في حياة مصر.. رجال صنعوا التاريخ.. أبطال قادوها إلي المجد.. وأبطال أكتوبر ليسوا رجالاً وحسب بل هم نسور انتزعوا النصر من بين مخالب الأعداء، أبطال لم يبخلوا بدمائهم وأرواحهم علي وطنهم. عزفوا سيمفونية نصر أكتوبر العظيم، ليظل في أذهان العالم كله هذا اللحن، الذي كشف للعالم كله: من هي مصر. سألت اللواء أ.ح/ نصر سالم أحد قادة حرب أكتوبر عن طبيعة عمل جهاز (المخابرات الميدانية والاستطلاع) وما دوره في أي معركة؟ - جهاز (المخابرات الميدانية والاستطلاع) هو المسئول عن تجميع المعلومات عن العدو، وعن مسرح الحرب بالإضافة إلي تقدير موقف العدو، وإعطاء التوصيات للقائد الأعلي، فهناك حكمة مصرية وصينية تقول: لابد أن تعرف كل شيء عن عدوك قبل أن تحاربه فإذا عرفت حجم ومصادر قوته تماماً فقد كسبت المعركة معه ب 50% قبل أن تبدأ وإذا عرفت قوته واستعددت له فقد كسبت 75% من الحرب قبل أن تبدأ، فالاستطلاع مسئول دائماً عن نصف قرار القائد. أما عن دوره في المعركة، فقد بدأ منذ انسحاب القوات المصرية فقد صدرت لنا الأوامر بالبقاء حتي نتابع العدو وتجهيزاته واستمر هذا من 67 وحتي 73 وما بعدها، والاستطلاع لا يعطي ظهره لعدو، ولا يغمض عينه أبداً وذلك لأن أهم مبدأ عندنا هو الاستمرار قبل وأثناء المعركة. كيف استعاد جهاز الاستطلاع قوته بعد 67؟ - في 67 صدرت الأوامر بالبقاء، ونظراً لأهمية الاستطلاع تمت إعادة هيكلة مسرح الاستطلاع، واستكمال دائرة العمل فيه تحت إشراف المخابرات الحربية والتي تغير اسمها إلي المخابرات الحربية والاستطلاع، وتم إنشاء وحدات استطلاع جديدة واختير لها أكفأ العناصر والقيادات والتي شرعت في عملين:- 1 - التدريب والإعداد بدءاً من البعثات للخارج. 2 - التدريب علي المواقع المشابهة لمسرح المعركة، هذا بالإضافة إلي الدفع المستمر والمتتالي لمجموعات الاستطلاع والدخول في عمق إسرائيل للبحث عن المعلومات، وهذه المعلومات طالما حظيت باهتمام القيادة. وما أهم المعلومات التي حصلتم عليها وكان لها تأثير قوي في حسم معارك أكتوبر؟ - من أهم المعلومات التي ساهمت في حسم معارك أكتوبر، معركة في الطيران المصري للطيران الإسرائيلي في يوليو 67، وأيضاً معلومات الذخائر التي فقدناها في 67، وأهم معلومات كانت عن الطيران الإسرائيلي مما ساعد علي إنجاح الضربة الجوية الأولي في 73 . فأنا في حياتي كلها لا أنسي مقولة سمعتها من أحد القادة الإسرائيليين وهي: إن الاستطلاع المصري جعل سيناء كتابا مفتوحا أمام جيشهم. وفي يوم 6 أكتوبر 73؟ - يوم 6 أكتوبر كنت مكلفا بمهمة استطلاع في عمق العدو لمدة 6 أيام ولم أكن أعلم أن الحرب ستقوم في نفس اليوم، وعندما اندفعت مع مجموعتي لنركب الطائرة التي ستنقلنا إلي مكان المهمة علمنا بالضربة الجوية الأولي، فصممنا علي أن نذهب في نفس اليوم ووصلنا في 11 ساعة، وأنزلتنا الطائرة قبل الموقع بعدة أمتار حاملين فوق أكتافنا أكثر من خمسين كيلو وبمجرد وصولنا قابلتنا مفاجأة لم تخطر لنا علي بال. فالموقع الذي كنا نقصده محاط بسلك شائك طويل وعريض وهنا كان لابد لنا اختيار قرار من ثلاثة قرارات:- إما أن نرجع أو نمشي بطول السلك حتي نصل إلي الجبل ونختبئ فيه، أو أن نخترق هذا السور ونذهب مباشرة للموقع وهنا وقفنا لنفكر قليلاً في الاختيارات:- الاختيار الأول كان مستحيلا لأن التراجع لم يكن من شيم المصريين، أما الاختيار الثاني فكان صعباً لأننا في حالته لن نتمكن من الحصول علي معلومات اخترنا الثالث وكان القرار هو الاختراق، فإذا لم يكن من الموت بد فمن العار أن تموت جباناً ففتحنا السلك بكل ما تعلمناه، تخفينا، واتخذنا نقطة في الجبل، ومع ظهور أول ضوء بدأت تتضح تضاريس المكان، ورأينا المكافأة التي كافأنا الله بها اكتشفنا صيدا ثمينا فالموقع يحتوي علي لواء مدرع، ومطار إسرائيلي وأيضاً محور رئيسي يصل بين عمق إسرائيل والجبهة، فكان كل عنصر من هذه العناصر يكفي لأن تعمل عليه أكثر من مجموعة. لكن كانت هناك مشكلة وهي وجود صف دبابات أمام النقطة التي اتخذناها، وهذا بدوره يعرقل فرد السلك الذي من خلاله نرسل المعلومات، والمشكلة الأكبر أن السلك لونه كان مختلفاً عن