ذهبت للقاء شباب مصرى عاش بعيدا عن تراب مصر، جاءوا فى زيارة خاصة إلى مصر بدعوة من المجلس القومى للشباب فى إطار الملتقى الثانى الذى ينظمه المجلس لأبناء الجاليات المصرية بالخارج تحت رعاية السيدة الفاضلة سوزان مبارك وفوجئت بعد الحوار مع هؤلاء الشباب أنهم يفكرون فى مصر، وكيفية الارتقاء بها، وبناسها الطيبين وكلهم بيحبوا مصر، وعايزين يقدموا لها أى حاجة، حتى لو كانوا متولدوش فيها. فالبسمة المرسومة على الوجوه، والتصفيق الحاد والزغاريد الدائمة، أكدت لى أن روح الانتماء موجودة داخل كل مصرى، حتى لو كان بعيدا عن مصر، واتضح لى ذلك عندما قال أحد الشباب من أبناء الجالية المصرية: نحن ندرس فى الخارج، وكنا نعتقد أننا منسيين، لكن اتضح لنا أننا فى قلوب كل المصريين، وأن الحكومة المصرية مهتمة بنا جدا. (صباح الخير) التقت بالعديد من هؤلاء الشباب، فرأينا الانبساط على وجوههم، وتعرفنا على طريقتهم فى التفكير، فجمعيهم ينتمى حتى النخاع لتراب مصر، وكان ذلك واضحا عند استماعهم للأغانى الوطنية، التى قدمها المطرب النوبى (حسن عبد المجيد) وقاموا بترديد الأغانى معه فى وسط أجواء من الفرحة المصحوبة بوصلات من الرقص الشرقى والنوبى على نغمات الموسيقى. بحبك يا مصر «حب مصر فى دمنا، منقدرش ننساها، ولازم كلنا نساعدها، ونفكر فى الرجوع لها» هكذا بدأت سارة حسن، طبيبة أسنان بجامعة لندن، وأضافت: زرت مصر عدة مرات، وذهبت إلى العديد من الأماكن التى كنت أرغب فى زيارتها، فذهبت إلى محافظة دمياط، ولم أصدق أن مصر بلد متقدم بهذا الشكل، حتى زرتها، وأغلب سكانها على درجة عالية من الثقافة والرقى. وتضيف سارة: بعد زيارتى الأولى لمصر قمت بتأسيس جمعية خيرية فى بريطانيا اسمها (بحبك يا مصر) برعاية من المجلس القومى للشباب، ووزارة الخارجية المصرية، والقنصلية المصرية فى لندن، والهدف من الجمعية خلق نوع من التواصل بين المصريين المقيمين فى الخارج وبين الوطن، وتقديم المساعدات لقرية مصرية فقيرة أو معدمة، وبالفعل تحدثنا مع الدكتور مصطفى الفقى عن ذلك، وطلبنا منه أن يحدد لنا قرية فقيرة لمساعدتها على محو أمية أهلها وتدريبهم على استعمال الحاسب الآلى، وعلى الحرف والصناعات الصغيرة لمحاربة البطالة وتعليمهم اللغة الإنجليزية، كما نسعى إلى نشر الوعى الصحى، وبالفعل يوجد العديد من الأطباء المصريين فى أكثر من تخصص، جمعيهم متطوعون لمساعدة أهالى القرى من البسطاء، للوقاية من الأمراض (كفيروس سى، والفشل الكلوى، والأمراض الناتجة عن التلوث الغذائى)، بالإضافة إلى المساهمة فى إنشاء حديقة بها ملاهى لأطفال القرية المحرومين من ذلك، ونقوم ببعض الأنشطة لتدبير المبالغ المالية لهذه القرية عن طريق الحفلات، ونقوم بجمع الملابس الجديدة والمستعملة، ولعب الأطفال، وكتب تعليم اللغة الإنجليزية، وإحضارها إلى القرية، والمسئولون فى مصر، يساعدوننا فى عمليات الشحن. نفسى فى طبق فول أما حسام فودة من أبناء الجالية المصرية بأمريكا، ويدرس هندسة معمارية فيقول: فى تفكيرى من زمان أن أقدم أى حاجة لمصر، لكن كنت حاسس إنى لوحدى فى أمريكا، وهذا حقيقى فأنا هناك لا أعرف غير مصرى واحد فقط، وعشان أعمل حاجة لمصر بجد، عملت جروب مع عدد من الشباب المصرى