كيف يحب المواطن بلده؟ أشكال التعبير عن الحب كثيرة، وقد وصل الألمان إلى طريقة عملية وحضارية للتعبير عن حبهم لبلدهم، حين قامت مجموعة ممن يعتبرون أنفسهم أغنياء بمظاهرة فى برلين الأسبوع الماضى، نثروا خلالها أوراقاً نقدية وهمية للفت الأنظار إلى أفكارهم! وحتى لا تذهب أفكارك بعيدا.. فإن أفكارهم تنحصر فى مطالبة حكومة بلادهم بسن تشريعات تقضى بإلزام الأثرياء بدفع المزيد من الضرائب لتوجيهها إلى تمويل برامج الخدمات الاجتماعية والاقتصادية. جاءت الفكرة فى مقابلة صحفية مع ديتيرليمكول رجل أعمال أوضح خلالها أن هناك حوالى 2,2 مليون ألمانى تزيد ثروتهم على نصف مليون يورو، وإذا دفع كل منهم ضريبة زائدة تقدر ب 5% لمدة سنتين سيتم جمع 100 مليار يورو توجه إلى خدمات اجتماعية وبيئية.. وتبنى الاقتراح 44 فردا وقرروا رفعه إلى المستشارة الألمانية إنجيلا ميركل، فقد رأوا أن الأزمة المالية العالمية قد أدت إلى زيادة الفقر والبطالة والفروق الاجتماعية وطالبوا بأن توجه هذه الضريبة إلى استثمارات فى مشروعات لتحقيق العدالة الاجتماعية والحفاظ على البيئة. الغريب أن من قام بهذه المبادرة هم أنصاف المليونيرات، حيث إن ثروة كل منهم لاتزيد على نصف مليون يورو، وبعضهم قد ورث هذه الثروة مثل بيتر فولمر الذى قال أنه ورث أموالا كثيرة لا يحتاجها ومستعد لدفع بعضها فى صورة ضرائب، فما بالك بمن ورث أو استثمر فى الملايين بل فى المليارات. فى اليابان يعبر المواطن اليابانى عن حبه لبلده بالعمل والعمل وحده، فهو لا يلجأ للدعاء وإرسال الرسائل الدينية على الموبايل وطلب إرسالها لخمسين آخرين حتى يصلح الله حال البلد، وحين أجبرت الحكومة والمؤسسات اليابانية، الموظفين على الحصول على إجازة حتى يستمتعوا بحياتهم رفضوا رفضا تاما، فالعمل لديهم هو المتعة.. وحين قررت بعض المصانع الاستغناء عن بعض العمالة لأسباب مالية اقترح العمال أن يبقى زملاؤهم وأن يتقاسموا الأجر معهم بدلا من أن يفصلوا، ورغم أن الاقتصاد اليابانى يعتمد على النظام الرأسمالى الذى يعتمد فى فلسفته على الأنانية، إلا أن المواطن اليابانى بقيمته الأخلاقية قد استطاع أن يهزم الأنانية ويلتزم بالروح الجماعية. وفى مصر وخلال الشهرين الأخيرين كنا نسمع كل يوم جملة واحدة مكررة "أنا مصرى وباحب مصر" هذا التأكيد كان يأتى على ألسنة المصريين فى الفضائيات بمناسبة مباريات الفريق القومى وهزيمته أمام الجزائر ثم فوزه بكأس الأمم الأفريقية.. فماذا كان يعنى المواطن المصرى بحبه لمصر؟! المصرى الفقير عبر عن حبه لمصر بحمل العلم والنزول إلى الشارع يرقص ويغنى فى احتفالات جماعية بالنصر الكروى، والمصرى الغنى عبر عن حبه لمصر "برضه" ببعض التبرعات غير المعروفة لفريق الكرة والجهاز الفنى والطبى. والحقيقة وحتى لانفتقد للموضوعية فقد ساهم أيضا أغنياء مصر أو من يعرفون الآن برجال الأعمال ببعض التبرعات لمتضررى السيول فى سيناء شمالها وجنوبها وأسوان، كما أنهم يتبنون بعض الحالات الإنسانية التى تعرض على شاشات التليفزيون فى سباق أشبه بالشحاذة منه إلى التضامن الاجتماعى. ولأننا نعيش الآن فى ظل الضريبة الموحدة على الدخل والتى لاتزيد على 20% يدفعها كل من يزيد دخله على عشرين ألف جنيه حتى لو كان مليار جنيه، وقد كان ذلك بناء على ضغوط رجال الأعمال أنفسهم.. فمن غير المعقول أن نحلم أن يخطوا نفس الخطوة التى يتبناها الألمان بإلزامهم بدفع ضرائب أكثر بنسبة 5%، ولكن لماذا لايشكلون "مجلساً أو هيئة أو مؤسسة" فيما بينهم ينفقون منها على المحتاجين بانتظام وتنظيم وسرية بما يساوى 5% من أرباحهم، وبذلك يعبرون عن حبهم لمصر بطريقة أفضل تحفظ لهم - لو يعلمون - الأمان الذى يعيشون فيه والذى قد لا يستمر طويلا. أما فقراء مصر فأنا لن أطالبهم بالتعبير عن حبهم لمصر بالعمل، لأن ذلك يتطلب منظومة اجتماعية واقتصادية غير متوفرة فى واقعنا الحالى.. ولكن على الأقل يجربون الدعاء الجماعى المنتظم للحصول على أنبوبة بوتاجاز ومياه نقية غير مخلوطة بالصرف الصحى ومواصلات آدمية أو على الأقل رغيف عيش دون معايرة الحكومة لهم بالدعم الذى يصل إلى كذا مليار.. وفى النهاية إذا حصلوا على شىء بعد الدعاء والصلاة فليسجدوا سجدة الشكر.