جاءت نسبة مشاركة المصريين في الانتخابات مفاجأة غير متوقعة للعالم ليسطر الشعب المصري ملحمة جديدة في تاريخه، فالشعب المصري دائما ما يفاجئ العالم بنضجه السياسي والفكري، فلقد ظن العالم كله أن الشعب المصري مات ودهسته عجلات الظلم والفساد ولكي يحيا من جديد يحتاج لمعجزة وحدثت المعجزة في 25 يناير عندما انتفض غير مبالٍ بسطوة الكبار ليسقط نظاما كان جاثما علي صدورنا سنوات عجاف ثم جاء يوم 19 مارس يوم الاستفتاء علي الدستور وقد وقف المصريون في طوابير الحرية بالساعات كي يعبروا عن رأيهم وأخيرا كانت الانتخابات والتي وصلت فيها نسبة المشاركة إلي 62% والتي كان يتوقع الكثير منا أن تسيطر عليها البلطجة والعنف وأن تكون الأكثر دموية في ظل ظروف أمنية صعبة وعدم استقرار ولكن خابت كل التوقعات وفاجأنا الشعب المصري كعادته بسلوك ديمقراطي ووعي سياسي ليجعل كل العالم يقول يحيا الشعب المصري الذي لا ينكسر أبدا. (صباح الخير) استطلعت آراء المثقفين وأساتذة علم الاجتماع والنفس عن طبيعة الشعب المصري الذي تربي علي النيل واكتسب صفات الفلاح الصبور الذي يزرع وينتظر الحصاد دون ملل أو كلل واكتست ملامحه بملامح النيل الهادئ العذب الذي إذا غضب فاض وأغرق كل من حوله. في البداية يقول الروائي جمال الغيطاني إن زيادة الإقبال علي التصويت في الانتخابات هي وضع طبيعي بعد ثورة 25 يناير، فالشعب المصري قد اعتاد علي الحرية فخلع النظام القديم أعطي إشارة للمصريين بعدم التراجع مرة أخري، فضلا عن إحساس المصريين بالخطر وعدم تحقق الأمن حتي الآن كان حافزا للنزول والإدلاء بأصواتهم فضلا عن أنها الانتخابات الأولي التي تحترم آدمية المصري، فلن يغير أحد إرادته ويضيف الغيطاني قائلا إنها المرة الأولي في حياتي والتي أذهب فيها للجنة انتخابية ولم أكن أنتوي أن أنزل أول يوم ولكن ما أن رأيت التواجد المكثف للمرأة في الانتخابات والذي ميز هذه الانتخابات فكان خروجا مؤثرا حتي شعرت بالخجل ونزلت في اليوم الثاني، ففي الماضي كنت أقول لنفسي لماذا أنزل للانتخابات وإذا كنت أعرف النتيجة مسبقا ولكن بعد الثورة أصبح هناك قيم جديدة. وعن اختيارات الشعب المصري للتيارات الإسلامية أوضح أن اختيارات الشعب تجد الاحترام والتقدير ولكن الشعوب أحيانا تخطئ كما يخطئ الفرد ولكن خطأ الشعب يكون تأثيره أعمق. يوسف القعيد يؤكد أن المصريين أصبحوا يهتمون بالسياسة كما لم يهتموا بها من قبل منذ يوم 25 يناير، لذلك فإن نزولهم للتصويت أمر متوقع حتي بات السؤال عن مصر والتيارات السياسية سؤالاً يومياً يسأله الإنسان البسيط والفقير والغني والمتعلم، فدرجة الاهتمام بالوطن أصبحت غير عادية، مشيرا إلي أن المفاجأة بالنسبة له لم تكن نزول المصريين للتصويت ولم يكن فوز الإسلاميين ولكنها التوسع في تأثير الإسلاميين علي الانتخابات ومحاصرة الناخبين وتوزيع السلع التموينية عليهم ونقلهم بالأتوبيسات إلي اللجان. وتري فريدة النقاش أن الشعب المصري كسر حاجز الخوف في 25 يناير وكان هذا أول نفي للتوقعات، فكثير من المثقفين كانوا يتوقعون أن الشعب لن يتحرك إلا بعد أمد طويل ولكن حدثت الخطوة الأولي وتحدي الشعب الديكتاتورية والظلم وأسقط الديكتاتور ولكنه لم يسقط النظام لذلك لا يزال الشعب المصري يتطلع لاستكمال ثورته وتضيف قائلة: في ظني أن الإقبال الشديد علي الانتخابات عبر عن شوق الشعب المصري لاستكمال ثورته بحياة ديمقراطية وتحقيقا للاستقرار فطيلة الوقت يؤكد المجلس العسكري أنه لن يغادر إلا بعد تحقيق الاستقرار وأول خطوة للاستقرار هي الانتخابات. فضلا عن أن الشعب المصري أدرك أن إرادته لن تزور وأن صوته سيذهب