«استطاعت قوات الأمن السيطرة على بعض التظاهرات السلمية من بعض الشباب، تم تحويل مثيرى الشغب والقائمين على إثارة البلبلة فى البلاد إلى المحاكمات، تولى جمال مبارك «وريث المحروسة» مهام البلاد.. إلخ، وغير ذلك من الملامح التى توقعها النشطاء السياسيون فى حال عدم استمرار مظاهرات الخامس والعشرين من يناير 1102 لعدة أيام متتالية وتحويلها إلى ثورة شعبية، فهكذا كان الحال فى بلادنا حيث سيتم التنكيل بكل من تجرأ وفكر فى رفع أى شعارات أو مناهضة النظام الحاكم وكان مصيره هو الاعتقال وراء الشمس. يقول اللواء د. أ.ح طلعت موسى- الخبير الأمنى والاستراتيجى: أولاً لو لم تحدث الثورة لما شعرنا بإحساس الأمن القومى بسبب الانشغال بالسلطة واستمرار مخطط التوريث، بالإضافة إلى إحكام القبضة الحديدية على جميع مؤسسات الدولة بواسطة جهاز الأمن الذى تم توظيفه لحماية رأس الدولة والنظام فقط، ولشعرنا باستبعاد القوى الوطنية من كل الحسابات، ولو لم تحدث الثورة لوجدنا استمرار انخفاض معدلات النمو، والإدلاء ببيانات كاذبة عن الاقتصاد المصرى مع الادعاء بزيادته فى نفس الوقت. ويضيف اللواء د. طلعت: لو كنا استمررنا فى حكم الرئيس السابق لاستمررنا فى الشعور بعدم توافر العدالة الاجتماعية بين أفراد المجتمع، فهناك من يقبض الملايين فى الشهر، وهناك من لا يجد قوت يومه. وهناك مشكلة خطيرة كانت ستتفاقم وهى مشكلة البطالة، حيث كانت ستصل نسبة الشباب العاطلين عن العمل إلى أكثر من 52٪ مما سيؤدى بدوره إلى انتشار الجريمة والمخدرات وتجارة السلاح وبيع الأطفال، بجانب انتشار العشوائيات فى ربوع مصر. بالإضافة إلى استمرار تدهور بل انعدام مكانة مصر، وقوة تأثيرها الإقليمى والدولى على المستوى العربى والإقليمى والإسلامى والدولى. خاصة فى مواجهة إسرائيل والولايات المتحدةالأمريكية والدول الغربية، مما يترتب عليه عدم الإحساس بأمن مصر القومى، وإهمال القضايا والمصالح الحيوية والرئيسية للشعب المصرى، ويأتى على رأسها قضية مياه النيل. ∎ سيناريو التوريث وهناك مشكلة خطيرة كانت ستغير مصير مصر كلها لو استمر هذا النظام وهى التوريث، وعنها يقول اللواء د. طلعت: نشأت فكرة التوريث فى الأنظمة الجمهورية الحاكمة فى الدول العربية نتيجة للتجديد للرؤساء لمدد عديدة، ولطول الفترة التى تم قضاؤها فى الحكم، واحتكار السلطة والقبض بيدٍ من حديد على مؤسسات الدولة وعدم الاهتمام بمصالح ومقدرات الشعب، مما أوجد ثغرة بينها وبين الشعب، واعتقدوا أن الشعب عبيد، وأنه يجب أن يُورث لأبنائهم، فبدأت فكرة التوريث عام 0002 فى سوريا عقب وفاة الرئيس السورى حافظ الأسد عن ثلاثين عاماً فى الحكم. والحقيقة أن القوات المسلحة كان لها رأىً منذ البداية فى قضية التوريث، فهى لم تقبل فى يوم من الأيام فكرة التوريث وهى لم تتدخل فى العمل السياسى قبل تكليفها بإدارة شئون البلاد فى 11 فبراير 1102 مع خطاب التنحى للرئيس السابق. وقد احتفظت القوات المسلحة لنفسها بهذا الموقف المعبر عن إرادة