المعاناة والألم سلاح ذو حدين، فقد تصنع إنسانا عظيما، رحيما، أو فنانا رقيقا، وفي ذات الوقت قد تخلق إنسانا شرسا كارها للعالم ولكل من حوله. سطوري السابقة هي مقدمة أكتب فيها عن الفنانة الجميلة شيرين عبدالوهاب، فقد استضافتها الإعلامية "الجامدة جدا" لميس الحديدي والمعروف عنها أنها مشاكسة لضيوفها، إلا أنها في تلك الحلقة كانت غاية في الوداعة تسأل شيرين في بساطة وهدوء وتجيب الأخري بنفس الطريقة، بل الأكثر هو الإسهاب وخزين الذكريات الذي تحمله شيرين بين ضلوعها، الحرمان والمعاناة يلمحهما أي شخص خلف كل كلمة قالتها في هذا الحوار، شيرين بداخلها حزن كبير حتي الآن نحن لا نعرفه. ولم تبح بعد بحجمه، إلا أن صوتا بهذا الإحساس وتلك المشاعر التي تزين صوتها الشجي لا يأتي إلا مع معاناة شديدة.. حكت شيرين عن بدايتها، وأنها لم تتعجل شيئا، وكانت تقول لكل من حولها لماذا أنتم علي عجلة من أمركم، لم تكن تدرك حجم الشهرة التي ستحيط بها، إلا أنها كانت علي يقين من أن هناك مفاجأة جميلة في انتظارها، وقد كانت "آه يا ليل". حكت شيرين عن حبها لزوجها الملحن والموزع محمد مصطفي بكل احترام وأدب متبادل، روت كيف كانت علاقتهما، كيف أنها رغم نجوميتها - التي أصبحت تحتل مكانة لا ينازعها فيها أحد، إلا أنها زوجة عادية جدا تغار علي زوجها وهو بدوره يغار عليها كذلك. عندما ظهرت شيرين لأول مرة وأول ألبوم قدمته، وقتها كان عمرو دياب يطرح ألبومه السنوي، إلا أن شيرين ضربته في مقتل وانتزعت منه وقتها لقب الأول في التوزيع. ومن يتأمل تجربة شيرين عبدالوهاب يكتشف أن معاناتها وضيق حالها سابقا هو الذي صنع الشجن في صوتها والحزن في إحساسها دائما حتي لو كانت تمر بلحظات سعادة، فبالسعادة شجن دفين لا يدركه الكثيرون. ومن آه يا ليل انطلقت شيرين ووقتها كانت نغمة التعود للمحبوب والتي تمثلت في جملة ليه فاكرين الدنيا في بعدك/ مافيهاش لاقبلك ولا بعدك، ثم تستطرد قائلة "قدامك أهو لسه بغني". وعن نفسي استنكرت المعني وقتها وبشدة لأن الحياة بالمحبوب وأجمل بكثير، إلا أن شيرين وعلي مدي ما يقرب من ستة أعوام قدمت أغاني وألبومات أثبتت من خلالها أنها معنا دائما فغنت الأدعية الدينية، وغنت أغنية وطنية تعبر عن أهم ما قيل في الأعوام السابقة وهي "ماشربتش من نيلها"، وأغنية تساعدك كلماتها علي تخيل صور واسترجاع أخري.. لقد صنع الألم والمعاناة نجومية شيرين عبدالوهاب فجعلنا ندرك جيدا قيمة أن يغني الفنان بإحساس، بل إنها الأكثر من ذلك فضحت الكثيرين الذين يغنون من الحنجرة وناهيك عن الذين لا يملكون صوتا من الأساس، فالغناء من القلب حتما يصل إلي القلوب، لذلك استقرت شيرين في وجداننا إنها بالفعل تستحق لقب نجمة هذا الزمن.. آخر حركة نعم نعيش عصرا بغيضا، رديئا، كل شيء فيه يشبه كل ما هو أصلي، لذلك علينا أن نبحث عن نقطة ضوء، هذه هي شيرين عبدالوهاب في هذا الزمن.