أحسن الاعلامي اللامع عمرو الليثي عندما خصص حلقات برنامجه الجاد »اختراق« طوال شهر اكتوبر لشهداء حرب الاستنزاف حتي العبور العظيم. ذهب الي بيوتهم.. التقي بالآباء والأمهات، الأخوة والأخوات، الزوجات والأبناء والبنات. حكي الأهل قصص بطولة فذة لكل واحد منهم. كان ملفتا أن عائلات الشهداء بعد 73 عاما فأكثر، يحكون عن الشهداء وكأنهم استشهدوا أمس فقط. يتحدثون عن بطولاتهم بفخر واعتزاز عظيمين، مما يجعلنا نفكر في البحث عن صيغة للاحتفاء بهذه الأسر الرائعة. استعاد الأهل ما رواه زملاء الشهداء عن بطولاتهم حتي يوم الاستشهاد. لكن عمرو الليثي بحسه الفني، وأسئلته المتأنية، استخرج من الأهل، فضلاً عن أعمال القتال، الجوانب الانسانية، التي يحرص كتاب الدراما علي العثور عليها، لا غناء العمل بحيوية عناصر الحياة البشرية، فلا تقتصر الأعمال الدرامية علي النشاط العسكري والعمليات الحربية. كشف عمرو من خلال روايات الأهل، أن هؤلاء الأبطال لم يكونوا كائنات سماوية استثنائية، وانما هم بشر مصريون، يعيشون حياة المصريين البسطاء، منهم الذي كان وحيد والديه، ويعولان عليه، الذي ترك أما مريضة تحتاج لرعايته. المتزوج حديثا، وزوجته في أول حمل. الذي ترك وراءه زوجة وابنا رضيعا، لكنهم جميعا كانوا ساعين للتضحية بأرواحهم في سبيل الوطن وتحرير ترابه المقدس من دنس الاحتلال الاسرائيلي. والانتقام ومحو هزيمة غير مستحقة لجيشهم الوطني. ان قصة حياة واستشهاد كل منهم مادة خصبة لفيلم درامي بامتياز. فليس غير السينما تجسد وتحفظ بطولات الوطن في وجدان الأجيال. في الحلقتين الأخيرتين من برنامج »اختراق«، استضاف عمرو الليثي العميد متقاعد نبيل عبدالوهاب أحد أبطال عملية »إيلات«. سأله عمرو: حكيت لأولادك عن العمليات التي شاركت فيها.. وما تأثير ذلك عليهم.. إجابه العميد نبيل كانت ملفتة. قال طبعا »سمعوا مني، ومن العائلة.. لكنهم اعتبروا ذلك عاديا، ضابط أثناء الحرب يؤدي واجبه. لكن عندما شاهدوا فيلم »الطريق الي ايلات«، شعرت ان احساسهم بما قمنا به تعاظم. لأنهم عاشوا الاستعداد والتدريب الشاق. المغامرات والمخاطرة، حجم الخسائر التي أوقعناها في العدو. كان للفيلم تأثير هائل علي مشاعرهم، إنها شهادة حية لدور الدراما، السينما بصفة خاصة، في تجسيد البطولات الوطنية، وما أغني حرب الاستنزاف من »رأس العش« الي »كبريت«، حتي عمليات التمهيد للعبور، الي عمليات الدبابات التي أنفرد بها المقاتلون المصريون، بما لا مثيل له في تاريخ كل حروب العالم. وكل عملية وكل بطل يحتاج لفيلم.. هذه ضرورة وطنية وتاريخية.. تأخر تنفيذها كثيرا، وما ينبغي أن نتأخر اكثر. إن الأديب الكبير، والمراسل الحربي المعاصر لكل هذه العمليات والأبطال جمال الغيطاني يلح كلها كتب عنها علي ضرورة تحويلها الي دراما، وسينما.. لقد أغرقتنا السينما الامريكية والأوربية في موجات من أفلام الحرب، تناولت كل عملية علي حدة، وكانت غاية في التشويق، وطبعا، للدعاية للجيش بأنه أعظم جيوش الدنيا. فهل سنظل نحلم بسينما حرب مصرية.. وليس فيلما واحدا أو فيلمان يجري الاعداد لهما الآن.. ان كل ابطال قواتنا المسلحة.. بل ومدينينا المتطوعين، خاصة في صد العدوان من السويس والاسماعيلية.. وأبطال منظمة سيناء العربية.. يستحق كل منهم فيلما.. هذا حقهم علي الوطن الذي دافعوا عنه، ورووا أرضه الطيبة بدمائهم الزكية.