لست إلا معارضا على الدوام لتيار الإسلام السياسى، ومعارضا للسلفية، بل أرى أن هؤلاء القوم لا يفهمون تلك الشريعة التى ينادون بها، لكنى أدرك أن من بين المفاهيم الديمقراطية أن تنزل الأقلية لرأى الأغلبية، وأن يتعاون الجميع فى سبيل رفعة وطنهم.
لكن ما أراه بمصر سوء إدراك لمفهوم المعارضة والديمقراطية وصل لمرحلة الغباء، فالذين يستمرون فى ترويج الشائعات التى تم صنعها خصيصا لمرحلة انتخابات الرئاسة لتلويث الإخوان المسلمين ومرشحهم، تم تكثيفها الآن لتنطلق نحو مؤسسة القضاء من خلال الطعن على نزاهة نتيجة الانتخابات، وأنها نتيجة سياسية أكثر منها واقعية، وأن الفائز الحقيقى هو الفريق شفيق، لكن المجلس العسكرى خاف من الإخوان المسلمين الذين كانوا قد أعدوا العدة لتدمير الوطن حال إعلان فوز شفيق. ألا يصب ذلك فى خانة فساد القضاء وضعف القوات المسلحة؟
إن احترام الرأى الآخر أمر واجب لكن احترام رأى الغالبية أوجب، والذين يطعنون فى نتيجة الانتخابات الرئاسية يفتحون الباب على مصراعيه للطعن العشوائى فى جميع الانتخابات الرئاسية القادمة مهما كانت نتيجتها، ويفتحون الباب للطعن العشوائى فى كل انتخابات غير رئاسية، فما أراهم إلا أنهم يبذرون بذرة الفوضى والتخوين وانعدام الثقة فى كل مناحى الحياة بمصر، وما أراهم إلا فى حالة من حالات الغباء الوطنى الإدراكى.
ولم يقف الأمر عند هذا الحد بل هتافات تصيح لتخوين الإخوان بعقد صفقة مع الأمريكان، وصفقة أخرى مع قطر لبيع مصر وإهدار ثرواتها، وهمز ولمز مجنون ومخبول تجاه لباس المرأة وإجبارها على ارتداء الحجاب، وقطع يد السارق، وقتل هذا وسفك دم ذاك، مع منع حرية السياحة، فشواطئنا مغلقة فى وجه البكينى والمايوه الحريمى، وستفرض القيود على الأعمال الفنية بأنواعها، وما أرى كل تلك الصيحات إلا أنها آثمة، وأنها تخرج من معين الغباء الوطنى.
فما ظن المعارضين لحكم الرئيس محمد مرسى حين يسمع الأجانب ما يقوله بعضنا على البعض الآخر، لاشك أن السائح سيخاف أن يحضر لمصر، لكن يا ترى من السبب هذه المرة؟، إنه ليس الإسلام السياسى، ولا الرئيس مرسى، ولا جماعة الإخوان المسلمين، إنما سببه ما نقذف به نحن بعضنا البعض قصفا استباقيا حتى وصل رذاذه للسائح الأجنبى فى بلده فيخشى من رحلة تحمله لأرض عفراء يأكلون فيها لحوم البشر اسمها مصر.
وما رأيكم برأس المال الذى يصفونه دوما بأنه جبان، فذلك الجبان لن يرتضى أن يضع نفسه فى بلد تهب عليها كل رياح الخماسين والستين السياسى، بلد بها رئيس منتخب، ورئيس آخر نصّب لنفسه قطاعا يعمل داخله اسمه المجلس العسكرى، وكل يوم له مجلس شعب، وكل قرار له محكمة توقفه، وكل قانون له محكمة تقضى بعدم دستوريته، فأى بلد هذا ومن ذلك المتهور الذى يضع فيه مليما ليستثمره.
وكل تلك المظاهرات والتظاهرات والإسراف فيها، حتى طلبة الثانوية العامة لما لم يعجبهم امتحان التفاضل والتكامل راحوا يقطعون الطريق، وأصبح المتعقل فينا كالطبيب فى بلد يؤمن كل أهله بالدجل والشعوذة، وكأننا جميعا نتكالب على دولتنا لنهدمها، أهكذا تفهمون حرية الرأى؟!؛ ألا يُعَبّر ما نحن فيه عن مراهقة سياسية؟.
ثم ألا يدرك شعب مصر الفرق بين التاريخ القديم والحديث، فكم أراكم تنادون بفاشية الإخوان المسلمين، ودمويتهم، فماذا عن فاشية العسكر ودمويتهم وقد عاصرتموها ستين سنة من تاريخكم القريب، إنكم تتلمظون بالإخوان لتاريخهم الدموى البعيد، فماذا عن أصحاب التاريخ القريب، هل أصبحوا فجأة ملائكة للرحمة، هل انفلت عقال الأدمغة فلا تدرى إلا الكره والانقسام، أكان يمكن للواحد منا أن يقول على الهواء بالتلفاز أنا لا أعترف بمبارك رئيسا كما فعل أحد دعاة الغباء الديموقراطى على قناة روتانا مصرية ببرنامج ناس بوك، وهل من لا يعترف برئيسه المنتخب، ولا بحكم المحكمة الدستورية، ولا بالمجلس العسكرى، ولا بجماعة الإخوان المسلمين يكون ليبراليا من النخبة أم يكون من شياطين الإنس المسلطين على مصر، ومتى تكون الفوضى إن لم تكن هذه السلوكيات وأشباهها.
فمن يريد لمصر أن تنهار فلن يكن فى وسعه أن يفعل أكثر مما يفعله أهلها بها، فلقد احترفنا خرابها بتوجهاتنا التى نظنها لمصلحة الوطن، بل وجدت صحف إسرائيل وهى تتغنى بذات الخراب العقلى الذى يصيح به الكثيرون من أهل مصر، وما ذلك إلا لأن خراب السياحة بمصر الذى يروج له عبيد الشائعات من المصريين يصب بمصلحة السياحة الإسرائيلية، ويبدو أن شعبنا لا يدرى الفرق بين الإخوان المسلمين ومنهاجهم والسلفية ومنهاجها، نعم قد تكون لتلك التخوفات مكانها إن كانت الأغلبية للسلفية، لكنها ليست كذلك فى جماعة الإخوان المسلمين، ويبدو أن الكثير منا يكره الإسلام وإن تظاهر وظهر بمظهره مدعيا الوطنية.
لذلك لابد أن نتعلم ثقافة الاختلاف، وألا نقوم بتكبير دائرة الخلاف، وقد يكون من جميل البيان أن أذكركم ونفسى بما نهى الله عنه قائلا: {وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} (الأنفال -46 ) فلا تنازعوا واصبروا قليلا، واعلموا بأن بعض الظن إثم، وتعاونوا مع حكم الأغلبية، واعترفوا بالغالب، حتى يسرى الخير فى أوصال الوطن.