من فرنسا، ألمانيا، بريطانيا، وأمريكا ، وتبادلنا الإيميلات، ودار بيننا حوار تناقشنا فيه عن أحوال البلد، بندرس حاليا إحنا ممكن نقدم لمصر إيه، والأهداف إللى ممكن نحققها، ونسعى أيضا إلى التقريب بين المصريين فى الخارج فى شتى الدول - المهم أننا نعبر عن أنفسنا، ونقدم شيئاً مفيداً لنا ولبلدنا، فكل شخص فى مكانه يستطيع أن يُقدم الكثير، حتى لو قدمنا أعمالا صغيرة سوف نجدها فى النهاية عملا كبيرا، ونرصد حاليا المشاكل الموجودة فى مصر حتى نساهم فى حلها وإننا فى النهاية مصريون، والمطلوب من كل شخص أن يعمل إللى عليه، خاصة أننا نمتلك العقل والقدرة والإمكانيات ويبقى التنفيذ. وأضاف حسام أنه موجود فى مصر منذ عدة أسابيع قام خلالها بزيارة الفيوموالإسكندرية، ويقول: نفسى ننزل نشوف الناس إللى فى الشارع ونقعد معهم على المقاهى، ونأكل الأكل المصرى المميز، لكن (أنا لسه مأكلتش فول حتى الآن). أنا مصرية مصرية إذا كنت تأتى لزيارة مصر كل عام، أو امتنعت عن زيارتها لأعوام طويلة، فلن تستطيع أن تحدد ماذا تغير فيها، فمصر دائما جميلة لا تتغير، هذا ما حدث مع كلارا عاطف بنت العشرين عاما التى قضت معظم سنواتها فى أمريكا. وهى من جذور صعيدية، وتدرس الصيدلة وقالت: هذه أول مرة أقوم فيها بزيارة مصر، ولذا لن أستطيع أن أحدد ما تغير فيها، لكن البلد جميلة جدا، والأماكن التى زرتها أفضل بكثير من الصور التى رأيتها عبر الإنترنت وكنت أشعر بأنها خيالية، لكن عندما قمت بزيارة هذه الأماكن أيقنت أنها حقيقية. وتضيف كلارا: فى كثير من الأحيان كنت أشعر باختلاف بين الشخصية الأمريكية التى أعيش بها فى أمريكا، والشخصية المصرية التى أنتمى إليها بحكم الجذور، لكن عندما جلست على ضفاف النيل عرفت أننى (مصرية مصرية)، وتأكد ذلك عندما ذهبت إلى رشيد ، ورأيت الزراعات، وترحيب الناس بنا، وشعرنا بفرحتهم كأننا أبناؤهم ولسنا أبناء مصريين فى الخارج، نعم كنت على علم بترحيب الناس بنا من كثرة الحكايات التى سمعتها عن الشعب المصرى ، لكن لم أتوقع هذه الحفاوة البالغة، وهنا عرفت معنى السؤال عن الآخرين، والوقوف بجوارهم فى أوقات الفرح والشدة، فى أمريكا أعرف مصريين كثيرين لكن ما رأيته هنا فاق الحدود، ولذا قررت بعد الانتهاء من الدراسة الرجوع إلى مصر مع بعثات المصريين من الخارج لتعليم الفقراء، وأكدت كلارا بعد أن رأيت رشيد، مارينا، دمياط، الإسكندرية، المتحف المصرى، جامع عمرو بن العاص، والكنيسة المعلقة، أقول لكل المصريين فى الخارج: متنسوش ترجعوا لمصر. عشق مصر بابتسامة رقيقة، ونظرة حميمية، اقترب منى شاب من أبناء الجالية المصرية فى أمريكا، سافر مع أسرته إلى أمريكا فى نهاية التسعينيات، ولم يأت لزيارة مصر قبل ذلك، فقال محمد فؤاد: رأيت خلال السفر أن الشعب المصرى مختلف عن كل شعوب الأرض، فهو شعب ترتاح له بمجرد النظر إليه، وقد ذكرتنى هذه الرحلة بأيام الصغر، فمصر صعب نسيانها، ولذا سأقوم بالعمل فى البلدين مصر وأمريكا، وسوف أقوم بفتح صيدلية هنا وأخرى هناك. وعن الفرق بين البلدين قال : فى أمريكا سهل أنك تحقق نفسك لأن الفرص كثيرة، لكن لازم تكون ماشى على الصراط المستقيم، لا فيها ترحيب بأحد، ولا خوف عليه، وأنا مش عايز أسيب مصر لكن