كان ياما كان في سالف العصر والأوان.. خليفة عباسي اسمه أبو جعفر المنصور. قبل أن يصبح خليفة، بل قبل أن يصل أهله "العباسيين" إلي الحكم.. ذهب إلي مدينة بعيدة اسمها القيروان هي مدينة أخواله، ذهب إليها هارباً من بني أمية. وهناك رآها فخفق قلبه. إنها.. أروي. سنة 011 هجرية رأي أبوجعفر أروي في القيروان فهام بها حباً.. وطلبها للزواج. وتمت أشهر زيجة علي "شرط نساء قيروان" فيما يسمي "بالصداق القيرواني". اشترط والد أروي علي أبو جعفر ألا يتزوج عليها وألا يتخذ من الجواري خليلات.. وإذا فعل يكون من حقها أن تطلقه. تزوجها علي الصداق القيرواني وعاشت معه حين حاول هشام ابن عبدالملك أن يقبض عليه وكان أبو جعفر يهرب منه. وعندما استولي العباسيون علي الخلافة ذهبت معه إلي بغداد. وأصبح الخليفة بعد أخيه "السفاح" وظل حتي ماتت أروي 641ه لم يتزوج عليها ولم يخنها. "أروي القيروانية" و"الصداق القيرواني" مازالا مصدر فخرٍ لنساء تونس، والمرأة في تونس من حقها أن تفخر "بأروي" لأنها حافظت علي مكتسباتها.. وزادت عليها. سمعت حكاية "أروي" و"أبي جعفر" عندما كنت هناك في تونس أتابع أعمال مؤتمر العنف ضد المرأة الذي عقدته منظمة المرأة العربية كأحد أشكال الاحتفال بيوم المرأة العالمي. كانت الجلسة الافتتاحية للمؤتمر في القصر الرئاسي. استمعنا إلي كلمة رئيسة المنظمة العربية للفترة الحالية 9002- 1102 السيدة ليلي بن علي حرم رئيس الجمهورية زين العابدين بن علي. وبقدر اهتمامي بالمعاني التي تضمنتها الكلمة.. كنت أيضاً مهتمة بالتفاصيل المحيطة بالموقف. ديكور المكان.. شكل الجدران.. وشكل الثريات (فلا أستطيع أن أسمي ما رأيته هناك نجفا). ثم جمال السيدات الحاضرات.. شديدات التأنق والأناقة.. متجملات وجميلات إلي أقصي درجة ممكنة. أما هي "السيدة الأولي".. فجميلة ببساطة.. بسيطة في ملبسها وزينتها بشكل يبدو أنه مقصود. أيضاً هي مبتسمة مرحبة ومهتمة بكل ما يقال. أهم ما جاء في كلمتها.. الدعوة لاستراتيجية عربية عن قضية العنف ضد المرأة في العالم العربي كله، باختلاف مجتمعاته وتباين وضع المرأة فيه. قالت السيدة ليلي بن علي جملة ظلت تتكرر علي أسماعي طوال المؤتمر هي "كسر حاجز الصمت". طالبت رئيسة منظمة المرأة العربية بكسر حاجز الصمت المفروض علي قضايا العنف ضد المرأة. وكان انطباعي الأول والذي استمر معي ليوم آخر هو أن حاجز الصمت هذا تم كسره منذ زمن طويل. وأن قضايا المرأة لم تعد من القضايا المسكوت عنها، وأن العنف ضدها تمت مناقشته من زوايا متعددة وفي أغلب البلدان العربية. لكنني أدركت بعد مناقشات مع العديد من المشاركات وبعد الاستماع لبعض الكلمات أنني مخطئة. وتغيرت وجهة نظري واكتشفت أنه مازال أمامنا الكثير لنعتبر أن حاجز الصمت اختفي.. هذا إذا نظرنا للقضية من زاوية المرأة العادية التي لا تعرف كما قال الدكتور شواخ الأحمد أستاذ علم الاجتماع بجامعة دمشق بسوريا "أن كثيرًا من النساء قد لا يدركن أن ما يتعرضن له عنف". ولذلك فهو يقترح كتابة ما يمكن أن يطلق عليه "دليل المرأة المعنفة" لتتعرف المرأة علي ما يمكن اعتباره عنفا ضدها وهي تتقبله بالاعتياد عليه. وتقول الدكتورة فريدة البناني أستاذة علم الاجتماع في المغرب: "إن القوانين تقنن قيماً ومعايير ومفاهيم وأخلاقيات وأعرافًا تحرض علي استخدام العنف ضد النساء"، وتضيف أن العنف القانوني هو أساس كل أنواع العنف ضد المرأة ولا أحد يتطرق إليه". والعنف القانوني- تعرفه د. بناني- هو العنف المقنن علي أساس التمييز بين الجنسين، وتضيف أنه حتي الدول التي وقعت علي الاتفاقيات الدولية لا تلتزم بها ما عدا دولة أو اثنتين.. الأردن مثلاً هي الدولة الوحيدة التي صدر فيها قانون العنف ضد المرأة. في حين أنه توجد دول عربية تتحفظ علي هذه الاتفاقيات باسم الشريعة وأحكام الدين. وافقت د. فهيمة شرف الدين أستاذة الاجتماع وواحدة من أهم المشاركات في المؤتمر.. وافقت علي كلمة الدكتورة فريدة وأضافت تفاصيل عما يحدث في بلدها لبنان التي لم تتمكن المرأة فيها حتي الآن من انتزاع قانون بتجريم العنف ضد المرأة. وتؤكد رغم أن القضية ليست القانون فقط ولكن تطبيق وإشراك النساء في تطبيقه. ولكن هذا لا يقلل من أهمية صدور القوانين وتوقيع الاتفاقيات. وتضيف د. فهيمة: إن أغلب الدول التي وقعت علي الاتفاقيات الدولية فعلت ذلك للتجميل ثم عادت وتحججت بالخصوصية، رغم أنه لا يوجد أي تعارض بين الخصوصية ومسايرة القوانين العالمية ولا أحد يتوقع أن ننسلخ من ثقافتنا. وعلقت د. منية عمار لقاضية التونسية علي ما قالته د. فهيمة من أن التوقيع هو عملية تجميل قاتلة حتي لو كان التوقيع تجميلاً، ففي النهاية الدول التي وقعت علي السيداو مطالبة بتقديم تقارير وملتزمة بها وحتي لو كانت التقارير شكلية فهي تخلق ديناميكية داخل الدولة. ومهما كانت الخلفيات ستؤدي التوقيعات إلي تغيير ما علي أرض الواقع. الاتفاقية نفسها "اتفاقية القضاء علي جميع أشكال التمييز ضد المرأة" تقول يجب العمل علي تغيير العقليات والأعراف والتقاليد، وأكدت د.منية أن وزيرة عربية طالبت بالتصديق علي اتفاقية السيداو فاتهمت في بلدها بأنها تطالب بحرية العلاقات الجنسية.