تطوير التعليم قضية تشغل الحكومات المصرية منذ أكثر من ثلاثين سنة ومازالت القضية تشغل المصريين أجمعين أغنياءهم وفقراءهم، فمنذ عهد محمد على الكبير، والنهضة التعليمية فى عهد الخديو إسماعيل والتى حققها على باشا مبارك الذى أنشأ ديوان المدارس ووضع اللائحة للتعليم الابتدائى والثانوى فى مصر. وقد تقلد نظارة المعارف عدد من أفاضل المصريين المستنيرين منذ منتصف القرن التاسع عشر وحتى منتصف القرن العشرين، وكان آخر من تولى وزارة المعارف الدكتور طه حسين الذى جعل التعليم كالماء والهواء حقاً لجميع المصريين. وجاءت ثورة 32 يوليو التى فسرت مقولة د.طه حسين الشهيرة تفسيرا خاطئا، عندما أسندت وزارة التربية والتعليم إلى السيد كمال الدين حسين عضو مجلس قيادة الثورة الذى قام بإلغاء حصة الألعاب الرياضية التى شملتها مناهج الدراسة منذ عهد محمد على الكبير، كما ألغى حصة الرسم وحصة الموسيقى وحصة الأشغال اليدوية وحصة المكتبة. جعل كمال الدين حسين التعليم تلقينيا، يحفظ الطلبة الدروس والذى يصمها أى "يحفظها صم" ثم يكتبها فى ورقة الإجابة هو الذى يكون أول الدفعة. الأولوية إذن كانت لمن يحفظ الدروس وليس لمن يناقشها أو يتحاور حولها ثم يجيب عن أسئلة الامتحان من واقع ما حفظ وليس ما فهم! الحفظ أولا للنجاح أما الفهم والإدراك فيأتى فى المرحلة الثانية. وألغى كمال الدين حسين اليوم الدراسى الكامل من الثامنة صباحا وحتى الرابعة والنصف، كما ألغى الفكر التعاونى الذى كان يمارسه الطلبة من خلال شراء سهم فى الكانتين وتوزيع الأرباح فى نهاية السنة، وجعل من المدرسة الواحدة مدرستين، وبذلك ضاعف المدارس، وفقد التلاميذ التلاميذ فى المدارس الابتدائية الرعاية والعناية التى تؤهلهم للدراسة الثانوية ثم الجامعية. ومنذ تلك الفترة إنهار التعليم فى مصر، وأغلق الباب أمام فكر على باشا مبارك وجهود رفاعة رافع الطهطاوى، ووضعت لائحة المدارس فى الدرج ولم يعد يقرأها أى وزير للتعليم أو حتى وكيل وزارة. ومع بداية السبعينيات تولى قيادة مصر الرئيس محمد أنور السادات. وكان أول ما فعل الدعوة إلى مؤتمر عام لتطوير التعليم، وأسند رئاسة المؤتمر إلى الدكتور محمود فوزى الذى كان وزير الخارجية طوال فترة الزعيم جمال عبدالناصر، وعينه الرئيس السادات رئيسا للوزراء. ومنذ مؤتمر التعليم برياسة الدكتور محمود فوزى فى بداية السبعينيات والمؤتمر ينعقد مرة كل سنتين، ولكن التوصيات ما أن تصدر وتنشرها الصحف حتى توضع على الرف ولا أحد يحاول تطبيق أو تنفيذ تلك التوصيات الرائعة التى صاغها خبراء فى التعليم من مصر وخارج مصر. وانتشرت فى السبعينيات الدعوة لتطوير التعليم فى جميع الصحف والمجلات ووسائل الإعلام الأخرى مثل التليفزيون والإذاعة. حرص الإعلاميون فى تلك الفترة على نقل صورة كاملة عن مؤتمرات تطوير التعليم والأفكار المطروحة فيه ونشر كل المناقشات. ورغم