الشرطة اختفت.. خرجت ولم تعد!! منذ جمعة الغضب قبل تنحى مبارك إلى مذبحة استاد بورسعيد عام كامل.. عانى خلاله المواطن المصرى من انفلات أمنى، وسطوة البلطجية على الشارع، وتفشت ظاهرة السرقة بالإكراه، وسرقة آلاف السيارات.. وكان الأسبوع الماضى ذروة الانفلات الأمنى اقتحام بنوك وسرقة سيارات محملة بالأموال، ومكاتب بريد وصرافة، وقطع طرق، وحجز ستة آلاف سائح فى هويس إسنا، وخطف سياح فى جنوبسيناء ولكن الطامة الكبرى قتل 47 شابًا مصريًا من خيرة شباب مصر بشكل بشع أمام أعين الكاميرات فى استاد بورسعيد، والمؤسف أن هذا حدث تحت حماية الشرطة التى رفضت التدخل، بل فتحت الأبواب للبلطجية لقتل الأبرياء!! منذ انسحاب الشرطة فى 28 يناير 2011 فى جمعة الغضب.. وهناك مطالب بإعادة هيكلة وتطوير جهاز الشرطة، وتطهير الجهاز من العناصر الفاسدة، وبنائه من جديد على أسس علمية وتغيير الفلسفة التى كانت قائمة والتى كانت فى البداية الشرطة فى خدمة الشعب، حولها حبيب العادلى إلى الشرطة والشعب فى خدمة الوطن، ولكن الحقيقة أن الشعب أصبح خادمًا للشرطة والنظام كله، المواطن العادى يتعرض للضرب والإهانة فى الشارع وفى بيته أو فى الأقسام وإذا اعترض ممكن يلبس قضية!! وجاء ثلاثة وزراء داخلية خلال عام ولم يتغير الأمر، تم تغيير بعض الوجوه ولكن الأسلوب والفلسفة القديمة مازالت كما هى، لم تتخذ إجراءات حقيقية لإعادة بناء الجهاز ولكن مذبحة بورسعيد لابد أن تكون نقطة فاصلة فى هذه القضية، ولابد من وضع فلسفة جديدة قائمة على أن هيبة الشرطة لا تنفصل عن احترام كرامة المواطن. اللواء خالد القاضى- عضو ائتلاف الشرطة- يرى أن الداخلية كما هى، ولم يحدث بها أى تطهير أو تغيير لكنه يعترض بشدة على محاولة المتظاهرين اقتحام وزارة الداخلية وتدميرها. ويضيف اللواء خالد: من يقول إن جهاز الشرطة تم تطهيره، فهو مخطئ، فالجهاز كله كما هو، والفلول موجودة كلٌ فى مكانه وتعيش فى أفضل أوقاتها، فهم لم ولن يشعروا بالثورة، أو بالمعنى الأدق: الثورة لم تصل بعد لوزارة الداخلية. ولكن ليس معنى ذلك أن يقوم المتظاهرون بمحاولة اقتحام الوزارة وتدميرها، لأنهم بهذا العمل لا يعتدون فقط على الداخلية لكنهم يعتدون بذلك على الدولة ومؤسساتها. صحيح أن كل من رقى إلى رتبة لواء فى عهد العادلى، هو تابع له، وهؤلاء الفلول يجلسون فى الوزارة الآن يُخربون ويساهمون فى الانفلات الأمنى، وليس ذلك فقط بل يخططون أيضا لتهييج الرأى العام والوصول إلى ما نحن فيه الآن. ومن هنا أقول إنه على الشعب أن يفهم ويعى جيدًا هذا المخطط ولا ينساق وراءه وينفذ ما يُنصب له. ولابد أيضا ألا نخلط الأوراق ببعضها، فمثلما هناك فلول.. فهناك أيضا شرفاء يدركون جيدا معنى جملة «الشرطة فى خدمة الشعب». ولكى نتفادى هذا المخطط الدنىء لابد أن تُعاد هيكلة الداخلية. ويقترح اللواء خالد القاضى عدة نقاط لتطوير وهيكلة الشرطة أولها: كرامة المواطن التى لا يجب أن تمس بأى صورة من الصور، وأيضا احترام هيبة الدولة ومؤسساتها التى تتمثل فى احترام القانون، فعلى سبيل المثال فى الفترة الماضية تم تحرير 18 ألف محضر تعد على أراض والبناء عليها بدون ترخيص، ولم يستطع أى ضابط التحقيق فيها خوفًا من أن يتهمه الناس ويزعموا أنهم قادمون