الأرض الصحراوية. ولكي أتغلب علي هذه المشكلة توكلت علي الله ثم أخذت السلك فردته أمام الدبابات، وغطيته بالرمل والطوب، وبالفعل نجح الإرسال ووصلت المعلومات للقيادة المصرية. وكان رد الفعل سريعاً جداً، فقد وصلت أربع طائرات مصرية وتعاملت مع هذه الدبابات، والتي فزعت فزعاً شديداً لدرجة أنها اصطدمت ببعضها، وفي نفس اليوم حدث تدمير للمطار. وهنا ضحك اللواء نصر سالم وهو يتذكر حادثة طريفة بخصوص هذا الموقف، فبعد أن تم القضاء علي هذه الدبابات في هذا الموقع جاءت دبابات أخري، وقامت بالاصطفاف مرة أخري في نفس الموقع وقبل أن نرسل المعلومات الخاصة بهم فوجئنا باصطدامهم ببعض بنفس طريقة يوم 8، فاستغربنا جداً، لكن عندما نظرنا إلي السماء عرفنا السبب لقد ظنت الدبابات أن الطائرات الإسرائيلية الموجودة في السماء التي جاءت لتحميهم.. طائرات مصرية جاءت لتضربهم مثلما ضربتهم أول مرة، فدب الفزع في قلوبهم، لدرجة أنهم اصطدموا ببعض، وقضوا علي أنفسهم بأنفسهم. والشيء الأكثر طرفة أنه بعد وقف النار قام الإسرائيليون بتمشيط الموقع الذي كنا فيه، فذهبنا واختبأنا وسط معسكرهم وبملابسهم، فلم يتوقعوا ذلك علي الإطلاق. بالنسبة لثغرة الدفرسوار.. هل كان لدي جهاز الاستطلاع أي معلومات عنها قبل حدوثها؟ - نعم.. لقد كنا موفرين كل المعلومات عن الثغرة، وأنا بنفسي لاحظت وجود طيارات دفاع جوي إسرائيلية في منطقة الدفرسوار، وبلغت القائد صلاح كامل، إلي جانب أن القيادة كانت لديها معلومات دقيقة عما يحدث، وأيضاً عنصر الاستطلاع التكتيكي الذي يعمل مع المقاتلين. وحتي لا نجلد أنفسنا: - هذه الثغرات تمت بواسطة دولة حليفة لإسرائيل فقد رأيت بنفسي طائرات هذه الدولة ترسل معونات ومعدات جديدة لإسرائيل، كما أن هذه الدولة قامت بالشوشرة علي أجهزتنا التي أرسلنا بها المعلومات الخاصة بالثغرة، لكننا تداركنا الأمر بالسرعة، ودخلنا حربنا الإلكترونية، وكدنا أن نصفيهم لولا أنهم أعلنوا الانسحاب في مقابل عدم تدمير أجهزتهم الإلكترونية. وقد كان رأي القادة أن نجعلهم ينسحبون فالحرب إحدي وسائل تنفيذ السياسة، لكن هناك أيضاً طرقا أخري لتنفيذ السياسة فلما رأي القادة أن المفاوضات أفضل أخذوا بها، ومادمت قد قررت هذه الدولة الانسحاب، فلا داعي للحرب. موقف لا تستطيع أن تنساه حتي الآن؟ - هناك موقف أعتبره معجزة لا أصدقها حتي الآن، ففي أحد الأيام كلفت باستطلاع مكان ما، فتحركت مسافة لا تقل عن 7 كيلو مترات، ثم اكتشفت من علي الخريطة أن هناك لسانا جبليا صخريا يحيط بموقع العدو، ويشرف عليه فاخترت أعلي نقطة فيه، وتسلقتها لكنني لم أكن أعلم أن هذه النقطة ستكون قريبة جداً من العدو، فبعد أن تسلقت الجبل في تمام الساعة الثامنة صباحاً فوجئت أنني في قلب معسكر العدو، وأن برج مراقبة العدو علي مرمي حجر. أيقنت أن الشهادة قادمة، لكنني أصررت علي إكمال مهمتي وتمنيت الشهادة ثم فردت سلك الإرسال، وأرسلت المعلومات في خمس دقائق مرت كالدهر، وفي هذه الأثناء لم أجد أحداً يتقدم ناحيتي، وبنظري إليهم وجدتهم منشغلين، ولم يكتشفوا أمري بعد فرجعت غير مصدق أنهم لم يروني بالرغم من وجودي في قلب معسكرهم. ما دور الاستطلاع الآن في ظل المعاهدات الموجودة؟ - منذ عام 73، وحتي الآن لم يكن لدينا أي طرف نعاديه، ولكن ليس معني ذلك أن نغمض أعيننا عن أحد، لأننا إن أغمضنا أعيننا فإننا سنترك لأي عدو خفي عنصر مفاجأتنا، ونحن كجهاز استطلاع مهمتنا هي الاستمرار دائماً في الاستطلاع. وهل يضع جهاز الاستطلاع من خلال المعلومات التي يرصدها أي سيناريوهات لحروب مستقبلية؟ - أي قيادة، وليست المصرية فقط تضع سيناريوهات، وهذا طبقاً لأي جهاز استطلاع في العالم كله، فهو لا يغفل أبداً ولا يضع بلده في عنصر المفاجأة، وذلك لأن من مهام الاستطلاع قراءة الأحداث، والرؤية المستقبلية لها. نصيحة لأبناء القوات المسلحة؟ - أهم مبدأ لابد أن يسيروا عليه:- (واعدوا لهم ما استطعتم من قوة) فإذا طلب منك عشر نقاط، اجتهد في تنفيذ أكبر عدد منها سوف يساعدك الله مادمت تفعل كل ما في استطاعتك وأهم نصيحة لكل مقاتل:- فضل بلدك علي نفسك لأنها غالية عليك وأمانة في رقبتك.