بالتأكيد هناك فرق بين من واتته الجرأة ليخوض غمار الامتحان ليخلع عن نفسه رداء الشبهات ويستبدله برداء الشفافية الذي خلعه عليه صندوق الانتخابات وإرادة الناخبين. وفرق بين من تردد وتمسك بنفس الرداء والمنصب علي اعتبار أنه صاحب حق فيه ضارباً عرض الحائط بإرادة الجموع الراغبة في التغيير وإرساء مبادئ ديمقراطية الجامعة. وبالتأكيد أيضاً هناك فرق بين نجاح ونجاح.. فما أحلي الرجوع إليه (المنصب) ولكن عبر صندوق الانتخاب فهو نجاح له مذاق آخر. بعد (17) عاما غياب عن رحاب الجامعة بتهمة إفساد الحياة الجامعية بالشللية والتربيطات.. عادت مرة أخري بفعل ثورة مجيدة أسقطت كل التابوهات علي مدار الأسبوع الماضي دقت ساعة الجامعة لتدب فيها روح جديدة تُعلي مبدأ الحرية والنزاهة والشفافية في الاختيار. وبعد أيام من ممارستها أستطيع القول أن المبدأ نجح وليس الأشخاص حتي لو أفرزت التجربة عن عودة معظم العمداء السابقين إلي أماكنهم مرة أخري طالما أن الرجوع كان عبر صندوق الانتخاب الشفاف فلا غضاضة والكل يقبل بهذه النتيجة حتي المعارضين والمطالبين بالتغيير لأن أعلي أصوات المعارضة لم تكن تطالب بالإقصاء التام بقدر ما كانت تطالب بإرساء مبادئ الديمقراطية والترشح حق للجميع. ولكن سنوضح الفارق في الصورتين في الجامعة.. يطرح التساؤل نفسه: ماذا يريد المتمسكون بمناصبهم في الجامعة سواء عمداء أو رؤساء الجامعات؟! وهل أضير من احترموا ذاتهم ورغبات الآخرين وانسحبوا تاركين الساحة لتجديد الدماء؟ أو بمعني أصح من هو الخاسر؟ بالتأكيد.. الرابح هو من احترم إرادة الآخرين.. حتي لو لم يرشح نفسه في الانتخابات مرة أخري، أما من خاض التجربة ونجح فمكسبه مُضاعف فقد عاد لمنصبه، لكنها عودة المنتصر بعد أن طهر سيرته من شبهة اختيار سلطة أو أمن دولة وأعلي من قيمته العلمية والأستاذية. ونستطيع أن نُفصل أكثر من خلال تجربة جامعة القاهرة التي استقال فيها رئيسها د. حسام كامل وثمانية عمداء للكليات.. عاد منهم خمسة إلي مناصبهم انتخاباً في تجربة لم يطعن في نزاهتها وتليق بعراقة جامعة القاهرة. وهناك إعادة في ثلاثة أماكن هي الزراعة والطب ومعهد الأورام. - رئيس جامعة القاهرة مرة أخري وبصوت يملؤه الفرح أجابني د. حسام كامل رئيس جامعة القاهرة المستقيل من منصبه رداً علي سؤالي عن شعوره بعودة خمسة عمداء إلي مناصبهم مرة أخري بالانتخاب وماذا عن ترشيحه علي مقعد رئيس الجامعة مرة أخري قال: بالتأكيد نتيجة الانتخابات أياً كانت تحترم ولكن ما أسعدني أكثر بها هو كونها جاءت تأكيداً لصحة اختيار هؤلاء العمداء من قبل لأنهم لم يأتوا لمناصبهم بتبعية لنظام أو لأمن دولة، فبالتالي فإن اختيار زملائهم لهم هو تأكيد للأسس الصحيحة التي تم اختيارهم علي أساسها. والملحوظة الأخري التي أفرزتها تجربة الانتخاب هو عدم فوز أي من الإخوان أو السلفيين أو حتي جماعة9 مارس. فالاختيار كان خالصاً لوجه الله ولمصلحة الجامعة بغض النظر عن التيارات أو الأحزاب فيما يهمني أن تتم الانتخابات فعلاً بشفافية وفي جو يليق بالجامعة ،أما بالنسبة لترشحي فلم أحسمه بعد وسأنتظر نتيجة المجمع الانتخابي يوم الخميس المقبل. - المكسب مضمون الدكتورة ليلي سويف الأستاذ بكلية العلوم جامعة القاهرة وعضو جماعة 9 مارس تقول رداً علي صدي عودة خمسة عمداء لمناصبهم مرة أخري بالانتخاب قائلة: بالتأكيد هناك مكسب من وراء هذه العملية حتي لو تم انتخاب نفس العمداء - فالعميد المنتخب يختلف في الإدارة عن العميد المعين.. فالأول يعرف تماماً أنه جاء بإرادة زملائه الناخبين وأنهم