أثارت تصريحات التيارات الدينية فى المجتمع المصرى والتى تصدرت المشهد السياسى خلال العشرة أشهر الأخيرة العديد من التساؤلات والخوف على مستقبل مصر الدولة المدنية التى حلم بها شباب التحرير يوم 25 يناير مصر التى تضم على أرضها المسيحيين والمسلمين والتى تعتبر أرضا للأديان السماوية.. فنبى الله إدريس أول من علم المصريين الخياطة وبعث بأرض الكنانة، وأقبل إليها خليل الرحمن فأقام بين أهلها وتزوج هاجر المصرية وتلد هاجر المصرية إسماعيل الذى باركه الله، فكان صديقا نبيا ومن إسماعيل تخرج أعظم الأمم وهى العرب وتزوج نبى الله يوسف من ابنة صاحب عين شمس، وعينه عزيز مصر على إدارة البلاد المالية. ووفد إليها يعقوب عليه السلام وإخوة يوسف وعاشوا على أرض الكنانة، ونشأ بأرضها أنبياء الله موسى وهارون حيث ربى موسى ولبث فيها من عمره سنين، وبعثه الله إلى فرعون وهامان ليذكرهم بالله وعبادته وألا يشرك به شيئًا ونشأ بأرضها نبى الله دانيال ومن بطش الرومان وجبروت هيرودس حاكم فلسطين أتت مريم وعيسى عليهما السلام فكانت مصر حصن أمان لهما، ومكثا بها ثلاث سنوات ما بين عين شمس وبابليون كما أوردها المؤرخون. إلى هنا ويستمر السلفيون فى التعبير علنا عن أفكارهم التى تثير القلق والصدمة بل إن الأمر ازداد شدة بعد أن تحول الصراع إلى حرب إعلامية بين العلمانية وبين السلفيين. فقد أفتى الشيخ إمام صالح الفوزى كبير علماء المسلمين بالسعودية بوجوب الانضمام لحزب النور السلفى من أجل مقاومة التيارات الليبرالية والعلمانية. وقد أكد حازم صلاح أبو إسماعيل المرشح لانتخابات رئاسة الجمهورية فى حوار تليفزيونى أن على الحكومة توفير الأجواء لتسهيل فرض الحجاب فى بلد محافظ. وأكد أنه يرفض فكرة زواج أحد أبنائه من فتاة غير محجبة لأن الزوجة غير المحجبة «لن تكون أماً مناسبة». وقال أيضاً أنه لن يسمح إذا تولى الرئاسة «بجلوس فتى وفتاة فى مكان عام لأن هذا ضد أعراف المجتمع» كما أن «الاختلاط فى أماكن العمل غير جائز». واعتبر أبو إسماعيل أن «المناطق السياحية اختارت التيار الإسلامى فى البرلمان للحفاظ على (شرف) البلد» وقال إن الإسلاميين «سيحافظون على دخل السياحة ولكن فى إطار الشرف». إلا أن تصريحاته أثارت حنق الناشطين من الشباب على موقع تويتر وفيسبوك حيث أنشئت صفحة باسم «قولوا لا لا لحازم أبو إسماعيل» وصفحات أخرى ترفض تصريحات السلفيين كصفحة البلد بلد المصريين لا بلد الإخوان ولا السلفيين. وما زاد الجدل احتداماً الهجوم الذى شنه عبدالمنعم الشحات الناطق باسم الدعوة السلفية فى الإسكندرية والمرشح للانتخابات البرلمانية عن إحدى دوائر هذه المدينة الساحلية على الأديب الكبير نجيب محفوظ. فقد أكد الشحات أن أدب محفوظ «يحض على الرذيلة ويدور حول الدعارة وأوكار المخدرات». البعض رأى ان التصريحات ما هى إلا عمليات جس لنبض المواطنين ومدى تقبلهم لفكرة الدولة الدينية وأن مصر لن تكون إيران أو أفغانستان ولن يستطيع أحد تغييرها، والبعض الآخر يرى أن وصولهم للبرلمان وحصولهم على الغالبية ما هى إلا بداية تدل على مدى اقتناع الكثير بهم وأن الدولة الدينية قادمة لا محالة. فى البداية تقول رانيا صلاح حسنى مهندسة معمارية: لا أستطيع أن أخفى مدى تخوفى من سيطرة الإسلاميين على البرلمان وتخوفى من فرض قيود على حرية الرأى والتعبير والملبس وأسلوب حياة المصريين مؤكدة أن الصورة ظلامى فهم لم يكونوا ذوى ولاء للثورة ولم يشاركوا مثلما شارك الشباب الليبرالى وصعودهم للحياة السياسة أمر مخيف وأنا أقصد بكلامى السلفيين وليس الإخوان.. فالإخوان مارسوا السياسة ولهم نشاط خدمى فى المجتمع، لكن السلفيين هبطوا