محمود التهامي روزاليوسف اليومية : 07 - 09 - 2009 يبدو أن الولاياتالمتحدة سقطت في فخ إسرائيلي من صناعة نتنياهو وحكومته المتطرفة التي حولت السياسة الأمريكيةالجديدة تجاه القضية الفلسطينية إلي جزء من مناورة إسرائيلية لإجهاض رغبة المجتمع الدولي في وضع نهاية للصراع بين الفلسطينيين وبين إسرائيل ضمن مخطط شامل يستهدف إقرار سلام شامل وعادل في الشرق الأوسط. منذ بداية الطرح الأمريكي الذي قدمه الرئيس أوباما كان ثمة شيء غامض يحيط بالموضوع فقد بدا الطرح وكأنه انقلاب في السياسة الأمريكية ضد إسرائيل إلي درجة بعيدة دفعت أكثر المراقبين تفاؤلا إلي التشكك في جدية الطرح المفاجئ للرئيس أوباما وقالوا من غير المعقول أن يفاجئ أوباما حليفه الاستراتيجي في إسرائيل بمطالبته علنا بمطالب غير متفق عليها مثل وقف الاستيطان فورًا تمهيدا لاستئناف مفاوضات السلام مع الفلسطينيين. ردا علي المطلب الأمريكي الذي بدا مفاجئا جاء رد الفعل الإسرائيلي أكثر تشددا ورافضا للعرض الأمريكي واستعرض الساسة الإسرائيليون تحديهم للإدارة الأمريكية من خلال سلسلة من التصريحات الاستفزازية توجها نتنياهو بإعلانه عن ضرورة اعتراف الفلسطينيين بيهودية دولة إسرائيل كشرط أولي للسماح بقيام دولة فلسطينية في إطار حل الدولتين الذي سبق أن طرحته الولاياتالمتحدة وأيده المجتمع الدولي وقبله الفلسطينيون ولكن بمواصفات غير تلك التي يقصدها نتنياهو. في سياق المناورة الإسرائيلية الأمريكية المشتركة التي بدت كرقصة خليعة في نهار رمضان، ذكر التليفزيون الإسرائيلي أن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو وافق علي تجميد جزئي لمدة 9 أشهر للاستيطان في الضفة الغربية لا يشمل تجميد 2500 مسكن قيد البناء حاليا، بالإضافة إلي استثناء الأحياء الاستيطانية في القدس العربية من التجميد.. كما أكد مسئول إسرائيلي آخر أن نتينياهو سيقر إنشاء مبان أخري في المستوطنات بالضفة الغربية قبل أن يدرس مسألة التجميد الجزئي للأنشطة الاستيطانية هناك. وقال أحد مساعدي نتنياهو إنه يتوقع أن يدعم رئيس الوزراء العمل في مئات المنازل الجديدة الأسبوع المقبل، هذا بالإضافة إلي 2500 وحدة إسكانية تم تشييدها بالفعل. وأضاف أن نتينياهو سيدرس بعد ذلك التجميد المؤقت للبناء في المستوطنات وذلك بناء علي طلب الولاياتالمتحدة، كخطوة تمهيدية لاستئناف محادثات السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين. إسرائيل بهذا التصرف توهم بأنها تتجاوب مع الرغبة الأمريكية بوقف الاستيطان ولكنها في الحقيقة لا تفعل شيئًا حقيقيا لأن قرارها يعني في الحقيقة إصرارها علي تحدي القانون الدولي الذي يقيد حركتها علي الأراضي التي تحتلها بالقوة، بينما المفهوم من تجميد الاستيطان أن يكون خطوة تؤكد عدم مشروعيته وإمكانية طرح القضية للتسوية في المفاوضات المنتظرة. لتهدئة خواطر العرب المهتمين بالموضوع والذين أحسنوا الظن بالطرح الأمريكي قال البيت الأبيض إنه يأسف علي الأنباء التي تفيد بأن الحكومة الإسرائيلية ستقر إقامة المئات من المباني الجديدة للمستوطنين اليهود في الضفة الغربية. وقال المتحدث باسم البيت الأبيض: نحن نأسف لما أعلن عن خطط إسرائيلية للموافقة علي بناء المزيد من المستوطنات، ووصف الموافقة الإسرائيلية بأنها غير متسقة مع خطة خارطة الطريق القائمة منذ وقت طويل. وأشار إلي أن الرئيس باراك أوباما قال من قبل إن الولاياتالمتحدة لا تقبل شرعية التوسع المستمر للمستوطنات وتطالب بتوقفه فنحن نعمل علي خلق مناخ يمكن أن تجري فيه المفاوضات ومثل هذه التصرفات تجعل خلق مثل هذا المناخ أصعب. تأكيدا للموقف الإسرائيلي كان التليفزيون الإسرائيلي قد أعلن أن نتنياهو وافق علي تجميد جزئي لمدة تسعة أشهر للاستيطان في الضفة الغربية بناء علي طلب الولاياتالمتحدة، وأن التجميد يشمل بناء مساكن جديدة في المستوطنات، حيث يعيش 300 ألف يهودي، لكنه لا يشمل 2500 مسكن قيد البناء حاليا في هذه المستوطنات إضافة إلي المباني العامة، كما لا يشمل الأحياء الاستيطانية في القدسالشرقية حيث يعيش 200 ألف إسرائيلي. أضاف التليفزيون الإسرائيلي أنه مقابل هذا التجميد وافقت عدد من الدول العربية ومن بينها قطر وسلطنة عمان وتونس والمغرب علي فتح ممثليات تجارية إسرائيلية في أراضيها. أشار أيضًا إلي أنه لا يوجد أي اتفاق بين إسرائيل وبين الولاياتالمتحدة حول الخطوات المتوقعة في ختام هذه الفترة.. ونقل عن نتنياهو قوله لشركائه في التحالف الحكومي أنه نجح في تحويل الشرط الأمريكي من تجميد كامل إلي تجميد جزئي ومؤقت. بالطبع أثارت هذه الخطوة من جانب إسرائيل غضب الفلسطينيين وقالوا إنها غير مقبولة بالمرة، وقال المفاوض الفلسطيني صائب عريقات: إن الأمر الوحيد الذي تم تجميده بهذا الإعلان هو عملية السلام. اللافت للنظر هو التراجع في الموقف الأمريكي الذي بدا حتي الآن في حالة عجز عن الضغط الفعال علي إسرائيل لمجرد تجميد الاستيطان حتي مع الثمن الذي ستدفعه دول عربية لدعم المطلب الأمريكي بناء علي طلب الرئيس أوباما، وفي المقابل مارست إسرائيل هوايتها في وضع شروط إضافية مثل شرط يهودية الدولة الذي يفتح باب جهنم علي العالم أجمع وليس علي المنطقة فحسب. الأنظار معلقة الآن علي الخطوة الأمريكية التي ما زال الرئيس أوباما يدرسها ووعد بالإعلان عنها في نهاية الشهر الجاري كمبادرة لدفع مفاوضات السلام للحياة مرة أخري. أخشي ما أخشي أن أي مبادرة لن يكتب لها النجاح، إلا إذا بدأت المفاوضات علي أساس واضح وهو أنها مفاوضات حول آليات إنهاء الاحتلال الإسرائيلي للأرض العربية المحتلة وضمانات التعايش السلمي في المنطقة.