مراقبون ومشاركون معه في أي قرار فهو مطالب بإدارة مختلفة وأنا رأيت ذلك في برامج كل المرشحين في الكليات فالكل يؤكد علي جماعية القرار والشفافية، والحقيقة أننا حتي لو جئنا بأكثر الناس شورية في هذا المكان بدلاً من هؤلاء وأعطيناهم سلطات مطلقة سيديرها بالأسلوب القديم. أما عن المشكلة التي ظهرت في هذه الانتخابات هي غياب جيل الأساتذة ما بين «25 - 55» سنة فأغلب أساتذة الجامعة الآن إما فوق ال60 أو شباب صغير السن لم تتح له الظروف المادية والحياتية فرصة الترقي للحصول علي الأستاذية. - نموذج للاحترام هناك أيضاً فائزون رغم أنهم لم يخوضوا تجربة الانتخابات بترشيح أنفسهم لكنهم تنازلوا وتركوا الساحة للآخرين وآمنوا بأهمية التجربة وساعدوا علي نجاحها.. هؤلاء كسبوا بلا شك احترام الآخرين ومنهم علي سبيل المثال الأستاذة الدكتورة لميس رجب التي ضربت المثل في كل شيء في التفاني في العمل من أجل صالح الكلية منذ كانت وكيلة للكلية قبل توليها العمادة في مارس الماضي.. وكذلك خاضت تجربة صعبة للغاية عقب الثورة في الكلية سواء علي مستوي التدريس والطلاب والمرضي والعلاج. ومع ذلك بادرت باستقالتها رغم رفض مجلس الكلية لتلك الاستقالة وتمسكهم بها.. إلي حد أنهم أرسلوا في اجتماعهم الأخير توصية ببقائها في منصبها.. بل أرسلوا إليها بباقة شكر وعرفان في جريدة الأهرام هذا الأسبوع وامتلأت صفحات الفيس بوك التي أنشأها الأساتذة تحت عنوان «من تنتخب عميداً لكلية الطب» وفيها أجمل عبارات الاحترام والتقدير لدورها في الكلية ولشخصها المحترم لذاته. ورغم أن المرشحين في الكلية بلغوا «15» مرشحا.. إلا أنها سارت في جو من الهدوء والديمقراطية الرائعة.. وانتهت من كتابة هذه السطور بالإعادة بين د. عصمت شبيه أستاذ الباطنة بالكلية وكذلك د.حسين خيري أستاذ جراحة الأوعية. - صورة أخري علي النقيض من هذه الصورة جاءت الانتخابات في جامعة عين شمس الذي مازال يتمسك رئيسها بمنصبه ويرفض مغادرته تماماً بل يرفض استقالة أي عميد آخر في الجامعة والانتخابات لم تجر إلا في كليتين وهما الزراعة والتربية لانتهاء مدة عمادة كل منهم وعميد كلية الألسن انتهت مدته فقام رئيس الجامعة بالمد له حتي لا يترك منصبه. وحتي كتابة هذه السطور لم يتقدم أي مسئول في جامعة عين شمس باستقالته حتي شائعة استقالة عميد كلية الطب لم تثبت ولم تجر في الكلية أي مظاهر للانتخاب. ويؤكد د. خالد سمير المتحدث باسم ائتلاف أساتذة الجامعات أن إضراب أساتذة الجامعات المصرية سينطلق في موعده في أول أكتوبر من جامعة عين شمس أول الجامعات الرافضة للتغيير ويسبقها أيضاً وقفة احتجاج يوم الثلاثاء القادم في الجامعة ضد رئيسها وباقي قيادات الجامعة الرافضة لمغادرة مناصبها، ويضيف: غير منطقي أن تجري انتخابات في كليتين فقط من كل الكليات الموجودة في الجامعة؟ قلت للدكتور خالد ألا تخشي من رد فعل الناس في الشارع علي إضراب أساتذة الجامعة كما حدث مع إضراب المعلمين فقال: هناك فرق فالمدرس المجتمع ثار عليه لكن احنا الطلبة أساساً مقررين المشاركة في الإضراب معنا وكذلك الموظفين والعاملين وحتي التمريض في المستشفيات الجامعية فالإضراب سيستمر حتي يترك رئيس الجامعة مكانه وهو المعروف بسوابقه التاريخية في حرم الجامعة. نريد كل جامعاتنا مثل جامعة القاهرة التي ضربت المثل حينما استقال رئيسها وكثير من عمدائها طواعية وعن إمكانية عودة العمداء السابقين لأماكنهم بالانتخاب قال: ليست مشكلة مادام نحتكم للصندوق.. فهذه النتائج تحترم مادامت تجري بنزاهة وليست بشروط تعجيزية.