بالباراشوت وسرقوا الثورة، فضلاً عن أن تصريحاتهم مستفزة وكلها تتعلق بالملبس وأسلوب الحياة ولا علاقة لها بالبرامج التى تنهض بها البلد. وتضيف رانيا قائلة: بداخلى نقطة تفاؤل بأن مصر لن تتغير بسهولة فالتاريخ يؤكد ذلك فقد توافد على مصر الكثير من بلدان الاحتلال ولم تتغير على عكس دول عربية أخرى تأثرت بثقافات الشعوب التى احتلتها لكن مصر دائما ستبقى صلبة لن تتأثر. مشيرة إلى أنه إذا تم منع المرأة من العمل فإن رجال مصر سيعتصمون داخل ميدان التحرير فجميع البيوت المصرية حالياً مبنية على أساس المشاركة. أميمة شكرى تقول إن الكلام عن فصل الرجال عن النساء فى العمل والأماكن العامة أكثر ما يقلقنى فنحن فى مصر لم نعتد على ذلك بخلاف نوعية الملبس التى من الممكن أن يفرضوها على الشعب المصرى كارتداء العبايات السوداء أو ارتداء النقاب مشيرة إلى أنها ترى أن الفترة المقبلة ستكون الأسوأ فى تاريخ مصر مع تراجع الحريات وتراجع دور المرأة فى المجتمع فأى امرأة يمكنها أن تعود إلى المنزل وترضى أن يجمع زوجها بينها وبين ثلاث نساء أخريات وأن تصبح رجسًا وشيئًا تافهًا بعد أن ناضلنا لعشرات السنين للحصول على حقوقنا. الدكتورة سلمى منير ترى أن المجتمع يخاف من التيارات الدينية لأنه يخشى من تطرفهم وليس من تطبيق الشريعة الإسلامية أو تطبيق الدين فى المعاملة مؤكدة أنها تعمل فى مجال السياحة ولديها شركة سياحية ولكنها لا تعتقد أن منع بيع الخمور أو فرض رقابة على الشواطئ يمكن أن يؤثر على السياحة لأن نسبة كبيرة من السياح يأتون لرؤية الآثار ولن يتوقف السائح عن المجىء إلى مصر لأنه لن يشرب الخمر أو لن يتعرى على الشاطئ. وتؤكد سلمى أنها حريصة على أن تظل مصر دولة مدنية يعيش على أرضها المسلم والمسيحى دون تفرقة وأن يتمتع الجميع بحرياتهم دون تشدد ولكن بخلفية دينية فالدين يحترم كل الأجناس ولا يفرق بين مسلم ومسيحى. مصر الوسطية تجد فيها كل الأديان وتتقبل الاختلاف هذا ما أكده محمد منصور طالب بكلية التجارة موضحاً أن إلغاء سياحة الشواطئ، والاكتفاء بالسياحة الأثرية، يساهم فى تعميق الأزمة الاقتصادية التى تعانى منها مصر حالياً، مؤكداً أن بعض الموارد الدولارية الأخرى لمصر مثل عائدات عبور قناة السويس وتحويلات المصريين العاملين بالخارج، ساهم فى عدم انهيار الاحتياطيات الأجنبية لمصر نهائياً، خلال الفترة التى أعقبت الأحداث والتداعيات السلبية لثورة 25 يناير. محمود يحيى يقول: أكثر ما يرعبنى من السلفيين أنهم مدعو دين ونحن فى مصر نتأثر بالدين فالدين أفيون الشعوب فمن الممكن أن نسيطر على شعب من خلال وعود دينية وفتح أبواب الجنة ويمكن أن نعدهم بالرخاء والتقدم وإذا فشلوا فإن الحل موجود كلمة (حتعترض على أمر ربنا) حتعرف أكتر من الشيخ؟؟ وهذه المقولة تتيح لهم تحريم وتحليل وإصدار فتاوى أبعد ما تكون عن الدين الغرض منها إبراز جهل المتلقى وشدة حاجته باتباع هذا الشيخ العلامة الذى يحمل كل جديد ويرى محمود أن سياسة الترهيب التى يتبعها مشايخ السلفيين الوهابيين لا تختلف عن سياسة أمن الدولة فالأول يتبع منهج عذاب الدنيا والثانى يتبع منهج عذاب الآخرة والدعوة لتطبيق الشريعة والحدود هى مجرد دعوة وهمية لفتح باب أكبر وحملات التكفير وقتل وقمع أى كيان يقف فى طريقهم، فمن الممكن تطبيق حد الحرابة على أى حزب سياسى مناهض لفكرهم بدعوى الحرابة ومحاربة الإسلام ويمكنهم تشكيل لجنة تكفيرية تقوم بإصدار أحكام على كل من يخالفهم بالكفر وطبعاً يحل دمه ليس الهدف من تطبيق الحدود أبداً حد الزنى أو السرقة أو القتل أو قذف المحصنات إنما هو فتح باب التكفير والحرابة للتخلص من الأعداء أو المعارضين.