كرم جبر روزاليوسف الأسبوعية : 12 - 03 - 2011 دخلت «روزاليوسف» لأول مرة سنة 1979، وكان اللقاء في مكتب الأستاذ لويس جريس العضو المنتدب للمؤسسة في ذلك الوقت، في حضور الأساتذة الأجلاء فتحي غانم وأحمد فرغلي وعبدالله الطوخي وصبري موسي، وبدأت حياتي الصحفية في مجلة «صباح الخير» ثم انتقلت بعد ذلك للمجلة الأم.. والآن أودع منصبي كرئيس لمجلس الإدارة راضيا وقانعا، ومتمنيا للجيل الجديد من القيادات كل النجاح والتوفيق. أبناء «روزاليوسف» لديهم القدرة علي استمرار مسيرتها ورفع رايتها، وأن تظل دوما اسما لامعا ومكانا مرموقا، فالأشخاص زائلون، وهذه المؤسسة هي الباقية، قلعة للكلمة الجريئة الشجاعة، في ظل زملاء جدد يستطيعون أن يرتفعوا بشأنها ويحافظوا عليها. كان ضروريا أن أتقدم باستقالتي، وفعلت ذلك منذ فترة، وكتبت في الجريدة والمجلة أن جيلا جديدا يجب أن يأتي، ومهما طال أمد المناصب، فالصحفي مصيره دائما هو العودة إلي القلم. أتمني أن يتولي المسئولية زملاء من المؤسسة حتي لا تتكرر خطيئة مثل التي فعلها الأمن الذي ترك البلاد في أوقات عصيبة بين أنياب الفوضي، وأدعو ألا تقع تلك المؤسسة في براثن الاضطرابات لأن أبناءها مخلصون لها وأوفياء لتاريخها وأمناء عليها، وتركنا القرار لأصحاب الشأن لتنتقل المشروعية، بطريقة محترمة وكريمة، حفاظا علي ثوابت وتقاليد هذه المؤسسة العريقة. لا أريد أن أقدم كشف حساب لما تم في السنوات الست الماضية، فأبناء «روزاليوسف» أنفسهم هم الأقدر علي ذلك، بعد أن تستقر الأوضاع، ومثل هذه الأشياء سوف تخضع للتقييم بشكل موضوعي، دون ظلم أو إجحاف. توليت المسئولية في ظروف صعبة، بسبب حالة الجمود التي أصابت الصحافة القومية كلها نتيجة عدم تغيير قياداتها لسنوات طويلة، واستطعت مع مجلس إدارة محترم أن نحقق أعلي درجات الانضباط والجدية، في ظل ظروف مالية صعبة، ولكنها أدت في النهاية إلي أن تصبح «روزاليوسف» ضمن مؤسسات الشمال وحققت استقرارا كبيرا. بعد ثورة 25 يناير، كان ضروريا أن يحدث التغيير، رغم أنني كرئيس لمجلس الإدارة لم أكن مسئولا إلا عن المقال الذي أكتبه، لأن القانون يفصل تماما بين الصلاحيات الإدارية والصحفية، بعد تعميم تجربة الفصل بين الإدارة والتحرير في كل المؤسسات الصحفية. أعتز بعملي مع قيادات عظيمة مثل فتحي غانم وصلاح حافظ وأحمد حمروش وعبدالستار الطويلة وعبدالله إمام ومحمود المراغي وغيرهم، بجانب زملاء وأصدقاء أعزاء من الجيل الأصغر سنا في ذلك الوقت مثل عاصم حنفي وطارق الشناوي، والجيل الذي يليه أسامة سلامة ووائل الإبراشي وإبراهيم خليل ومحمد جمال الدين وإبراهيم منصور وعمرو خفاجي وأسماء أخري كثيرة أخشي نسيانها لأن المكان كان مثل «مصر ولادة»، لديه القدرة علي النبوغ والإبداع. وأنجبت «روزاليوسف» أجيالا أخري واعدة من الصحفيين، لم تكن لديهم الإمكانات المادية أو الطباعية مثل الصحف الكبري، ولكنهم استطاعوا أن يتبوأوا الصدارة في كل شيء، وأن يحفروا أسماءهم ويكتسبوا الشهرة التي يحسدهم عليها الجميع. هؤلاء هم المخزون الاستراتيجي ل «روزاليوسف» الذي تدخره للمستقبل، لتحقق انطلاقة كبري، تستكمل بها ماضيها المشرق، حيث كانت دائما خط دفاع أول ضد التطرف والانغلاق والظلامية، وحاربت من أجل الوعي والتنوير ونشر ثقافة التسامح والحوار والرأي والرأي الآخر، وهذا هو مستقبلها الذي ينتظرها، كحصن للدفاع عن الحرية بكل صورها