القروي لم أكن أتصور أني كولد رسام جديد في المجلة أحظي بلقاء شخصيتين من ألمع الشخصيات الصحفية والفنية عندما همس في أذني الولد الشقي كأنها إحدي دعاباته وسمعته يزف إلي فكرة أحلم بها من زمن بعيد. ياواد يارسام إنت جاي معايا السبت إللي جاي لنلتقي بعمنا توفيق الحكيم في كازينو علي الغدا وهو ليس مطعماً فقط ولكنه حديقة واسعة علي ضفاف النيل وبمقربة من مدخل الجيزة. سأحاوره وأنت أيضاً تحاوره بالرسم كلانا نمزح معه حتي ينجح الموضوع ويحتل صفحات عديدة من مجلة صباح الخير. بدأ الحوار بأسئلة الولد الشقي لتوفيق الحكيم قبل حوار ساخن عن المسرح السؤال الأول: إنت حتاكل برام الرز ده لوحدك؟ والثاني هل تستطيع أن تكتب ومعدتك فارغة؟.. والثالث: إنت عارف الولد الرسام اللي جبتهولك النهاردة ده بيعمل إيه؟ فأجاب توفيق الحكيم بسرعة وببلاغة.. ده إللي بيرسم شاربي كأنه يخرج من كرة تريكو لا ينقطع الخط عنده. عندما تتأمل وجهه لا تستطيع أن تغوص فيه ولو حاولت أن تمزح أو تصادفك قفشة لا تستطيع أن تنطقها.. والنتيجة أن تتحول إلي مستمع حتي ولو بدون حضور لأنه سنيد الجلسة وصاحب الكلمة والرأي والردح والجميع حوله في دائرة لا أحد يستطيع أن يبدأ موضوعاً أو يلقي نكتة أو مزحة أو أية تريقة. هو وحده صاحب القول وسيد الحوار ومخترع الموضوع الذي يتحول إلي نكات ونصبح نحن جمهوره نضحك بعده وليس معه حتي ننتظر ونفهم أنه يقصد فلاناً الذي يصنع منه بلياتشو أو مهرج السيرك. الولد الشقي لا يسمح لك بالنكتة لأنه هو صاحبها ومبدعها وهي ناجحة علي طول الخط. ماذا يفعل في هذه الحالة إذا كنت أنا الولد الرسام صبي الولد الشقي لا يعرف النكتة إلا بالرسم. هل تسمح لياقته الساخرة أن يري رسومي له ولتوفيق الحكيم. ترددت كثيرا ولكن أخرس في الكلام الشفهي ولكن ثرثار علي الورق ولذلك بدأت أملأ أوراقي بهذا اللقاء بين شخصين حميمين مازلت في أول الدرج حتي أطعن إليهما وأصبح صديقا ثالثا. وتذكرت عندما صعدت بعض درجات الصحافة أن اخترعت باباً في «صباح الخير» اسمه جورج والأدباء لأقول رأيي في كل أديب أو كاتب أو روائي. وعندما قدمت صديقي وأستاذي الولد الشقي رسمته بروح وهو في ملاية بنت البلد السوداء الملفوفة حول جسمه وتخرج من فمه رذاذ كلماته التي تكون أحياناً لها صفة التريقة أو المسخ بالشخصية التي أمامه. وكنا في ذات المساء في حفلة مجلة صباح الخير «في الروف» فوق السطوح وقابلني.. وقال لي كلاماً كثيراً إعجاب لم أسمعه من قبل منه مما أضاف لي رصيداً جديداً لصداقتنا وفهمت رغم طول المسافة أنه ديمقراطي وأنه يقبل النكتة معه وضده مادامت أنها نكتة ذكية لماحة. ثم جاءت مناسبات عديدة للتعرف علي مداه الإنساني عندما نسافر كل جمعة إلي الإسماعيلية حتي نتفرج علي الماتش لنكتب ونرسم لصباح الخير وفي إحدي المرات جاء معنا صلاح السعدني الذي احتفل به جمهور الإسماعيلية للإعجاب بفنه وكان لايزال يبدأ في دوره الأول القاهرة والناس. أصبحت صحبتي لاثنين من السعدانية حظا كبيراً لي وأنا بينهما كأني شقيق ثالث وشاءت الظروف مع سوء الحال أن ينهزم الإسماعيلي من الزمالك في هذا الماتش المهم علي بطولة الدوري هتف جمهور الترسو لمحمود السعدني والمستكاوي ككبار نقاد الكرة وجاء من نصيبي كلمتين إطراء وكنا قد دخلنا الملعب من باب صغير قديم من خشب بالكاد يساعدنا للدخول فضاع كل منا من الآخر ومع خروجي من الماتش مع غضب الجمهور الذي شاركته هذه المشاعر أن أنزوي علي ناصية مقهي قريب ونسيت موعد عودتنا بسيارة الولد الشقي البطيئة التي نملأ لها الماء كل عشرة أمتار إلا أن محمود السعدني استعار سيارة نقل من سيارات صديقنا أبوعلي الذي يحتل جاراج سيارات أول زاوية أو ناصية علي مدخل الإسماعيلية ويستقبلني بالأحضان.. خرج الاثنان في هذه السيارة الشروكي للبحث عني في جميع أزقة وشوارع الإسماعيلية وكأنني طفل تاه في مولد.. إلا أن اختياري لحارة صغيرة لأدخن الشيشة لم يحظ علي بالهما بالمرور علي هذه الزاوية الصغيرة وكأن السيارة الشروكي لا تدخل هذا الزقاق الضيق. إلا أن المساء هبط مع قليل من الظلام واضطررت للسير علي أقدامي حتي ألحق بصديقي عند جاراج أبوعلي صاحب سيارات الشروكي.. وهناك التقينا. هنا اكتشفت إنسانية وقلب محمود السعدني في قلقه للعثور علي في مدينة بالنسبة لي غريبة وعدنا سويا إلي القاهرة رغم الهزيمة من الزمالك واحد صفر.