للمكان الصحيح، وأوضحت النقاش أن اختيار المصريين للتيارات الإسلامية جاء بسبب أنها القوي التي لم يجربها الشعب المصري حتي الآن واعتمدت في دعايتها علي أنها كانت مضطهدة وحصلت علي تعاطف الكثير بالإضافة إلي ملياراتهم التي لا يجب إغفالها فلم يكن هناك تزوير مباشر لأصوات الناخبين ولكن كانت هناك أموال وسلع تموينية حفزت الكثير علي انتخابهم فضلا عن أن الإسلاميين خلال السنوات السابقة كانوا القوي السياسية التي استفادت من حصار النظام السابق، حيث استخدمت الدعوة الدينية في التعبئة السياسية فذهبوا إلي الجوامع والزوايا ومارسوا السياسة. ويري الدكتور قدري حفني أستاذ علم النفس السياسي أنها ليست المرة الأولي التي يجبر الشعب المصري الجميع علي احترامه وتقديره، ففي الاستفتاء علي الدستور كان هناك شحن ديني كبير وحديث عن المادة الثانية من الدستور ومع هذا لم ينزل المصريون يضربون بعضهم بل بالعكس وقفوا بهدوء وصبر كي يعبروا عن رأيهم وما حدث في الانتخابات أن الشعب المصري أراد أن يبلغ رسالتين شديدتي الوضوح وهما أنه بعد 25 يناير نحن شعب لا نخاف وأننا نريد أن ننتخب من يحكمنا والثانية أنه آن الأوان كي يقول الشعب المصري كلمته دون تزوير عن طريق صندوق انتخابات حقيقي فالشعب المصري عندما وجد أن صوته مؤثر وسيكون فارقاً في الحياة السياسية قرر أن يعلن عن وجوده حتي في اختياره للقوي الإسلامية فإن المطلوب أن نسأل من باب التفسير وليس الاستنكار. فالإخوان المسلمون هم من عانوا في المعتقلات رغم الضربات الأمنية وفتحوا عيادات ومستوصفات ومدارس ولم يكن منهم من كان وزيرا في عصر الفساد ورؤيتهم واضحة لذلك اختارهم الناخبون. ويري حفني أن الإخوان لديهم حمل ثقيل الفترة القادمة متمثلا في النهوض بالاقتصاد وتحقيق مطالب ثورة يناير. الدكتورة مديحة الصفتي أستاذ علم الاجتماع بالجامعة الأمريكية قالت إن الإقبال الشديد علي الانتخابات جاء بسبب شعور المصريين بالتغيير ورغبتهم الحقيقية في التعبير عن آرائهم فالمصريون تغيروا بعد ثورة يناير وجاء كسر حاجز الصمت بعد فترة من الجمود، فالانتخابات فرصة وقد وصل المصريون لمرحلة جادة من التغيير حتي مع وجود عوامل الإحباط وعدم استقرار الأمن إلا أن الرغبة الحقيقية في التغيير كسرت الخوف وزادت من الإرادة. الدكتورة زينب شاهين أستاذ علم الاجتماع وخبير قضايا المرأة تري أن الناخبين اختاروا اهتمامهم الكبير بالوطن وفضلوه عن المخاوف الشخصية حتي نسير في ركاب الحرية والديمقراطية فطموحاتهم للنهوض بمصر أكبر من مخاوفهم وما حدث ليس مفاجأة، فالانتخابات فرضت نفسها فهي الملاذ الأخير بعد أن أصابهم القنوط واليأس. الدكتور علي ليلة أستاذ علم الاجتماع بجامعة عين شمس يقول إن الشخصية المصرية لها تميزها وهي دائما تمر بحالتين أولها حالة الصبر الطويل وهو في حالة الصبر ينضج الهدف بداخله وعند نضج الهدف تستنفر طاقة المصريين للحركة وإذا تأملنا تاريخنا سنجد ذلك ففي حرب 73 كان الصبر ثم الاستنفار ويؤكد ليلة أن الشعب المصري وهو في حالة الصبر لا يفقد الأمل فالعقل الجمعي لهذا المجتمع شديد الذكاء يحدد من الفاعل والأكثر قدرة علي إنجاز الهدف، ففي عام 52 كانت النخبة العسكرية و73 كان الجندي المصري و2011 الشباب حتي إن أدوات المصريين حديثة. ويؤكد ليلة أن الشعب المصري قبل الثورة كان يعلم جيدا أن إرادته ستزيف لذلك كان يرفض المشاركة أما حاليا فإن الوضع تبدل كليا ولابد من المشاركة. ويؤكد ليلة أن شعوب الوديان أكثر هدوءا وصبرا وأحيانا ما يكتسب الإنسان من الطبيعة حوله فهو هادئ كالنيل ولكن في حالة فيضانه وإن فاض به الكيل فلن يهدأ.