وأشكالها. الذكريات طويلة علي مدي 32 عاما في بلاط «روزاليوسف»، التي لم أغب عنها يوما، علي طريقة المثل الذي يقول: «الرجل تدب مطرح ما بتحب» وبالفعل فهذه المؤسسة تحفر عشقها في كل من يعمل فيها، وتولد لدي شبابها طاقات للإبداع والتميز والتفوق والتفرد، يحفظ لها دائما مكانتها المتقدمة لدي قرائها. سر «روزاليوسف» هو صاحبتها العظيمة السيدة فاطمة اليوسف التي أكسبت الصحافة مذاقا فنيا رائعا من وحي فنها، وفي إحسان عبدالقدوس الذي كان القلم في يده مثل المدفع الرشاش الذي يضرب الفساد والديكتاتورية. سر «روزاليوسف» في تواصل أجيالها، فكثير من شبابها احتلت موضوعاتهم أغلفتها رغم صغر سنهم، وظلت تحافظ علي روح التجديد والدماء المتدفقة التي تسري في عروقها، وتجدد شبابها دوما، وتجعلها متميزة. سر «روزاليوسف» في جرأتها وقوتها وشجاعتها، وسوف تعود إلي سابق عهدها، فلا بقاء للمناصب وإنما للكلمة التي يكتبها الإنسان فتظل باقية، وكم من أسماء جاءت وذهبت، ولكن بقيت «روزاليوسف» هي الاسم الذي لا يغيب. كل تجربة لها إيجابياتها وسلبياتها، وبمرور الوقت وتجديد الدماء، سوف تكون الفرصة سانحة لتقييم هذه التجربة، بما لها وما عليها، وعزائي أنني حرصت علي أن يكون لهذه المؤسسة إطار مؤسسي يدير أعمالها ويصدر قراراتها، ومحاضر مجلس الإدارة خير شاهد علي ذلك، فقد تم تسجيلها جميعا بالكلمة والحرف واعتمادها من كل أعضاء المجلس وإرسالها للجهات المعنية أولا بأول. هذه الإدارة لم تبع ولم تشترِ ولم تدخل في صفقات سمسرة علي الأراضي أو غيرها، لإيماني بأن عمل المؤسسات الصحفية هو الصحافة والنشر والإصدارات والمطبوعات، والأصل الوحيد الذي تم بيعه هو قطعة أرض صغيرة بعد إجراءات قانونية معقدة تحت إشراف جهات رقابية ومحاسبية، واحتفظنا بثمنها كوديعة حتي الآن لتطوير وتحديث أدوات الإنتاج. أما عن الذكريات فهي كثيرة، خصوصا الدور الخامس في المبني القديم الذي عشت فيه أكثر من نصف عمري، وفي كل شبر بقايا أحداث مهمة عشناها في هذا المكان، صنعت تاريخ مصر، فأنا أنتمي لجيل عاش أحداثا مهولة لم يحدث مثلها في عدة أجيال، من الإرهاب في الثمانينيات، حتي ثورة الشباب العظيمة في يناير الماضي. لن أقول وداعا «روزاليوسف»، لكني أؤكد أنني أحد أبنائها، شاء قدري أن أتحمل المسئولية في ظروف صعبة، وأن أتركها في ظروف أكثر صعوبة، حاملاً في قلبي وعقلي كل الشكر والاحترام والتقدير للجميع مهما كان حجم الإساءة والجحود ونكران الجميل من البعض، فالحياة ليست فيها صداقة دائمة ولا عداء علي طول الخط، ولكنها تتنوع وتنقلب، ويوم حلو ويوم مر. شكرا ل «روزاليوسف» التي صنعت اسمي ومكانتي، ولم أشعر في يوم من الأيام إلا بفضل هذه المؤسسة، وحاولت قدر استطاعتي أن أرد لها الجميل. شكرا ل«روزاليوسف» بعيدا عن المسئولية بأعبائها الثقيلة وهمومها الكبيرة، شكرا لأصدقائي الذين التفوا حولي، وزملائي الذين تعاطفوا معي.. وسامح الله من أساء لي ولأخلاقيات هذه المؤسسة العريقة، وسوف يعلمون فيما بعد أنني لم أكن أستحق سوي كلمة شكر. -- ملحوظة مهمة: تسلمنا روزاليوسف وعليها جبل من الديون قوامه 360 مليون جنيه، وأعباء أخري هائلة، ونسلمها أحسن حالا ونصيحتي للقادمين الجدد، أن يراجعوا جميع محاضر مجلس الإدارة والجمعية العمومية التي كانوا شركاء فيها.. فمن يبني ليس ضرورياً أن يصفي الحسابات أو يصعد علي جثث الآخرين. كرم جبر