الشعب، وأعلنته ضمنًا فى بيان المجلس العسكرى رقم 4 الذى أعلن فى أول فبراير 1102، والذى نص على أن القوات المسلحة تتفهم وترعى مطالب الشعب والذى كان ينادى بإسقاط النظام فى ميدان التحرير فى هذا الوقت. ومعنى ذلك هو رفض التوريث وعدم القبول به. ولهذا قامت القوات المسلحة بحماية الثورة، ولم تفتح طلقة واحدة على أبناء الشعب المصرى، وعملت منذ ذلك الوقت على النقل الآمن للحكم إلى سلطة مدنية من خلال خطة زمنية جارى تنفيذها حتى الآن، وستكتمل بإذن الله فى نهاية يونيو 2102. ∎ التوريث أكد المستشار أحمد مكى أن الاحتفال بثورة 52 يناير حدث ينبغى علينا أن نستقبله بالاحتفال مع التصميم على استكمال مسيرة الثورة التى لم تستكمل حتى الآن. وقال مكى إن الشعب المصرى قبل ثورة يناير كان يموت والوطن كان يحتضر؛ ومشروع التوريث كان يتم الإعداد له على قدم وساق ولم يمنعه غير الثورة ولم ينقذ مصر ويحافظ على مكانتها إلا الثورة. وردًا على الخائفين والمتشككين فى الثورة قال مكى ما يحدث الآن عوارض لليقظة، فنحن نترنح الآن بعد أن كنا نموت، هناك أخطاء، ولكن الأمور فى طريقها إلى الاستقرار ونحن نتقدم للأفضل، وما يحدث الآن هو ثمن هذا التقدم، ولذا علينا أن نحافظ عليه، خاصة أن ما دفعناه نحن فى ثورتنا أقل بكثير مما دفعته ثورات العالم. وأضاف.. بالنسبة للقضاء لو فشلت الثورة كان سيتم القضاء على رجاله الشرفاء الذين دافعوا عن استقلالهم ولكنه كان يموت أيضا مثل كل مؤسسات الدولة وأجهزتها. ويعقب د. حسام عيسى- الأستاذ بكلية الحقوق جامعة عين شمس قائلاً: إذا لم يقم الشعب المصرى بثورته، وظل الرئيس المخلوع فى الحكم كما هو لاختلفت الأمور بنسبة 001٪، فالأكيد أن جمال مبارك كان سيصبح رئيسًا، ومحمد كمال الذراع الأيمن له. ولقام أحمد عز بتغيير الكرافتة، ولأصبحت سوزان مبارك الملكة الأم.. ولاستمر رجال الأعمال يعيثون فى الأرض فسادًا. أما بالنسبة للمواطن المصرى فلم يكن ليشعر أبدًا بإحساس الكرامة، فالمصرى أصبح الآن يملك وطنه لأول مرة منذ فترة بعكس الماضى، الذى كانت فيه الأرض مملوكة لمجموعة محددة من الأشخاص، هذا بالإضافة إلى إفقار مستمر للفقراء، وإثراء أكثر للأغنياء بجانب انهيار منظومة التعليم. ولا ننسى أيضًا الشباب الذى كان يقتل ويُعذب فى الأقسام، لكن الآن وبعد أن جاءت الثورة تغير كل هذا، فقد انتهى عصر الظلم والاستبداد. فلأول مرة يكون هناك برلمان منتخب مباشرة من الشعب المصرى، ومصر انتقلت نقلة كبرى، فالشعب المصرى خرج ولن يعود مرة أخرى، وهناك نقطة فى غاية الأهمية، فلن يجرؤ أى رئيس جمهورية قادم على العبث بأمن ومستقبل المصريين، فالشعب الذى حبس رئيسه مرة لن يتوانى عن ذلك مرة أخرى. يرى المفكر القبطى كمال زاخر- رئيس جبهة العلمانيين الأقباط أن الثورة جاءت لإنقاذ الشعب المصرى، فلو لم تحدث الثورة لكان هناك مزيد من القمع والنهب المنظم للبلد والذى كان يحدث لسنوات مضت، ولأصبحنا من سيئ لأسوأ. ويضيف زاخر قائلاً: أنا مع الثورة بما لها، وما