من فضلك لا تهاجم القصر والاستعمار البريطانى الذى فتح الكبارى فى وجه المتظاهرين قبل سبعين عاما.. فقد كان استعمارا طيبا وعلى نياته.. واليوم تمارس السلطة الوطنية طقوسا مختلفة فى التعامل فى المعتصمين.. فتقف على الحياد وبراءة الأطفال فى عيونها.. تتفرج على المتظاهرين وقد أطلقت عليهم كلابا مسعورة.. يمارسون فيهم القتل والذبح من الرقبة فى مشهد لا يتكرر سوى فى أحراش بورندى.. والخيبة أنها تلقى باللوم فى النهاية على الشهداء الذين سقطوا بحجة أنهم استفزوا البلطجية وعطلوا المرور.. وهى مسألة غريبة والله.. لأن شهداء مثلهم سقطوا فى ماسبيرو ومحمد محمود ومجلس الشعب وميدان التحرير.. دون أن يذهبوا لمحيط وزارة الدفاع.. وهل يكون جزاء الشاب الذى ذهب متحمسا للوقوف والتضامن مع المعتصمين.. أن نذبحه فى عرض الطريق.. أو داخل سيارة الإسعاف التى حضرت لإسعافه؟!
فى جميع دول العالم.. ماعدا بورندى.. يواجهون المعتصمين بخراطيم المياه.. وأحيانا بالرصاص المطاطى فى الأرجل.. عندنا الخرطوش فى العيون والقنابل الحارقة.. وأخيرا اكتشفنا الذبح بقطع الرقبة..!!
ولا مؤاخذة.. لا أصدق أبدا حكاية البلطجية الذين يظهرون دوما فى الأحداث الدامية.. مدججين بالعصى والشوم والسكاكين وبنادق الخرطوش.. لا أصدق أن الدولة بجلالة قدرها.. بمجلسها العسكرى ووزارة داخليتها وجهازها الأمنى الجبار لاتعرف عنهم شيئا.. فتتركهم طلقاء يتحكمون فى الثورة ومسارها.. وكيف تسمح لهم الدولة بحكومتها ومجلسها العسكرى بالعربدة وفرض قانونهم الخاص فى الشارع السياسى.. وقد وقفت تتفرج عليهم لترتكب جريمة الصمت والمشاركة بالسكوت.. وكيف وافقت الحكومة والمجلس على أن يمارس الأولتراس شغل السياسة من الأصل.. وهى جماعات متعصبة فاشية جاءت إلينا على الموضة.. فأفسدت دنيا الرياضة بتعصبها العنيف.. وها هى الساحة تترك لها عمدا.. لتمارس دورا آخر فى الشارع السياسى.. وكيف تتحجج الثورة بأن جماعة 6 أبريل تمول وتشجع العنف والفوضى.. فى حين وقفت تتفرج عليها تحشد الأنصار والمؤيدين فى مسيرات منظمة إلى حيث محيط وزارة الدفاع.. حيث مصيرها المعد والمجهز سلفا بجيوش البلطجية التى تمارس عملها على أكمل وجه.. فى ظل الصمت والسكوت الحكومى المتفق عليه؟!
إننى أكاد ألمح أصابع المجلس العسكرى فى كل ما يحدث.. ومع أننى ضد الشعار السخيف يسقط حكم العسكر. إلا أن ما حدث فى محيط وزارة الدفاع يجعلنى أتشكك كثيرا فى دور المجلس من وراء ستار فى كل ما يحيق بمصر خلال الخمسة عشر شهرا الأخيرة..!
إن جريمة التعذيب لاتسقط بالتقادم.. وسوف نحاسب المجلس العسكرى على ارتكابه للجريمة العظمى.. وقد أعلن فى الماضى بوضوح بصريح العبارة.. عدم السماح للأحزاب الدينية بالتواجد على الساحة السياسية.. وانظر حولك لن تجد سوى أحزاب تتلاعب بالدين وتكفر باقى القوى.. وتمارس التعذيب والترويع لجموع الشعب المصرى.. وقد أطلقت أمراءها وشيوخها يبيعون صكوك الغفران للغلابة.. أحزاب ترفع لواء الدين والإسلام هو الحل.. فى حين أن الفوضى الشاملة هى العنوان وهى الحصاد المر لدخول الأخوة لمعترك السياسة مسلحين بالعقد والكلاكيع النفسية والبارانويا الفاقعة يحاولون فرض قانونهم الخاص على الجميع..!! ويا ميت خسارة على الثورة التى فطسها الجميع، ثم وقفوا يتلقون العزاء ويتبادلون الاتهام.. ويمارسون لعبة صراع المصالح..وقد تقاعس الثوار وغابوا عن الساحة.. بعد أن سلموا ذقونهم لأحزاب ومنظمات ما أنزل الله بها من سلطان!
الخيبة أن البرلمان فى جميع بلاد الدنيا.. يدافع عن مطالب الشعب فى مواجهة الحكومة.. إلا عندنا والبرلمان مشغول بالدفاع عن نفسه وحصد المكاسب والأرباح.. وخناقتهم مع الحكومة هى نوع من إثبات الذات واستعراض العضلات تمهيدا لانتخابات الرئاسة التى تخطط القوى الدينية الجديدة للفوز بها والاستفراد بحكم البلاد.
وهل رأيت الكتاتنى وفهمى وهما يغادران البلاد إلى السعودية.. فى عز الأزمة.. وفى التوقيت الذى يتطلب تكاتف الجميع.. لكن لا.. هما فى واد آخر.. حتى ولو سقط العشرات من المتظاهرين فى مشهد لن يذكرك أبدا بالقصر والاستعمار البريطانى.. لأنه كان استعمارا طيبا وابن حلال..!!