أن وزارات التعليم المتعاقبة لم تحرص على الاستفادة من توصيات المجتمعين فى المؤتمرات، إلا أن هذه الآراء التقطها بعض المواطنين، وحرصوا على تفعيلها بشكل أهلى بعيدا عن الأجهزة الحكومية. كان من أوائل الذين تأثروا بقضايا التعليم وضرورة تفعيل التوصيات طالبة فى الجامعة الأمريكيةبالقاهرة اسمها سوزان صالح ثابت، ابنة طبيب معروف فى محافظة المنيا، أرسله أهله لدراسة الطب فى إنجلترا، وعاد قبل قيام الحرب العالمية الثانية ليعمل فى مركز مطاى بمحافظة المنيا، وكان الدكتور صالح ثابت ابنا لأسرة ثرية تعيش فى عزبة باسمهم وهى عزبة ثابت التابعة لمركز مطاى. وسجل مكتب صحة مركز مطاى طفلين من أبناء الدكتور صالح ثابت: الابن البكر منير صالح ثابت والابنة سوزان صالح ثابت. وعندما كبر الطفلان وأصبحا فى سن الذهاب إلى المدرسة، انتقل الأب وزوجته إلى القاهرة ليلحقا ابناهما بالمدارس المتطورة فى القاهرة. التحق الابن بالمدرسة الثانوية والتحقت الابنة بمدرسة سانت كلير بمصر الجديدة. التحق الابن بعد تخرجه من الثانوية العامة بالكلية الحربية تخصص طيران. وكان الطالب منير صالح ثابت فى الدفعة التى يقوم بتدريسها الرائد محمد حسنى مبارك. ويوم تخرج الدفعة فى كلية الطيران ذهبت أسرة الدكتور صالح ثابت وزوجته وابنته سوزان التى كانت قد حصلت على الثانوية العامة لحضور حفل تخرج الابن منير صالح ثابت ضابطا فى الطيران برتبة ملازم ثان. قدم الضابط منير ثابت حديث التخرج أستاذه محمد حسنى مبارك إلى والده ووالدته وأخته سوزان. ودار الحديث حول الاحتفال بتخرج الابن منير صالح ثابت. بادر الأب الدكتور صالح ثابت بدعوة الأستاذ إلى حفل عائلى بسيط فى المنزل على العشاء. وبعد تناول العشاء بادر الرائد محمد حسنى مبارك الأب برغبته فى حديث خاص معه، وخلال الحديث أبدى رغبته فى خطبة الآنسة سوزان شقيقة منير. وعده الأب خيرا بعد أخذ رأى الأسرة وفى مقدمتهم سوزان. وخلال أسابيع قليلة وافقت سوزان على الارتباط بالرائد محمد حسنى مبارك. فضلت سوزان صالح ثابت الارتباط بالزواج بدلا من استكمال الدراسة فى الجامعة. وعاشت الزوجة مع زوجها فى شقة بمصر الجديدة بجوار شقة والدها. رزق حسنى مبارك وزوجته سوزان بطفلهما الأول علاء، وبعد عامين رزقا بطفلهما الثانى جمال. وطوال الستينيات وبداية السبعينيات كانت الأم سوزان صالح ثابت حرم ضابط طيران محمد حسنى مبارك تعكف على رعاية طفليها وخاصة بعد أن التحقا بالمدرسة. يذهب الضابط حسنى مبارك إلى مكتبه أو وحدته طوال الأسبوع، ويأتى لقضاء يومى الخميس والجمعة مع أسرته. بالمناسبة كان يحرص على اصطحاب الأسرة يوم الخميس فى جولة ترفيهية تبدأ بالذهاب إلى محل نجف لشراء ساندويتشات الفول والطعمية بغمرة، ثم دخول أحد الأفلام. وهكذا عاشت أسرة الضابط محمد حسنى مبارك والمكونة من زوجته وطفليه كأى أسرة مصرية متوسطة الحال. الأم