عليها، فالثورة فتحت حالة من الانفتاح لكل فئات وطوائف الشعب، كما أنها خلقت حالة من رد الفعل الإيجابى للوحدة الوطنية مثل اجتماع الأزهر الذى استمر لمدة ست ساعات، وهذه المرة الأولى التى يحدث فيها حوار وطنى بهذه المدة، وليس ذلك فقط بل تم إصدار بيان عما تم. فكل هذه إيجابيات بالرغم من أن هناك بعض السلبيات، والتى يجب علينا أن نذكرها أيضًا، فقد خرجت بعد الثورة قوى سياسية كانت مغيبة لفترة طويلة بشكل مفاجئ مثل الإخوان والسلفيين، وأيضا فتح فى المجتمع المصرى حوار غير محدد الاتجاه، فأصبح الجميع يتحدث بصوت عالٍ فى نفس الوقت. ففكرة الخروج من الركود إلى التحرك بمثابة عملية جراحية لكنها ليست ليوم واحد، فهى تحتاج إلى غرفة إنعاش لكى يتم نجاحها. وكل من يقول إن الثورة لم تنجح أو أن عدم حدوثها كان أفضل أقول له: أنت متعجل، فمشكلتنا أننا تصورنا أن 52 يناير عصا سحرية عليها أن تحقق كل مطالبنا فى غضون أيام، وتناسينا أننا كنا نعانى من تراكمات 06 سنة، وهذا لا يحدث بين يوم وليلة، فالأمر يحتاج إلى جلد ومثابرة. لكن بكل الأحوال وجميع المقاييس فلو لم تحدث الثورة، ومر يوم 52 يناير الماضى كأى يوم عادى لاستمررنا فى الفساد الذى كنا نعيش به.. ولتأخرنا كثيرا وضاعت أى فرصة للإصلاح. ∎ غير مشروع وعن توقعاته لسيناريوهات 52 يناير القادم قال المستشار حسنى السلامونى رئيس محكمة القضاء الإدارى بالإسكندرية هناك محاولة مستميتة من التيار الليبرالى لنشر الفوضى وتشكيك الناس فى شرعية مجلس الشعب، ومحاولة التعدى على بعض المنشآت الحكومية وخاصة التابعة للأمن، وتحرش بالقوات المسلحة يقابلها استعراض للقوة من جانب التيار الإسلامى لإرسال رسالة إلى من يهمه الأمر أننا لن نفرط فى مكتسباتنا التى حصلنا عليها بالانتخاب، وقد يتطور الأمر إلى صدام بينهم وبين الليبراليين. وأضاف أن الثورة ليست هدفا فى حد ذاتها، ولكنها وسيلة للوصول إلى الهدف، فليست هناك ثورة تدوم إلى الأبد، ولذا فنحن قد بدأنا أول الطريق فى بناء الدولة الديموقراطية عن طريق انتخاب مجلس نيابى حر وعلينا الآن أن نبدأ مرحلة الشرعية الدستورية، ونوقف الشرعية الثورية، والقول بغير ذلك يحول الثورة إلى فوضى. ∎ مسلسل الخداع المستمر التقينا والقيادى اليسارى أحمد بهاء الدين شعبان وكيل مؤسسى الحزب الاشتراكى المصرى، يرى أنه إذا لم تقم الثورة، لكنا مازالنا مستمرين فى الاستماع إلى مسلسل «الخداع العام» من النظام وأعوانه، بما يرددونه من أن معدلات التنمية الاقتصادية والاجتماعية فى تزايد مستمر وذات مؤشرات مرتفعة، بما يبشر بالأفضل مستقبلاً!! بينما الواقع الحقيقى يؤكد تدهور وسوء الأحوال المعيشية، وتدهور على جميع المستويات، ناهيك عن أن معدلات الفساد كانت بلا شك سوف تتزايد، ومعدلات العنف والاستبداد من جانب قوات الأمن والشرطة، تجاه الشعب وخاصة ممن قاموا بالتظاهرات وعدم التوريث. وأضاف شعبان أنه كان من المتوقع أيضا زيادة معدلات الفقر والجهل فى ظل تزايد العشوائيات وزيادة