شبعنا كلاماً عن «عجلة الإنتاج» فى بر مصر المحروسة حماها الله. صحيح أن العجلات أشكال وألوان ولعل أشهرها تلك «العجلة» أو «البسكليتة» التى كنا نستأجرها ونحن أطفال، فقد كانت هى تسليتنا الوحيدة فى ذلك الزمن! وانتهى «زمن العجلة»، كما انتهت المراجيح والزقازيق والأستغماية، لكن بقيت أشهر عجلة فى التاريخ المصرى حتى الآن وهى «عجلة الإنتاج». سنوات طويلة ونحن ندمن الكلام عن عجلة الإنتاج، وحتمية دفعها - أو زقها - إلى الأمام، ولطالما حذر الخبراء وأهل الاقتصاد وربما أهل الهمبكة من بطء أو توقف عجلة الإنتاج! لا تخلو صحيفة أو مجلة أو برنامج تليفزيونى من الكلام عن عجلة الإنتاج وكل ما يرتبط بها، والكل يؤكد أن عجلة الإنتاج ليست بعافية أو صحة جيدة أمس واليوم وغداً - وخاصة اليوم والمؤكد غداً، والكل يتمنى لها الشفاء العاجل واستعادة صحتها التى كانت! وحتى يتحقق ذلك الأمل - بالعمل - لا بالكلام، وجدت نفسى أسرح وأهنئ فى سرى ذلك العبقرى الذى اخترع هذا المصطلح «عجلة الإنتاج» الذى صار يحكم حياتنا كل هذه السنوات عمال على بطال. ولا أدرى لماذا يتجاهل عباقرة الكلام وخبراء التحليل أنواعا أخرى من العجلات لا تقل أهمية عن عجلة الإنتاج. هل تحدث أحدهم عن «عجلة الصحافة» أو «عجلة الديمقراطية» أو «عجلة المواطنة»، نعم يتحدثون نفس الكلام، مجرد كلام، إنهم يقولون؟ ماذا يقولون؟! دعهم يقولون! إنها أيضاً عجلات صحتها ليست على ما يرام وتحتاج للدفع أو الزق إلى الأمام حتى تنصلح أحوال العباد والبلاد. كيف ولماذا ومتى انتقلت أمراض «عجلة الإنتاج» إلى «عجلة الصحافة»، بكل هذه الفهلوة والأكاذيب والخيالات والخبطات الوهمية الكاذبة، وكيف أصبحت «عجلة المواطنة» مجرد عناق شيخ جليل مع قس جليل وكفى الله المؤمنين شر أى شىء! وكيف أصبحت عجلة الديمقراطية تحمل كل هذا الكلام الفاضح والفادح عن الرأى والرأى الآخر، وساعة الجد لا أرى إلا رأيى، ولا كلام إلا كلامى، ولا اجتهاد إلا اجتهادى!! لكن والحق يقال هناك عجلات أخرى تسير من حسن إلى أحسن، وتنمو وتزدهر وتكسب كل يوم أرضية جديدة من القراء والمشاهدين منها مثلا «عجلة المواءمة» بين الآراء الفاسدة وبعضها، بين المواقف العنترية وبعضها، بين أهل الدستور أولاً وأهل الانتخابات أولاً. هناك أيضاً «عجلة النفاق» الكل ينافق الكل، المسئول والمواطن، كنا ننافق النظام خوفاً ورهبة، فصرنا ننافق «عجلة 25 يناير» ولانزال، كنا ننافق رئيساً واحداً وحزباً واحداً، فأصبح النفاق الآن مفتوحاً على البحرى، نفاق لأغلب من ينتوون الترشح سواء لرئاسة الجمهورية أو حتى نفاق لمواطن بسيط لم يقرر بعد الترشح لمجلس محلى! هل لاحظتم - كما لاحظت - كيف يدور الحوار والهمبكة فى أى برنامج فضائى يبث على الهواء، تبدأ مداخلة المشاهد أو المشاهدة على النحو التالى: المذيعة: معانا اتصال! المشاهدة: أنا رشا من القاهرة، فى البداية عاوزة أشكرك على هذا البرنامج الرائع الديمقراطى، والحقيقة أن حضرتك مثال للمذيعة الجميلة الذكية الشاطرة الواعية التى تناقش الموضوعات بكل جدية وعمق، وكمان عاوزة أشكر ضيوفك الكرام لأنهم أثروا الحلقة بكلامهم الرائع الجميل! المذيعة: أشكرك على هذه التحية وأهلا بمداخلتك! المشاهدة: عاوزة أعرف من حضرتك إزاى أعمل طاجن العكاوى، وكمان ياريت تشرحى طريقة عمل الشكشوكة وشكراً!! المذيعة مندهشة وواجمة: بس إحنا برنامج «رأى آه ورأى لأ» وكان موضوع الحلقة «حقوق الإنسان فى القرن الخامس الميلادى»! المشاهدة: ما هو كله كلام وطبيخ، بس البرنامج هو اللى اتصل بينا أنا مااتصلتش بحد! المذيعة مذهولة ومكسوفة: عموماً إحنا اتشرفنا بمعرفتك واتصالك طيب إيه رأيك فى مقولة «أن الإنسان حيوان سياسى»؟! المشاهدة بعصبية ونرفزة: خليكى مذيعة محترمة أنا مش حيوانة سياسية! المذيعة تضحك قائلة: واضح إن المواطنة مش فاهمة السؤال!!» ويبدو لى، وأظن إن كلنا أصبحنا هذه المواطنة الفاضلة، فهل صحيح أن الإنسان حيوان سياسى!!