دائمًا ما اعتدنا الذهاب إلى المسجد أو الكنيسة من أجل تأدية العبادات والفرائض اليومية.. لكن تخيل إذا ذهبت فى أحد الأيام إلى دار عبادة، فوجدت الإمام أو القس يأتى لك بشخص ما ويرشحه لك لتنتخبه فى مجلس الشعب أو حتى فى انتخابات الرئاسة قائلاً: انتخبه لتدخل الجنة!! حالات متكررة تنبئ بظاهرة على وشك أن تستشرى فى مجتمعنا خاصة مع بدء مارثون الانتخابات. رصدنا بعضا من تلك الحالات.. وواجهنا بها رجال الدين ورجال القانون، وطرحنا عليهم عدة تساؤلات: ماذا لو تم استغلال دور العبادة فى ترشيح حزب أو شخص بعينه؟ وما هى طرق الرقابة على المساجد والكنائس لتلافى مثل هذه الحوادث؟! كانت البداية حينما فوجئ أهالى منطقة إمبابة بالشيخ محمد حسين يعقوب يأتى ليخطب فى أحد جوامع المنطقة وفى يده الشيخ حازم صلاح أبو إسماعيل ومعه بعض من أفراد الجماعات الإسلامية المرشحين فى الانتخابات البرلمانية القادمة، وأخذ يشجعهم ويتحدث عنهم ويحث المستمعين على ترشيحهم فالخير فيهم «على حد قوله، وبعد الخطبة أخذ الشيخ يعقوب المرشحين وتجول معهم فى أنحاء المنطقة معلنا مبايعتهم فى الانتخابات القادمة. وفى حادثة أخرى أخذ الدكتور محمد سليم العوا يزيد من زياراته لمسجد رابعة العدوية، وخطبه فى شباب المصلين فى الجامع حتى قام بعض أنصاره بتشجيعه وترشيحه لخوض الانتخابات القادمة سواء إن كانت برلمانية أم رئاسية. ولم يقتصر الأمر على الجوامع فقط، كدور للعبادة، ففى إحدى الكنائس الموجودة بالعباسية قام أحد القساوسة فى إحدى عظاته بترشيح ممثل للكتلة الليبرالية وفى نفس الوقت يحذر من ترشيح فئة أخرى معللاً بأنه إذا فازت هذه الفئة سيتم طردهم من البلد أو على الأقل حرمانهم من ممارسة حقوقهم السياسية أو الاجتماعية وسيتم تحجيمهم بشكل كبير. لا يجوز شرعا يعقب على هذه التجاوزات الشيخ عبدالفتاح علام- وكيل الأزهر الشريف - فيقول: استخدام دور العبادة فى الدعاية للانتخابات لا يجوز شرعًا لأن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحدًا، ودور العبادة تستخدم فقط لعبادة الله ولا تستخدم لأى غرض آخر، وأى شىء خارج عن هذا النطاق لا يمكن أن يحدث فى المساجد أو أى دار عبادة أخرى. وقد سألنى شخص من قبل بشأن هذا الموضوع، وجادلنى قائلاً: إن نشر الديمقراطية فى الانتخابات نوع من أنواع العبادة، فلماذا لا تكون فى دور العبادة؟ فأجبته: لا يجوز، لأن العبادة المقصود بها هنا هى عبادة الله وحده عز وجل، وكلنا متفقون عليها ولا يحدث عليها خلاف أما نشر الديمقراطية فهى تختلف من عقلية فرد لآخر والمسجد لا يمكن أن نختلف فيه، ونفس الأمر بالنسبة للكنيسة، فالقاعدة هى أن نعبد الله كما أمر. أما بالنسبة لهؤلاء الشيوخ والدعاة الذين يسمحون لأنفسهم باستخدام دور العبادة فى الترويج لأحد بعينه فى الانتخابات، فهم الضلال بعينه، لأن أدياننا السماوية تلزم الدعاة بالالتزام بنصوصها فى دور العبادة، فمن أين أتى هؤلاء الشيوخ أو القساوسة بالحق فى استخدام أى دار عبادة لغير ذلك. وعلى المتلقين أنفسهم أن يراقبوا هؤلاء الدعاة ولا يسمحوا لهم بالتجاوز فى هذا الشأن ولا يتركوهم يستخدمون دور العبادة لأى غرض إلا العبادة، فإذا وجد أى شخص داعية يروج للانتخابات فى المسجد فليقل له: إن كنت ناقلاً فالنص، وإن كنت مجتهدا فالدليل، بمعنى أن يطلب منه أصل الكلام الذى