بقلم : د. أحمد عبد الرحمن الشرقاوي أتمنى أن نتوافق جميعاً من أجل المصلحة العليا للوطن. أن نجلس سوياً على مائدة حوار، جميع ألوان الطيف الوطنى من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار، يجمعنا هدف واحد فحسب هو مصر، مائدة حوار وطنى صادق بروح البناء والتنمية وتجاوز النفق المظلم. مائدة حوار تكون نواة حقيقية لجبهة وطنية تتصدى للملفات الشائكة بدءا من الأمن والاقتصاد والتعليم والصحة تحقيقا للمطالب العادلة للمواطن البسيط، جبهة وطنية تنبع من حرص جميع الأطراف على اجتياز المحنة ومداواة الجراح ورأب الصدع القائم بأسرع وقت جبهة وطنية تشمل أبطال المشهد من أعضاء فى المجلس الأعلى للقوات المسلحة وممثلين حقيقيين لائتلافات شباب الثورة والمجلس الاستشارى وممثلين لجميع أطياف برلمان الثورة الناجحين فى الانتخابات الأخيرة وبعض رموز وقادة الرأى من مفكرين وأدباء وعلماء يشهد تاريخهم بالنزاهة والتجرد والإخلاص لقضايا الوطن. التوافق الوطنى هو أقوى أدوات الضغط التى يمكن أن نمتلكها من أجل مشروع النهضة الحقيقية والتصدى بنجاح لسائر الأزمات الخانقة التى تحدق بنا، لا توجد حلول فى الموقف الراهن إلا من خلال التوافق. إنه ليس الوقت الأمثل للحساب أو تبادل الاتهامات مهما تكن الخطايا والذنوب، ولكنه أوان دقيق للتحرك المخلص للخروج بأسرع وقت من أزمات طاحنة تهددنا جميعاً. نعم هناك خطايا وجرائم لن يغفرها التاريخ لكننا لم نعد نقوى على إهدار المزيد من الوقت والطاقات والدماء. ثورتنا جاءت فريدة من نوعها فى كل شىء فلم يحدث فى تاريخ الثورات ألا يتولى صناع الثورة مقاليد الحكم بأنفسهم أو أن يظل من قامت الثورة للإطاحة بهم وبفسادهم قابعين بأتباعهم وأموالهم يحيكون المؤامرات لتشويه الثورة وتصفيتها، لابد أن يعى الجميع أن مائدة الحوار والتوافق هى الممكن الوحيد الآن للعبور إلى آفاق الغد وليس لدينا ترف المزيد من الانتظار، ساحات الصراع بين القوى المتناحرة على جمع الغنائم ليس فيها منتصر أو منهزم، ليس فيها مغلوب وغالب وإنما تنتهى إلى المزيد من الضحايا والخرائب والندم. لا يساورنى الشك فى ادعاء الجميع أن منطلقاتهم فى التحرك هو حب مصر وإن اختلفت لغة التعبير وجاءت المواقف لتسىء أبلغ إساءة لهذا الحب نفسه مصداقا لقول الشاعر: «وكل يدعى وصلا بليلى وليلى لا تقر لهم بذاك ». ويروى فى الأثر أن سيدتين تنازعتا على بنوة طفل وأمرهما القاضى بجذب الطفل كل واحدة ناحية وسيحكم ببنوة الطفل للأقوى منهما، أو فليتقاسما جسده! وقد أدرك القاضى الحصيف أن الأم الحقيقية لن تقوم بذلك حرصا على طفلها، فحكم لها ببنوة الطفل. ومن هنا فإن التوافق الذى يستدعى بعض التنازلات من جميع الأطراف وقبول بعض الحلول الوسط حقنا للدماء ووقفاً للصراع وحفاظا على الوطن من التمزق والانقسام يكون من أروع المواقف الوطنية النبيلة التى قد لا يقوى عليها سوى القادرين على تحمل التضحية ثمنا لتجاوز الأزمة وانتصارا للمصلحة العليا قبل أى منصب زائل أو بطولة زائفة فى سفينة ترنحها الأنواء ويتهددها الغرق بالجميع.