«أباطيل وأسمار» هو اسم السفر الضخم الذى قام بتأليفه العلامة اللغوى والمحقق التراثى العظيم الشيخ محمود محمد شاكر، الذى فى العشرينيات حينما كان طالبا فى كلية الآداب، احتج على أستاذة وعميد الكلية وصديق والده الدكتور طه حسين وأعلن شاكر - الذى كان فى ال18 عاما من عمره - استقالته من الجامعة لأنه اكتشف أن طه حسين انتحل وسطا على نظرية المستشرق الفرنسى «مرجليوث» ونسبها طه حسين إلى نفسه زورا وبهتانا، والمدهش أن هذه المواجهة العنيفة حدثت فى المدرج وعلى رؤوس الأشهاد من الطلاب. خرج الشيخ شاكر من الجامعة ولم يعد إليها، وبنى أمجاده خارج أسوارها، وفى الستينيات حقق لويس عوض أبياتا للمعرى وأولها تأويلا معيبا مغالطا، وتصدى له الشيخ شاكر، وكان الرد فى 12 مقالة نشرت فى مجلة الرسالة، هجا شاكر عوض هجاء مرا لاذعا ومسح به الأرض مفندا تهافت عوض وليه لعنق الحقيقة لإثبات مغالطاته الفجة سيئة النية، والتى كانت بكل أسف طائفية بامتياز، فجمعت المقالات فى كتاب بالعنوان الرصين الأبلغ أباطيل واسمار.
تذكرت العنوان البديع « أباطيل وأسمار »، عندما قرأت عنوانا لابد وأن يلفت النظر لمقال فى موقع إسلامى الهوى إخوانى النزعة، لكاتب مغمور عنون ما كتب ب «القوة الناعمة للإخوان المسلمين»، وتساءلت أنى للإخوان بالنعومة، إذا كانت قوة الإخوان ناعمة كيف إذن تكون الغلظة والمناطحة وموتوا بغيظكم.. وإلى آخر القاموس الإخوانى فى طبعتهم الجديدة.
وقرأت المقال، ووجدت الكاتب يقول إن خلال ال 40 عاما المنصرمة فقدت مصر قوتها الناعمة، حتى هنا عداك العيب أيها الكاتب الهمام، وإذا به يقفز إلى نتيجة لا أصل لها ولا فصل وهى أن الإخوان هم من احتفظوا لمصر بقوتها الناعمة!!، وأن قوة الإخوان الناعمة ألقت الرعب فى قلب ليبرمان، وباعتبار أن الإخوانى للإخوانى كالبنيان المرصوص دعا أحد الإخوان عبر الفيس بوك القراء لقراءة المقال لتعميم الفائدة ولإيضاح فضل الجماعة على العالمين.
واندهشت من الغرور الأجوف ومن تلك المغالطات الفجة ومن ذلك الاجتراء على الحقائق، لأن مصطلح القوة الناعمة كان مفكرنا القومى العروبى الكبير محمد حسنين هيكل أول من صكه، وكما قال الأستاذ - ولا استاذ إلا هيكل - كان يقصد الأدباء والكتاب والفنانين والمفكرين والموسيقيين وأساطين الغناء الذين كان لهم آثار عميقة فى تشكيل وجدان محيط مصر من الأقطار العربية، ولفت هيكل الانتباه إلي أن مصر خلال عصر المخلوع فقدت الكثير من تلك القوة الناعمة.
