- رحم الله الكاتب الكبير الأسطورة أنيس منصور، فقد كان موسوعى الثقافة غزير الإنتاج متنوع اليوميات. كانت الكتابة مرضه وعافيته وكان يكتب مثلما يتحدث، الرشاقة والعمق والثقافة. وكان دائم السؤال والحيرة شأنه شأن الفلاسفة الذين يواجهون الواقع بأسئلة كثيرة، لعلها تبدد الغموض. وكان يسأل عن الأشخاص ولم يكن يتحرى بنفسه من الفيسبوك عن الآخرين، إنما كان يحلو له أن يسأل من يعرفه عن فلان وعلان. وكان يعتقد أن لى «خبرات حياتية» تؤهلنى لانطباعات عن الناس قد تخطئ وربما تصيب. سألنى مرة عن العالم المصرى أحمد زويل وكان يحضر اللقاء الأستاذ محمد عبدالمنعم رئيس مجلس إدارة روزاليوسف آنذاك، وهو كاتب محترم له أسلوب وانسحب فى رقى من ميدان الكلمة، كان سؤال أنيس منصور : (يا أخى زويل ناس معاه وناس ضده) فقاطعته: أول أعدائه زملاؤه فى كلية علوم إسكندرية. كانوا يرونه شخصا عاديا ساهم الإعلام فى صناعته ولم يكن هذا صحيحا بالمرة ولكن (عدوك ابن كارك). أى العداء دائما من نفس المهنة ! وقد حدث أن دعيت لندوة فى الإسكندرية فى كلية التجارة وجاءت سيرة زويل وكنت أقول إن الزلزال كان أحمد زويل حين ردد العالم اسمه، فإذا بأحد الأساتذة الأفاضل فى القاعة يوجه لى الكلام «زويل ليس زلزالا» واستطرد يقول : فى علوم أى جامعة مائة زويل بس ياخد فرصة ! وكان أن انسحبت بعد أن قلت عبارتى الشهيرة : أقف دقيقة حداداً على الروح الجامعية! والقصة معروفة لأنى لم أكمل الندوة التى دعيت لها: قلت لأنيس منصور أن أول مرة أسمع اسم زويل كان من الكاتبة الصحفية ماجدة الجندى زميلتنا فى صباح الخير شفاها الله وهى حرم كاتبنا العزيز جمال الغيطانى وهى التى اقترحت إجراء حوار معه ولم يكن قد حصل على نوبل ولا اسمه ترشح، ولكن ماجدة استشرفت فيه عقلا نشطا أخاذا، فوافقت ونشرت الحديث أيام رئاستى لصباح الخير ومرت الأيام، وسافر زويل لأمريكا وكانت أبحاثه تبشر بقيمة علمية ووجدت نفسى أدعوه للحوار فى حديث المدينة قبل نوبل بزمان واقتربت منه ولاحظت أنه «حبوب» و«يحب الناس» و«عقله يقظ» ثم كان أن فاجأ العالم بفوزه بجائزة الكيمياء بنوبل وطلب هو من وزير الإعلام أن تسافر أسرة حديث المدينة معه إلى ستكهولم بالسويد وكان رقيقا منه أن أسافر كمحاور أجرى معه حوارا قبل نوبل وكان تصرفه وفاء منه احترمته عليه، وبالمناسبة كانت معنا المذيعة المثالية صاحبة الصوت الإخبارى المتزن هالة أبو علم. وأتذكر أننى أجريت معه حوارا مهما بعد ساعات من تسلمه جائزة نوبل من ملك السويد. وبدأ زويل يزور مصر كثيرا ويقيم ندوات فى المسرح الصغير بالأوبرا وكنت أحضرها بانتظام وكثيرا ما كنا، هالة أبو علم وأنا، نقضى مع أحمد زويل عالمنا المصرى ساعات فى بهو فندق سميراميس. وقلت لأنيس منصور: كالعادة التف حول زويل ناس بعضهم كان مخلصا له والبعض الآخر كان مخلصا لنفسه «يستثمر» زويل ! وبدأ زويل يبتعد دون سبب سوى وشايات هدفها إبعاده من أصدقاء قدامى! وقد عشت هذه الحالة مع كثيرين فتح الله عليهم ثم التفت الأفاعى حولهم ! د. زويل - يا عزيزى أنيس- ترك لبعض الأفاعى الوصاية عليه، واكتشف زويل نفسه هذا الفخ وهمس به د. سمير سرحان فى أذن د. زويل بالإضافة إلى عشق عالمنا للإعلام والكلام فى الندوات والمحاضرات عن الحياة الجيدة وفن المعيشة وهو ما استفدته وقلت مرة (أفيدنا بعلمك فى الفيتمو ثانية أكثر من المكلمة فى الأوبرا) ولعله غضب منى ولم أعد أراه، وأظن أن دورى فى حياة عالمنا، صغير لكنه محورى، صحفيا وتليفزيونيا والفضل لماجدة الجندى أيضا أول من أشار عليه وقد نساها زويل فى زحمة النيون الذى أحاطه فيما بعد. هذا تعليقى على ما كتبه أنيس منصور - رحمه الله - فى أخبار اليوم السبت الماضى تحت عنوان (ويسألونك عن العلماء، أحمد زويل ودارون) إذ قال أنيس: (سمعت قصة من المحاور مفيد فوزى وأدهشنى وتضايقت مما سمعت ونفى لى أحمد زويل ما سمعت وما سمع أيضا).