يقوله حتى يحرجه. وعن الدور التوعوى الذى سيقوم به الأزهر فى المرحلة القادمة حتى يتم القضاء على هذه الشاكلة يؤكد الشيخ عبدالفتاح أن الأزهر سيؤكد على مبدأ أن صوت الفرد أمانة وشهادة، فعلى الأقل عليه أن يشهد شهادة حق وليست زوراً، فمن سيستخدم صوته فى إخفاء الحق وهو يعلم فعليه ذنب شهادة الزور، ومن يروج لشخص بالرغم من أنه يعلم علم اليقين أنه لا يصلح فهو بذلك يشارك فى تضليل المجتمع لأن من سيعطى له صوته هو من سيقوم بعمل قوانين البلد، وهو من سيسهر على خدمة الناس ومصالحهم، فلا يجوز التزوير فى ذلك. الحل فى سلطة القانون وترى المستشارة تهانى الجبالى- نائب رئيس المحكمة الدستورية العليا- أن المواجهة بالقانون هى الحل الأمثل للقضاء على كل هذه التجاوزات، فهناك نص فى القانون يحذر من استغلال دور العبادة فى أى أعمال خاصة بالانتخابات البرلمانية أو الرئاسية، وقد وضع القانون ليُطبق. وهنا يأتى دور الرقابة الشعبية الممثلة فى هيئات المجتمع المدنى والأحزاب والتنظيمات والناس أنفسهم، فعليها أن تراقب وترصد هذه المخالفات وتبلغ بها على الفور اللجنة العليا للانتخابات لتتخذ إجراءاتها وتفرض عقوباتها. وتؤكد المستشارة تهانى أن مبدأ الزج بدور العبادة فى الانتخابات مرفوض قانونيًا وسياسيًا، فالمسجد والكنيسة بيوت الله ولا يصح إدخالهما فى مثل هذه الأمور. فماذا لو افترضنا أن هناك مرشحاً استخدم دار عبادة فى الترويج لنفسه، وقام خصمه بعمل نفس الشىء وحدثت مشادات بين أنصارهما فى الدار، فماذا سيحدث وقتها؟! ستتحول الدار إلى ساحة للعنف بدلاً من كونها ساحة للعبادة، وكيف سينظر الناس للداعية الدينى الذى سيتحول وقتها من شخص دينى إلى دنيوى يساهم فى تضليل الرأى العام. فالمسألة تحتاج إلى ترسيخ تقاليد اجتماعية تتشكل فى وجدان الفرد حتى يرتقى لمرحلة من النضج السياسى والذى بدوره سيساعد فى الارتقاء بالوطن. وفى الانتخابات أى مخالفة واردة، لكن الأهم هو كيفية مواجهتها، وهذا لن يأتى إلا بالقانون وقوته التى لا تقتصر على اللجنة العليا للانتخابات فقط، فسلطة القانون تشمل القضاء والرقابة الإعلامية والشرطة، وأيضا تتضمن إعمال القانون فى كل الدوائر الانتخابية، فالمجتمع بأكمله سيشترك فى تحديد نجاح الانتخابات القادمة من عدمه. ثقافة الفرد هى المفتاح أما المستشار محمد عيد سالم- الأمين العام لمجلس القضاء العالى ونائب رئيس محكمة النقض- فله وجهة نظر مغايرة والتى يقول عنها: من الصعب منع هذه الظاهرة وخاصة فى الأرياف والنجوع، لأن المسجد والكنيسة فى هذه المناطق يمثلان المكانين الوحيدين لتجمع الناس، فكيف نستطيع أن نمنعهم من الحديث فى الانتخابات أو غيرها من الموضوعات، وهذا هو واقع مجتمعنا، فمصر ليست فقط القاهرةوالإسكندرية إنما هناك الكثير من المناطق التى تعتبر دار العبادة هى مركز الحياة فيها. وبالنسبة للجماعات والتنظيمات الإسلامية التى تعتبر من أكثر الفئات المستخدمة للمساجد فى دعاياتها، فعلى اللجنة العليا للانتخابات أن تتصدى لها، والحقيقة أنها بدأت بالفعل وحظرت استخدام الشعارات الدينية. وأنا أرى أن الحل يكمن فى ثقافة الفرد نفسه، فهو الذى يقرر من سيختار: الفرد الدينى أم الشخص العلمانى، ومن فيهم يستطيع التعبير عنه فى المجتمع، لكن للأسف الناس فى بلدنا تتأثر بمن سيقدم لهم الخدمات والمعونات. فقبل أن أحرر