نسبة الفقراء ومن هم تحت خط الفقر، مشيرًا إلى أن الإحساس باليأس والإحباط كان سوف ينخر فى جسد المصريين ويزداد بصورة واضحة لدى المجتمع، وكان سوف يفقد المجتمع كل القوى الدافعة إلى التغيير والتى تطمح فى التقدم لأن الإحباط سوف يكون سيد الموقف. وأضاف شعبان أن أهم ملامح عام 1102 بدون الثورة هو «التوريث»، فهو الملف الأبرز والذى كان يجهز له من سنوات سابقة من قبل النظام الحاكم من خلال نقل السلطة إلى ولى العهد «جمال مبارك»، كما أن الحاشية المرافقة للوريث هى التى كانت سوف تكون أكثر تألقًا واستفادة من ثروات البلاد، كما أن نفوذ أحمد عز كان سيزداد قوة ويتسع إلى استغلال البلاد ونهب ثرواته. وعن القائمين بالثورة ومن قاموا بها، قال شعبان إنه بلا شك كان سيتم التنكيل بهم واعتبارهم متهمين!! وكان سيتم القصاص منهم بإيداعهم فى السجون والمعتقلات، أما الشرطة وقوات الأمن فكانوا سيزدادون شراسة لأنهم نجحوا فى إجهاض هذه التظاهرات، وكان سيعطى نفسه مبرراً للانتقام من الثوار. ∎ الوطنى يرشح جمال ويقول د. عماد جاد الخبير السياسى بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية: إن السيناريو الذى كان متوقعا فى حال فشل الثورة، هو أن يكون جمال مبارك الرئيس القادم!! حيث كان الحزب الوطنى سوف يحشد كل جهوده لهذا الأمر ولكن فى المقابل كنا سنجد هذا الأمر، يقابل بمزيد من العنف والحركات الاحتجاجية ورفض من الشارع، لأنه كان رافضًا التوريث. وأشار إلى أن المواطن وجميع القوى السياسية كانت تدرك أن العمر الافتراضى لمبارك قد انتهت ملامحه من قبل قيام الثورة، ومن ثم فملف التوريث كان لابد أن يفجر الأوضاع فى البلاد لأن حالة الاحتقان الشديدة فى المجتمع كان لا تقبل ذلك. ∎ مسلسل من الفساد وتزاوج السلطة وعلى جانب آخر يرى أبو العز الحريرى عضو مجلس الشعب أن مستقبل مصر بدون الثورة، كان سوف يكون عبارة عن مسلسل من الفساد وتزواج السلطة بالمال، وهو المسلسل الذى استمر طيلة الثلاثين سنة الماضية، لأن الحزب الوطنى كان سوف يحاول أن يفرض سلطاته بشكل أكبر وأوسع. وأشار الحريرى إلى أن 52 يناير 1102 إذا لم يكتب فى التاريخ المعاصر باعتباره ثورة ومرت كمظاهرات عادية وقاومتها السلطات الأمنية لكانت مصر تحولت إلى مذابح من قبل النظام لكل من فكر وتجرأ على هذه الخطوة، فضلاً عن حملة الاعتقالات التى كان سوف يقوم بها نظام مبارك، والذى كان يعتمد بقوة على الجهاز الشرطى فى القمع ومحاربة أى تظاهرات سلمية، بل إنه كان سيكافئها لأنه كان سينظر لمن قاموا بهذه التظاهرات بأنه انقلاب على الحكم، وسوف تقام محاكمات للشباب بهذه التهمة. وقال عبدالغفار شكر المتحدث باسم التحالف الاشتراكى المصرى للحوار المتمدن ونائب رئيس مركز البحوث العربية والأفريقية بالقاهرة إنه فى حال فشل الثورة، فالوجه الآخر لما يحدث فى مصر كان عبارة عن موجات كثيرة من البطش والقمع من النظام والذى كان سوف يعجل بمشروع التوريث، لأن الساحة ستكون خالية له لتنفيذ هذا المشروع.