت - مطران» وذلك للقيام بخدمة أشمل كأسقف المدينة الأم أى أسقف عاصمة الإقليم أو المحافظة «حسب معنى الكلمة باليونانية «ميترو» أى الأم، و«بوليس» أى المدينة». ولكن يظل قمصاً على نفس المذبح أو مطراناً على نفس الإيبارشية. ولا يوجد وضع يد جديد لأن درجات خدمة المذبح ثلاثة: أسقف، قس، شماس، ولكن لا ينتقل إلى مذبح أو إيبارشية أخرى لأن هذا مُحرَّم كنسياً.
بخصوص اللائحة الخاصة بانتخابات البابا البطريرك «بند ه» فهى ضد قوانين الكنيسة والتقليد الكنسى القبطى وقد سبق نشر نقد لها فى مقالات سابقة لكُتَّاب كثيرين ليس هنا مجال لتعدادها. وهى لائحة حكومية وليست كنسية صدرت عام 1957 عن وزارة الداخلية المصرية وليس فيها أسماء آباء الكنيسة الذين وضعوها ولا المراجع القانونية الكنسية التى تؤيد بنودها كما يحدث فى المجامع المسكونية والمكانية، بل هى فُرضت على الكنيسة القبطية آنذاك، ولكن خالفها مطارنة وأساقفة المجمع المقدس «عام 1957-1959» فامتنعوا عن ترشيح أنفسهم طوعاً واحتراماً منهم لقوانين الكنيسة، وبهذا يُسجَّل لهم أنهم تحدَّوا الخطأ وامتنعوا عن الانزلاق فى الخطأ ضد قوانين الكنيسة القبطية الأرثوذكسية. ولكن فى الانتخابات البابوية عام 1971 لم يحدث هذا الموقف الكنسى الشجاع والملتزم بقوانين الكنيسة. ومن المعروف أن أية لوائح أو قرارات كنسية تصدر يكون الحكم على صحتها وشرعيتها بناءً على مطابقتها لقوانين المجامع المسكونية وعدم تعارضها معها، وليس لأسباب شخصية مثل أنها أتت بالأنبا فلان.
أما السؤال لماذا لم تصدر معارضة لهذه اللائحة أيام البابا شنودة «ند ه)، فهذا السؤال لن أرد عليه قبل أن ترد أنت على الرد على سؤالك السابق طرحه منك فى عدد مجلة روز اليوسف بعنوان: «هل صمت الأقباط عام 1971 أمام ترشيح الأنبا شنودة أسقف التعليم لأسقفية الإسكندرية؟». الذين يكتبون فى موضوع انتخابات البابا يجب أن يكونوا دارسين لتاريخ الكنيسة قديماً وحديثاً قبل أن يكتبوا وقبل أن يلوِّحوا بالمحاكمة الكنسية لأن الكتابة على صفحات مجلة روزاليوسف مسئولية كنسية ووطنية لمجلة تسجَّل لها أنها حملت لواء مقاومة الخطأ منذ عهد ما قبل ثورة 1952 وتعرض أصحابها ومحرروها الأبطال للتنكيل بسبب هذا، وليس من الشهامة لكُتَّاب المقالات أنه إذا أُسقط فى يدهم أى لم يعرفوا كيف يردون، فإنهم يلوِّحون بالمحاكمات وإلا فنحن نعود إلى عصور الفساد. فهل هذا إرهاب كنسى مأخوذ من الكنيسة الكاثوليكية فى العصور الوسطى ما يسمى بمحاكم التفتيش التى ارتكبت جرائم ضد الإنسانية فشوَّهت صورة المسيحية حتى الآن وقضت على سمعة الكنيسة الكاثوليكية إلى عصرنا الحاضر.
أخيراً، أود أن أُعرِّفك أنى أرجع إلى كتب الأقدمين والكتب المعاصرة ما استطعت الحصول عليه وتختص بموضوع انتخابات البابا البطريرك وكذلك مجلات دينية صدرت فى القرن الماضى وغيرها. وليس عندى شخص ورائى مُرشَّح كاسر أو غير كاسر لقوانين الكنيسة أكتب لمصلحته، بل يوجد كثيرون لا علاقة لهم بترشيحات البابا أسألهم وأستزيد منهم علماً بالحق الكنسى الذى أنت تستهزئ به وتريدنى أن أشك فيه مثل الفلاسفة الذين يشكُّون فى كل شىء حتى أنفسهم. والسلام. وأخيراً أتقدم إلى جميع آبائى نيافة القائمقام البطريركى ومطارنة وأساقفة الكنيسة وإكليروس وشعب الكنيسة بكل الاحترام والتوقير راجياً أن يلهمنا جميعاً القرار السديد فى هذه الفترة المهمة من تاريخ كنيستنا القبطية الأرثوذكسية آمين.