لازم أرجع عشان أكمل دراستى. ويضيف محمد : أكلت فى هذه الزيارة العديد من الأكلات المصرية كالبامية والملوخية، والحمام والرز المعمر، ورأيت حاجات كثيرة إنسانية، لدرجة أننى رأيت سيدة ابنها وقع على الأرض، فامتدت إليها أيادى كثيرة لمساعدتها، هنا الناس تسهر حتى الصباح أولاد وبنات فى أمان، عكس أمريكا فوالدتى لا تسمح لنا بالسهر بعد العاشرة مساء خوفا من الاعتداء علينا. وفى نهاية حديثه ذكر محمد روشتة لكل من يرغب فى السفر إلى الخارج أهمها إجادة اللغة جيدا فمثلا لو شعر الأمريكان بعد إجادة الشخص الغريب للغة يتعاملون معه بصورة سيئة، فوالدتى مثلا وهى دكتورة وأستاذة جامعية، لا تجيد اللغة جيدا، ولذا كثيرا ما تتعرض لمواقف محرجة. الحياة بسيطة وقالت سها عجوة من أبناء الجالية المصرية فى ألمانيا إن كل من يرغب فى السفر إلى الدول الأوروبية عليه أن يحافظ أولا على اللغة العربية، وقد التقيت بمصريين كثيرين فى ألمانيا لا يعرفون الحديث بالعربية، بل إن ارتباطهم بالبلد قد تراجع، ونسوا أصولهم، ومن يذهب إلى ألمانيا عليه الذهاب للمدن الكبرى مثل برلين، هامبورج، زيوريخ، لكن الضواحى والقرى الريفية لن يستفيد منها كثيرا. وعن كونها مصرية تعيش فى ألمانيا قالت: الشىء الوحيد الذى يتذكره الألمان عند الحديث عن مصر هو الأهرامات، ولم يحدث مرة أننى ذكرت مصر، وتضايق أحد من ذلك، وأتمنى زيارة كل المناطق التى لم أرها، لأننى عندما زرت مصر قبل ذلك كانت أكثر الزيارات إلى مركز الشهداء بمحافظة المنوفية عند أقاربى، وأتمنى أن أرى هرم سقارة قبل السفر. وفى النهاية تقول سها: أعجبتنى جدا الحياة البسيطة التى يعيشها الناس فى مصر، والإيمان العميق بأن الأرزاق من عند الله. النيل يعنى الحياة والتقطت ياسمين عواد طرف الحديث قائلة: نقوم بزيارة مصر كل عام، ولذا لا نشعر بالغربة كثيرا، وعندما نأتى إلى مصر أنظر فى وجوه الناس فأرى الطيبة والحب، والعظمة، خاصة عندما ذهبت إلى زيارة الأهرامات، وقضينا هناك وقتا طويلا، حتى إننى فكرت فى زيارتها مرة أخرى بمفردى، وأضافت: من أجمل الرحلات التى قمت بها أيضا النزهة النيلية، والعشاء على ضفاف النيل، واستمتعت جدا بهذه النزهة، بل إن منظر القاهرة ليلا بأنوارها المبهرة، ونحن فى وسط النيل منظر جمالى بديع، كما أن الحياة فى وسط النيل، بعد الزحام والصخب بتهدى الإنسان، وقالت ياسمين: فى ألمانيا يوجد أنهار كثيرة، لكنها ليست بطول نهر النيل أو اتساعه، يعنى صعب مقارنتها بالنيل، وأيضا الإحساس مختلف، والأهم من ذلك أن النيل فى مصر يعنى الحياة. فقالت شقيقتها جنينة عواد: قررنا مع العائلة الرجوع لمصر بعد الانتهاء من الدراسة، صحيح الفرص هناك أفضل، وإمكان النجاح أكبر، والدولة تساعد الناس إللى عايزة تتعلم، وإللى عايز يدرس أى تخصص، أو يشتغل فى أى مجال، الدولة تساعده حتى يحقق هدفه، لكن النجاح فى البلد الأصلى شىء آخر ومختلف. وتضيف جنينة : ضرورى جدا فى الخارج أن نلتزم بعاداتنا وتقاليدنا وديننا، وأن نعود حتى نخدم بلدنا، خاصة بعدما رأيناه من حسن الاستقبال، ومن أهم الأشياء التى استفدتها فى الخارج الحفاظ على الهوية والدين ونحن نحرص دائما على الاحتفال بكل المناسبات الدينية مع المصريين.