عقول الناس يجب أن أحرر لقمة عيشهم، وقد رأينا الكثير من الأشخاص الذين يذهبون للجان الانتخابية فى جماعات حتى يدلوا بأصواتهم من أجل النقود أو أى خدمات أخرى، وهؤلاء الناس يرفعون شعار: كيف تكون كلمتى من رأسى ولقمتى فى يد شخص آخر؟! ويضيف المستشار محمد عيد: الموضوع أدق بكثير مما نعتقد، فعلى سبيل المثال هناك قانون يحظر استخدام شعار «الإسلام هو الحل»، لكن هل تم إلغاء الشعار فى انتخابات سابقة؟! طبعا الإجابة لا، فالقوانين ليست وحدها الحل، إنما الرقابة الصارمة هى المفتاح ومن يقول غير ذلك، فهو يضيع الوقت. فخلاصة ما أود قوله هى أن الحل للرقابة والقضاء على هذه المخالفات يكمن فى شيئين: تحرير لقمة العيش، وتثقيف الفرد إيمانياً واجتماعياً، فإيمانياً عن طريق أن يعى جيداً ألا يعطى صوته إلا للشخص الذى يستحقه، واجتماعياً أعرف أن هذا الشخص صالح للتعبير عنى فى المجتمع، وغير ذلك لن يجدى أى شىء وهذا هو الفرق بيننا وبين الغرب فهم يحكمون عقولهم أما نحن فلا. العقاب فى يد الحاكم ويقول بيتر رمسيس نجيب- المحامى بالمحكمة الإدارية العليا: بالفعل قامت المحكمة الإدارية العليا بإلغاء جميع الدعايا الدينية حتى لو كانت شعارات مكتوبة على اللافتات الانتخابية، وهذا الحكم الصادر يضم جميع أنواع الدعايا الانتخابية بالإضافة إلى أن المرشح الذى يستخدم شيخاً أو قساً فى الترويج لنفسه ولدعايته الانتخابية يعتبر مخالفاً للقانون ومعه هذا الشيخ أو القس، فالداعية الذى يستخدم دار العبادة فى غرض غير العبادة مجرم فى نظر القانون، وهو لا يعرف أصول الدين أو السياسة، فالدين والسياسة لا يجتمعان أبدًا لأن الدين هو علاقة بين الفرد وربه، أما النواحى السياسية فهى خارج الكنائس والجوامع. ومن هنا أقول إن كل مرشح يستخدم أى دار عبادة للترويج لنفسه، فهو ليس أهلاً لنيل أى مقعد من مقاعد مجلس الشعب، لأنه بذلك يستغل النزعة الدينية لدى الشعب المصرى من أجل أهوائه الشخصية. وإن كان فى بداية الأمر يبحث عن غرضه الشخصى، فهو لن يكون فى خدمة من رشحوه عندما يحصل على مقعد من مقاعد الشعب أو الشورى لكن فى خدمة نفسه فقط وهو بدوره يعد مجلسًا آخر كالمجالس التى رأيناها سابقًا.. مجالس انتهازية لا تفكر إلا فى نفسها فقط. وعن كيفية الرقابة على دور العبادة التى تحدث فيها هذه الأمور يستكمل بيتر نجيب حديثه قائلاً: إذا حدثت أية مخالفات فى أى دار عبادة فعلى المراقبين على الانتخابات سرعة اتخاذ الإجراءات اللازمة لمعاقبة من قام بهذه المخالفة، وهذا سار من بدء إعلان الترشيحات إلى يوم الانتخابات نفسه، وعلى المجلس العسكرى أن يضرب بيد من حديد كل من يتجاوز فى هذا الشأن، فعليه أن يعاقب كل من استخدم داراً من دور العبادة فى الترويج لدعايته الانتخابية، لأن الخطأ حدث والعقاب واجب ويجب على الحاكم أن يقوم هو بالمعاقبة حيث إنه مسئول مسئولية كاملة عن البلاد. البابا شنودة للمرشحين الأقباط:لا تستغلوا الكنائس فى دعايتكم الانتخابية حذر البابا شنودة الثالث بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية بالعباسية المرشحين للانتخابات البرلمانية القادمة من استغلال الكنائس فى الدعاية الانتخابية مؤكدا على مبدأ: عدم خلط الدين بالسياسة.. ومن الجدير بالذكر أن عدد الأقباط المرشحين للانتخابات قد وصل إلى 91 قبطيا فى عدة قوائم مختلفة.