لإهانتهم كما يتهمونهم دائما. وهذا خطأ ويدل على عدم وجود أى هيبة للشرطة التى هى فى الأصل مؤسسة من مؤسسات الدولة. ولكى تتحقق فلسفة احترام كرامة المواطن مع احترام هيبة الدولة فى نقس الوقت: على كل منهما أن يعرف حقوقه وواجباته نحو الآخر، وليس ذلك فقط بل عليه أيضا أن يلتزم بها ولا يتجاوزها. ∎ هيكلة! يؤكد د. نبيل جليل- أستاذ القانون بأكاديمية الشرطة - أن أولى خطوات إعادة هيكلة الوزارة هى تنمية الوعى لدى فرد الشرطة وفهمه الجيد للمفهوم الأمنى العصرى، فالأمن ثقافة قبل أن يكون عملاً، وهذا هو دور الشرطة المجتمعية التى تحترم كرامة المواطن وتحفظها، ولابد أيضا أن يفرق بين ضابط الأمن فى القسم، وضابط التحريات، فالشرطة فى دول العالم كله تنقسم إلى شرطة إدارية، وشرطة قضائية. الشرطة القضائية هى شرطة المراكز والأقسام التى تضبط الجريمة بعد ارتكابها وتحقق فيها. أما الشرطة الإدارية، فهى التى تضبط الجرائم قبل ارتكابها من خلال إجراء التحريات اللازمة، والشرطة الإدارية هى المسئولة أيضا عن تأمين المباريات والأحداث المهمة. فما المانع من جعل اثنين مساعدين لوزير الداخلية أحدهما للشرطة الإدارية، والآخر يكون مسئولا عن القضائية. ومن هنا أؤكد أن الشرطة كانت شريكاً أساسياً فى أحداث بورسعيد، فهى إن كانت تعلم ما سيحدث ولم تأخذ احتياطها فهذا فى علم الجريمة يسمى الامتناع السلبى. وإن لم تكن تعلم، فهذه مشكلة أكبر لأن أحد واجباتها التنبؤ بحدوث الجرائم وإحباطها.. وهذا دور الشرطة الإدارية كما ذكرت سابقًا. ويضيف د. نبيل: ولا ننسى أن إزالة الفساد من ربوع الوزارة مهم لإعادة تطوير المنظومة على أساس سليم، فكلنا نعلم أن الوزارة مازال بها فلول، وأن هؤلاء الفلول سبب الاحتقان القائم بين الشعب والشرطة، ولن يكون هناك انتصار أو إحساس بإنجاز الثورة.. طالما هناك فساد وثورة مضادة. ويقترح د. نبيل خليل نقل جميع الأحوال المدنية من تبعية الداخلية إلى أى وزارة أخرى مثل الجوازات والمطارات والأحوال الإدارية، فما الجدوى من أن يتولى إدارة هذه الأحوال ضابط شرطة؟ أليس من الأفضل أن نوفر جهده وطاقاته فى عمله الأصلى؟! ويقوم موظف مدنى بهذه الأمور الإدارية. وفى نفس الوقت يشعر المواطن بتحرره من قبضة الداخلية، كل هذه أشياء تنم عن سوء تخطيط فى الإدارة الذى هو ركن من أركان فشل الوزارة. ∎ مناخ هادئ متى نرى النهاية لما يحدث فى مصر؟! بهذا السؤال بدأ معى اللواء أ.ح عبدالمنعم سعيد- رئيس هيئة العمليات الأسبق بالقوات المسلحة والخبير الاستراتيجى - والذى قال: ما نراه فى مصر الآن هو شىء مؤسف لا تتضح نهايته، فالأمن فى مصر غائب وما يحدث يعمل على غيابه بطريقة سيئة، فأين شباب الثورة الأبطال الحقيقيون من كل ما يحدث؟! وكيف يُترك أطفال فى سن 13 ، 14 سنة لا يعرفون حتى معنى الوطنية يدمرون البلد؟! وهل هذه هى السلمية؟! وهل سأل هؤلاء الأشخاص المتظاهرون أنفسهم، وهم يكسرون مبنى الداخلية: ما هى النهاية لما يفعلون؟ وإن تم تدمير الوزارة بالفعل، فماذا بعد ذلك؟ وأنا واثق تمام الثقة أن ما يحدث مخطط خارجى يستهدف أمن واستقرار البلد. ويؤكد اللواء عبدالمنعم: نعم.. مازالت هناك فلول فى الداخلية بتقبض من داخل وخارج البلاد، وللقضاء على ذلك لابد من إعادة هيكلة الجهاز. لكن المشكلة الكبرى الآن هى عدم تمكن أى وزير داخلية من تطوير أو هيكلة الشرطة، فكيف يستطيع أن يفعل ذلك فى جو من التوتر وعدم السكون؟ فلكى تتم إعادة هيكلة وتطوير الداخلية لابد أن تتم فى مناخ هادئ يساعد على ذلك، وهذا واجبنا ودورنا جميعا، وليس دور الوزير فقط، وبالفعل كان اللواء محمد إبراهيم- الوزير الحالى للداخلية- قد بدأ فى إحالة قيادات للمعاش، وعمل بعض الإصلاحات لكن للأسف ما حدث حال دون ذلك. والحقيقة أننى كنت قد اقترحت حلاً على وزير الداخلية السابق لكنه لم يأخذ به، فقد اقترحت أن نقوم بحصر أعداد خريجى كليات الحقوق فى جميع الجامعات، وهم يقدرون بحوالى 10 آلاف، ونعطى لهم كورس مكثف خاص بالأمن، فبالتالى سيصبح عندى على الأقل 5 آلاف ضابط وطنى يعملون على إعادة هيكلة الشرطة ثم نأخذ الضباط العاملين فى الأقسام وأنزل بهم إلى الشارع لفرض الأمن، فمن ناحية أكون قد زودت أعداد الضباط، ومن ناحية أخرى أكون قد أخرجت دفعة من الضباط الوطنيين، مع العلم بأن هذا الموضوع لن يستغرق أكثر من ستة أشهر. لكننا للأسف مازلنا نعانى من تجمد فى الأفكار، ونسينا أن الظروف غير العادية تتطلب إجراءات غير منظمة، فمشكلتنا الآن هى أن كل جهاز يعمل بمفرده دون التعامل مع الآخر، لذلك فمصر تحتاج الآن إلى مجلس إنقاذ وطنى يضم أعضاء من المجلس العسكرى وأعضاء من الحكومة، ومن عقلاء الأمة وشباب الثورة، وبالطبع من مجلس الشعب، ويقوم هذا المجلس بإنقاذ مصر مما هى فيه. ولنعلم جميعا أن ما نحن فيه يهدد الأمن القومى بشدة الذى يهدف إلى المحافظة على كيان وشعب البلد ضد أى كيانات خارجية، وهذا لن يتحقق إلا بسلامة واستقرار مؤسسات الدولة بدءاً من الإعلام والثقافة إلى سلامة الفرد نفسه. ∎ مصر لا تحتمل أما اللواء فؤاد علام- الخبير الأمنى ووكيل جهاز مباحث أمن الدولة الأسبق- فينفى وجود أى فلول فى الداخلية قائلاً: لا يوجد فلول فى وزارة الداخلية، ومن يزعم العكس ويمتلك معلومة معينة، فليأت بها ويقول من هم الفلول، وماذا يفعلون؟! ونفس الأمر لمن يدعون أن جهاز الشرطة لم يتطهر بعد، فكل ذلك كلام غير مسئول يعمل على زيادة الانفلات الأمنى ويساهم فى اتساع الفجوة بين الشعب والشرطة. فمصر الآن لا تحتمل أن نخون بعضنا البعض، لكنها تحتاج إلى إعادة الثقة المتبادلة. فما حدث مؤخرا فى شارع محمد محمود أحداث مزرية للغاية وطريقة معالجتها غير مجدية، فكان على ممثلى الشعب وحكماء الأمة أن ينزلوا إلى الشارع ويخاطبوا الشباب الثائر الذى راح يحاول تحطيم وزارة الداخلية، وطالت أعماله بعض المنشآت المجاورة.. فما نحن بصدده الآن هو صراع بين الشعب الذى لا يعرف أنه بذلك يحطم فى مؤسساته. ويرى اللواء علام أنه لابد من وجود فلسفة جديدة للشرطة ركناها الأساسيان كرامة المواطن وهيبة الشرطة، فلا يجوز إعلاء أحدهما على حساب الآخر، فكرامة المواطن من كرامة الوطن، وهيبة الشرطة تعيد الأمن والأمان للشارع ويتحقق ذلك من خلال توقيع هدنة بين المواطن والشرطة يعرف من خلالها الفرد حقوق احترام الشرطة لأنها جهازه الأمنى والمسئولة عن أمنه وحمايته، وتعرف من خلالها الشرطة أن للمواطن عليها حقوقاً، وأن كرامة المصرى فى المقام الأول وأن على الشرطة أن تكون دائما فى خدمة الشعب.