يحتفل اتحاد الإذاعة والتليفزيون فى الأسبوع الأخير من شهر يونيو «حزيران» القادم لعام 2010 بمرور خمسين سنة على بداية البث التليفزيونى فى مصر. وقد صرح لى المهندس أسامة الشيخ رئيس الاتحاد بأن هذه الاحتفالية ليست بالتليفزيون أو الإذاعة المصرية، ولكنها ستكون احتفالية مصرية لإبراز الدور الطليعى للريادة المصرية فى شتى المجالات، والتى أضاءت سماء الأمة العربية والإسلامية فى منطقتنا العربية. وأضاف المهندس أسامة الشيخ: اليوبيل الذهبى للتليفزيون المصرى سيكون رصدا للدور المصرى الرائد فى المنطقة العربية أو أفريقيا، وللقومية العربية وللدور المصرى عالميا فى حركة عدم الانحياز وتكوين الاتحاد الأفريقى، وتفعيل دور الجامعة العربية والوزراء العرب، فى شتى المجالات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والرياضية والفنية والأكاديمية ودور مصر بالنسبة للقضية الفلسطينية. واستطرد المهندس أسامة الشيخ: إنها فرصة ذهبية ليتعرف أبناء الجيل الحالى على إنجازات الآباء والأجداد الرواد فى مجال التليفزيون والإذاعة، والتطور التقنى والبرامجى الذى انطلق من مصر ليملأ الفضاء العربى من المحيط إلى الخليج. وفعلا اليويل لاذهبى للتليفزيون المصرى من الممكن أن يكون فرصة ذهبية لمراجعة تاريخية لأحوال مصر، إنجازاتها وانكساراتها، نجاحاتها وإخفاقاتها، خططها للمستقبل.. ما تم إنجازه، ومازال فى طور الإنجاز أو التطور، تقييم للماضى ونظرة مستقبلية. المراجعة سيكون فيها تأمل وتدبر لأحوالنا، فمثلا نحن نتحدث عن تطوير التعليم منذ السبعينيات، لماذا لم يتم التطوير حتى اليوم؟! نتحدث عن الثانوية العامة، وهناك العديد من الندوات حول هذا الموضوع، والكثير من المؤتمرات، واستقدمنا خبراء ومستشارين، وعقدنا اللجان، ومازالت الثانوية العامة ومشاكلها تسيطر على الأسرة وعلى التلاميذ وعلى حياتنا العامة لأنها قد تحقق بعض الأحلام، ولكنها تقضى على الكثير من أحلام الشباب فى اختيار المستقبل والمهنة التى يريد أن يمارسها. وإذا تركنا التعليم إلى الاقتصاد، فقد سار جمال عبدالناصر فى تدعيم الاقتصاد الاشتراكى وأغلق التعامل مع الغرب وانفتح مع الكتلة الشرقية وكانت النكسة التى واكبها احتلال إسرائيل للأرض العربية، ومازلنا حتى اليوم نحاول إزالة العدوان الإسرائيلى على العرب، قد تكون مصر استرجعت سيناء ولكن مازالت فلسطين محتلة، والجولان محتلة، والأرض العربية تتنازعها الاختلافات والمنازعات والحروب، المغرب والجزائر والبوليساريو، اليمن والسعودية والحوثيون، السودان مازال ممزقا ومهددا بالانفصال والانقسام، وأن يتحول إلى ثلاث دول الجنوب والشمال ودارفور. وحوض نهر النيل تنتابه المنازعات ودول الحوض تحاول مناقشة الماضى ووضع اتفاقيات جديدة للمستقبل. وإذا عدنا إلى داخل مصر فسنجد أن المشاكل تزداد هنا وهناك، والحوارات تدور حول موضوعات هامشية، وقد نغرق فى شبر ميه. الإسكان مشكلة، والسكان مشكلة والصحة مشكلة، والنقل والمواصلات مشكلة، والمرور مشكلة، ولو تدبرنا أحوالنا فنجد أننا أنجزنا الكثير فى مجالات مترو الأنفاق، والطرق والكبارى والمحاور المختلفة، وأنشأنا المدن الجديدة. بل إننا انتقلنا إلى الظهير الصحراوى ونحاول أن نجد منافذ للمحافظات إلى الصحراء الشرقية لربط وادى النيل بالمساحات الشاسعة فى كل من الصحراء الشرقية والصحراء الغربية. إننا نتطور ونتقدم وننمو، ولكن كل ذلك غير محسوس أو ملموس لأنه لا توجد خطط إعلامية تضع أولويات المعرفة هى رصد جميع الأنشطة التنموية التى تجرى فوق أرض مصر. لدينا وسائل إعلام كثيرة، وأدوات لا تنقل للجماهير ما يجب أن تعرفه. فالبرامج التليفزيونية تركز على الترفيه والتسلية وبرامج المسابقات التى تعود بالفوائد المادية، ولا تهتم برصد ما يجرى يوميا فوق أرض مصر، مثل ما كانت تفعله جريدة مصر الناطقة. التليفزيون يرصد الأخبار والأحداث ولا يهتم بما يدور فى مجالات البحث العلمى، أو قاعات الدراسة، أو الندوات العلمية، أو المحاضرات الثقافية، أو الأنشطة اليدوية فى مجالات الحرف والفنون والتى تجرى كل يوم فى مصر. وإذا كان للأجهزة الإعلامية اهتمام بالثقافة فهذا الاهتمام يكون فى أضيق الحدود بمعنى تقديم الحدث دون الخوض فى أعماق أو مضمون. فمثلا الندوات والمؤتمرات العلمية نكتفى ببث الخبر وحوار سريع مع رئيس المؤتمر عن أهم ما يناقشه المؤتمر أو لجانه، دون الاهتمام بتفاصيل هذا المؤتمر وما يجرى فيه من حوار أو نقاش حول موضوعاته أو محاوره. لقد تم خلال السنوات الثلاثين الأخيرة انعقاد العديد من المؤتمرات والندوات التى ناقشت العديد من الموضوعات الهامة ولكن لا يوجد أرشيف لها أو حصر لها أو تلخيص لمضمونها حتى يمكن الرجوع إليه عند الاحتياج له. ومازالت المؤتمرات والندوات والمحاضرات المهمة تنعقد فى مصر ولا أحد يسجلها بالشكل الذى يجعل الرجوع إليها سهلاً ويمكن الحصول عليه. لذلك فإننى أجد أن الفرصة سانحة، ونحن نستعد للاحتفال بمرور خمسين سنة على بدء البث التليفزيونى عام 1960، لأن نضع خطة لتسجيل المؤتمرات الهامة والمحاضرات ذات القيمة العلمية، والأحداث ذات البعد الوطنى الهام بالإضافة إلى الأحداث الجارية اليومية التى تشكل التاريخ اليومى لمصر. إننى أرى أن الاحتفال بمرور خمسين سنة على البث التليفزيونى فى مصر فرصة لمراجعة كل ما مر بنا من أحداث هامة، وما قدمناه من تطور وتنمية فى مختلف المجالات حتى تتضح الرؤية أمامنا لكى نضع ما نراه مناسبا من خطط مستقبلية تحملنا إلى عام 2050، الذى نخطط فيه إلى رؤية جديدة تجعل مصر تتغلب على حل مشاكلها بالأسلوب العلمى، وبالدراسات العلمية التى تجعلنا نجمع المعلومات الكافية التى تمكننا من اتخاذ القرارات المناسبة للتطوير والتنمية. إننى أرى فى مناسبة هذه الاحتفالية رصد كل شىء فى مصر لتتضح الرؤية المستقبلية لأى خطة نضعها فى شتى المجالات. إننى أعلم أن مصر تزخر بالرجال القادرين على حل المشاكل وعلى مواجهة القضايا التى تعانى منها، ولكن المطلوب البحث عن هؤلاء الناس الذين يعلمون.. والقادرين على التصدى للمشاكل ومتابعة حلها. إن احتفالنا بالتليفزيون قد يكون مناسبة لوضع استراتيجية المستقبل فى كثير من القضايا التى تشغلنا، والمشاكل التى تواجهنا.. والتحديات التى يجب أن نتصدى لها.