لم أكن أتمني علي الإطلاق أن يحيد الصديق العزيز بلال فضل عن مجال إبداعه الحقيقي وهو الكتابة.. والحق أقول إن أول من نبهني إلي موهبة بلال في الكتابة الساخرة هو الولد الشقي السعدني الكبير رحمه الله عندما قال لي: تابع هذا الولد فإنه ساخر كبير قادم علي الطريق.. وفرحت بهذا الموهوب القادم بسرعة الصاروخ ولكن بلال اتجه إلي عالم الكتابة للسينما والتليفزيون عندما نصحه العم صلاح بالاتجاه إلي ذلك الطريق، وحقق بلال نجاحات وإيرادات للأفلام التي كتبها ولكن يظل مجال إبداعه الحقيقي هو الكتابة الساخرة.. ومؤخرا تحول بلال إلي مقدم لبرنامج عصير الكتب الذي يقدمه من خلال محطة دريم، وفي هذا البرنامج يخرج بلال عن كل التقاليد المرسومة والأشكال المعهودة ويحول المادة المكتوبة بين دفتي كتاب إلي موضوع شيق جاذب يدفعك إلي البحث عن الكتاب في كل مكان من أجل أن تلتهمه وتستمتع بموضوعه.. وبالطبع ما يصفه بلال في قناة دريم أمر شديد الأهمية عظيم النفع لأنه يكتسب إلي مجال القراءة ومحو الأمية الثقافية مريدين جددا في كل حلقة، وفي آخر حلقة قدمها بلال فضل خصصها من أجل كتب ومؤلفات وإبداع محمود السعدني، وقرأ بلال مقاطع من تحفة السعدني «حمار من الشرق» ونصح القراء بالبحث عن كتاب «مسافر علي الرصيف» الذي سجل فيه السعدني مسامرات عظماء مصر من الكتاب والأدباء الذين توافدوا علي مقهي عبدالله في ميدان الجيزة فتحول المقهي في عهدهم إلي أرفع وأرقي صالون أدبي لدرجة أن كتابا وأدباء كبارا في تاريخ مصر تحولت حياتهم من النقيض إلي النقيض بمجرد أن أصبحوا من رواد مقهي أو قهوة عبدالله في الجيزة.. أما آخر هؤلاء الكبار والذين سحبهم السعدني من أيديهم إلي حيث يجلس زكريا الحجاوي وأنور المعداوي وعباس الأسواني وعبدالرحمن الخميسي ونعمان عاشور، فكان الأستاذ سمير سرحان الذي جاء ومعه مجموعة قصصية قدمها لهذا الجمع الأدبي رفيع المستوي وكأنه يتقدم لنيل شهادة الدكتوراه من جامعة السوربون الفرنسية أو أكسفورد البريطانية وجاءت النتائج مبهرة عندما ناقش هؤلاء العباقرة مجموعة سمير سرحان ومنحوه جواز المرور إلي عالم الشهرة والضوء والنجوم، عالم الأدباء وكبار الكتاب أصحاب المواهب الفطرية التي لا دخل لمدرسة أو جامعة في صقلها أو تشكيلها، وعلي الرغم من مرارة المأساة التي تحياها أسرتي من أول الحاجة أم أكرم إلي أولادنا الصغار.. إلا أن بلال استطاع بما قاله وحكاه وسرده عن محمود السعدني وكتبه وقفشاته وحكاياته أدخل بعضا من الراحة إلي نفوسنا، وكان رد فعل هذه الحلقة سريعا عندما نفدت أعداد هائلة من كتب السعدني ومؤلفاته وخصوصا كتاب «مسافر علي الرصيف»، و«مصر من تاني» وإن كنت لا أزال مصرا علي أن أعظم ما قدمه السعدني من مؤلفات هو سلسلة أو رباعية الولد الشقي التي قدم فيها حياته بلا رتوش، بل كما قال عمنا كامل الشناوي.. إن السعدني قدم لنا فيها نفسه عاريا.. حتي من ورقة التوت!! وياعم بلال أنت بالفعل إضافة للعمل التليفزيوني ولكن الحق أقول لك مجال إبداعك الأعظم أثرًا هو في الكتابة التي توجك السعدني بها ولياً علي عرشه.. عرش الأدب والكتابة الساخرة!!