تتحمل مسئولية البيت، ورعاية الابنين فى توصيلهما إلى المدرسة والعودة بهما بعد انتهاء الدراسة. وبعد تناول الطعام تجلس الأم مع ولديها تذاكر لهما وتحل معهما الواجب المدرسى. استمر الحال على هذا المنوال حتى التحق علاء وجمال بالتعليم الثانوى. كان ذلك عام 3791. كان الأب مشغولا بشئون الطيران والاستعداد لتحرير سيناء بعد أن تولى الرئيس السادات قيادة مصر. وكانت الأم مشغولة بتربية الأولاد. وذات مساء اتفق الأولاد على مصارحة والدتهما بما يشعران به. قال علاء وجمال: ماما السنة القادمة واللى بعدها سوف نحصل على شهادة الثانوية العامة وبذلك نتساوى معك فى الشهادة وبالتالى لن تكونى قادرة على التدريس لنا لأننا كلنا سوف نصبح حاصلين على الشهادة الثانوية. وفى أول إجازة للضابط محمد حسنى مبارك الذى كان قد وصل إلى رتبة اللواء وأصبح قائدا للطيران أخبرته بما فاجأها به الأولاد، وأبدت رغبتها فى الالتحاق بالجامعة حتى تكون فى مستوى علمى أعلى من مستوى أولادها فتستمر فى التدريس لهما ومشاركتهما فى عمل الواجبات المدرسية. وافق اللواء حسنى مبارك على التحاق زوجته بالجامعة، وفعلا التحقت الطالبة سوزان صالح ثابت بالجامعة الأمريكية فى العام الدراسى الذى بدأ فى شهر سبتمبر عام 4791، على أمل دراسة العلوم السياسية والاجتماعية. وبعد قبولها فى الجامعة الأمريكية لأنها خريجة مدرسة سانت كلير وتجيد اللغة الإنجليزية، جلست مع ولديها وقالت لهما: عندما تحصلان على الثانوية العامة سأكون قد تخرجت فى الجامعة الأمريكية، وبالتالى سوف أقوم بمساعدتكما فى المذاكرة، يعنى مافيش فايدة سوف أذاكر لكما حتى تتخرجا من الجامعة! حرصت على ذكر هذه الفترة من حياة الطالبة المصرية سوزان صالح ثابت لأنها وهى تدرس فى الجامعة الأمريكية قامت بإشهار جمعية أهلية باسم الرعاية المتكاملة لرعاية أطفال المدارس الابتدائية عام 7791، قبل أن تصبح زوجة السيد رئيس الجمهورية، ولأن قضية تطوير التعليم كانت مطروحة فى الصحف والمجلات وجميع وسائل الإعلام فقد بادرت السيدة سوزان صالح ثابت وكان ذلك هو الاسم الذى التحقت به فى الجامعة، ولم تشر إلى كونها زوجة قائد الطيران أو أنها زوجة نائب رئيس الجمهورية. كانت المواطنة سوزان صالح ثابت من أوائل المصريين الذين اهتموا بقضية التعليم، وبادرت بتفعيل بعض التوصيات التى قرأت عنها فى الصحف والمجلات كذلك هناك آخرون اهتموا بقضايا التعليم فى تلك الفترة. فبينما اهتمت السيدة الفاضلة سوزان صالح ثابت بتلاميذ المدارس الابتدائية، اهتم مواطنون آخرون بقضية التعليم الجامعى ومنهم الأستاذ على الشلقانى محامى ومؤسس مؤسسة الشلقانى القانونية التى تساهم فيها اليوم زوجته المحامية القديرة منى ذو الفقار وابنه خالد الشلقانى وابن الدكتور إبراهيم شحاتة وآخرون. وجاء بعد هؤلاء فى الاهتمام بتطوير التعليم التكنولوجى فى مصر الأستاذ الدكتور أحمد نظيف الذى ساهم مع آخرين وهو وزير الاتصالات فى إنشاء أول جامعة تهتم بالتعليم الراقى المتميز الذى يحصل عليه الطلبة، فى جامعات مثل هارفرد، وإم آى. تى. وبرنستون وكاليفورنيا ومدرسة الحقوق فى جامعة باريس وبرامج مدرسة الاقتصاد فى لندن. وسوف أروى لكم فى حلقات قادمة القصة الكاملة لاهتمام السيدة سوزان مبارك بتلاميذ المدارس الابتدائية وتجربتها المثيرة فى الارتقاء بمدرسة السلام المشتركة فى بولاق وهى التجربة التى روتها فى رسالة الماجستير التى حصلت عليها من الجامعة الأمريكية فى القاهرة عام 2891. كذلك سوف أروى لكم تجربة مجموعة على الشلقانى ود. كمال الإبراشى، ود. إبراهيم شحاتة وآخرين فى إنشاء جامعة الشرق الأوسط التى لم يتم إنشاؤها لأسباب سوف أشرحها. وأخيرا التجربة الناجحة لإنشاء أول جامعة تهتم بالعلوم الحديثة وتكنولوجيا الاتصالات والعلوم التى يتلقاها طلبة الإم. آى. تى فى أمريكا وعلوم الاقتصاد التى يدرسها طلبة هارفرد ومدرسة لندن الاقتصادية وكل ما هو متطور فى الع العلمى الكبير. ومهما كانت الأقاويل التى يذكرها الزملاء مصطفى بكرى وعادل حمودة ورئيس تحرير الوفد والزميل إبراهيم عيسى، فإن جامعة النيل أصبحت حقيقة. وهذه الحقيقة هى حلم راود الكثيرين واستطاع الدكتور أحمد نظيف بصفته وزيرا للاتصالات ورئيس وزراء من تحقيق حلم علمى طالما اشتقنا لتحقيقه منذ السبعينيات. سوف أحدثكم الأسبوع القادم عن جمعية الرعاية المتكاملة لتلاميذ المدارس الابتدائية والتى بدأت فى مدرسة السلام المشتركة بحى بولاق والتى تقوم الآن بتطوير مائة مدرسة من المدارس الابتدائية، وبعد ذلك أحدثكم عن المؤسسة المصرية لتطوير التعليم التكنولوجى وإنشائها لجامعة النيل فى السادس من أكتوبر، وأيضا مدارس سمارت سكول حتى لا تكون هناك أسئلة بلا أجوبة. إن الإنسان يعادى ما يجهله، لذلك فالمعرفة والوضوح والحديث عن الحقائق هى التى تنير الطريق أمام هذه الجهود الفردية لتزدهر. كانت جهود السيدة الفاضلة سوزان مبارك واضحة منذ البداية فلم تثر حولها الشائعات ولم تطرح الصحافة التساؤلات. أما جامعة النيل فقد تمت فى سرية وتكتم لا مبرر لهما لذلك طرح الزملاء العديد من التساؤلات ولهم كل الحق فيما يتساءلون عنه. سأحاول قدر الإمكان جمع الحقائق حول مشروع جامعة النيل لأننى مؤمن بأنه مشروع مهم ومستقبلى ويجب أن يعرفه أبناء الشعب المصرى وأبناء الأمة العربية. جامعة النيل يا زملائى هى التى سوف تعيد الريادة لمصر فى التعليم الجامعى كما قدمتها جامعة القاهرة فى النصف الأول من القرن العشرين. جامعة النيل التى تقدم أرقى المناهج الدراسية فى علوم الهندسة والتكنولوجيا وإدارة الأعمال هى التى ستجعل أبناء الأمة العربية يعودون للدراسة فى مصر تماما كما فعلوا عندما كانت جامعة القاهرة فى صدارة الجامعات العالمية. وإلى اللقاء فى حلقات قادمة