وقوة مصر الناعمة تتمثل فى شجرة وارفة الظلال تتلألأ على أغصانها ثمارها الذهبية الفاخرة: نجيب محفوظ ويحيى حقى وأم كلثوم وعبدالوهاب وليلى مراد وصلاح أبو سيف والعقاد وطه حسين وسيف وأدهم وانلى ويوسف إدريس وفتحى غانم وأمل دنقل وحافظ وشوقى.. إلى آخر فنانينا وكتابنا ومفكرينا وشعرائنا جيلا إثر جيل
رأيت أن الواجب يحتم علىَّ، أن اصوب مفاهيم الكاتب الإخوانجى حول القوة الناعمة وأن أكشف مغالطاته الفجة على المعانى واستخدام المصطلح فى غير محله والسطو عليه بقلب من حديد، فوجهت له رسالة ألا يتجرأ على المعانى ونصحته أن يتمكن من أدواته وأن يتعلم من أستاذنا يحيى حقى قدسية الكلمة المكتوبة وجلالها لأن رب العالمين بدأ الكتاب العزيز ب «اقرأ» والعهد القديم يبدأ ب « فى البدء كانت الكلمة » ومن هنا كانت قدسية الكتابة وانهيت الرد بالأبيات:
« لا تسألنى إن كان القرآن مخلوقا أم أزلىّ بل سلنى إن كان السلطان لصا أم نصف نبى » هذه أبيات واحد من جواهر تاج ليبراليتنا، شاعرنا أمل دنقل، حيث تتواجه شاعريته ليبين لنا فى شجن عذب أن الترهات الميتافيزيقية والبيعة والاختباء خلف الدين كلها قضايا زائفة وأن العدل وإقامته هى القضية المحورية وحلم الإنسان الخالد.
ولأن الإخوانى للإخوانى كالبنيان المرصوص ولأن، الواجب يحتم على الإخوانى أن ينصر أخاه ظالما أو مظلوما، ما أن انتهيت من الرد فوجئت بمنازل إخوانى جديد يرد مؤيدا الكاتب المغمور، ليلقمنى حجرا، ومن خلال موسوعية مدعاة كتب أن « السياسى الأمريكى فلان الفلانى كتب فى المجلة الأمريكية كذا كذا أن القوة الناعمة هى كيت وكيت.. إلى آخر كلام من هذا القبيل وانتهى سيادته إلى أن مصطلح القوة الناعمة «مصطلح كنائى» يجوز استخدامه، ولمزيد من الإرهاب بالموسوعية كتب النص الأمريكى باللغة الإنجليزية.
ازدادت دهشتى من المنازل الجديد، وهو قيادى إخوانى من قيادات الوجه البحرى لإصراره على المكابرة، وعلى خلط الأوراق، ومحاولته إرهابى بمعلومات لا علاقة لها بالموضوع، معتقدا انه حينما يقول مصطلح «كنائى» سيلقمنى صخرة إخوانية.
رددت عليه بما يكفى موضحا أن الإخوان قوة سياسية أو دعوية هذا مقبول، أما أنهم قوة ناعمة فهذا يجافى آلاف الحقائق، فلا علاقة للإخوان بالنعومة من قريب أو بعيد، لديهم ميليشيات عسكرية، رأيناهم فى استعراض الأزهر أم أنه كان استعراضا لرقص الباليه ومن غفلتنا اعتقدنا أنهم ميليشيات عسكرية؟!
كان لهم تنظيم خاص قتل الخازندار ومحمود فهمى النقراشى وسليم زكى وحاولوا اغتيال عبدالناصر، أما أن الزعم بأن الإخوان هم قوة مصر الناعمة فهذه مغالطة لا يمكن السكوت عليها.
القوة الناعمة هى الفن - الذى أحببناه أكثر من أى شىء فى الحياة - والأدب والفكر والموسيقى، كما أسلفنا، وللإخوان مواقف معادية لها جميعا، لأنها فى زعمهم تلهى عن ذكر الله، أما الحمائم منهم فيقولون على الفن تلك الجملة المراوغة البغيضة وهى « حلاله حلال وحرامه حرام » وتحديتهم أن يذكروا لى اسم روائى إسلامى واحد، أو شاعر إسلامى أو قاص إسلامى أو موسيقى إسلامى وأنهيت كلامى أن الليبرالية المصرية هى شمسها الذهبية التى تنشر ضياءها الوضاء ومحيطها العربى.