تضاربت مشاعر المصريين وتناقضت وهم يشاهدون حاكمهم ورئيسهم لمدة ثلاثين عاما خلف القضبان وداخل القفص فى جلسة محاكمته الأولى.. ليس هو فقط ولكن هو وابنيه ورموز نظامه ليحاكموا جميعا على بعض ما اقترفوه فى حق هذا الشعب الذى عانى كثيرا من الظلم والفساد والاستبداد.. المشاعر تباينت ما بين العدل والرحمة.. العدل الذى يجب أن يأخذ مجراه وينال كل مذنب عقابه بالقانون.. والرحمة التى هى أقرب إلى الشفقة برئيس سابق تعدى الثمانين من عمره عاش أكثر من 30 عاما رئيسا والحاكم بأمره دون نقاش أو جدال.. رئيس كان له دور مهم فى حرب أكتوبر.. حرب التحرير والكرامة.. ولكن هيهات. إن لحظة وجود مبارك فى القفص وخلف القضبان حتى ولو على سرير مستشفى هى بالطبع لحظة فارقة فى تاريخ مصر.. بل فى تاريخ الشعوب جميعا.. لحظة قلما نعيشها ونحياها.. وكنا نشك أنه سيأتى يوم ونعيش فيه هذه اللحظة حتى بعد الثورة.. حتى وبعد أن أحيل مبارك إلى المحاكمة كانت الناس غير مصدقة أن مبارك سيحاكم.. وأن ما يحدث تمثيلية ووقتها كتبت أن الجيش الذى حمى الثورة ووقف إلى جانبها من اللحظة الأولى هو الضامن لأن تجرى محاكمة عادلة لمبارك. لقد تباينت المشاعر فعلاً فى هذه اللحظة الفارقة.. وإن كان الرجل. مبارك لم يتعظ بأكبر موعظة وهى الموت.. الموت الذى رآه لحظة اغتيال الرئيس الراحل أنور السادات.. وكان مبارك أقرب الجالسين بجواره كتفا بكتف.. وجنبا بجنب.. وكانت نهاية السادات مدوية لأنه طغى وتجبر.. ووضع مصر كلها فى السجن.. أما مبارك فلم يتعلم الدرس.. ولم تردعه الموعظة.. وظل يحكم طوال 30 عاما.. ولم يكتف بذلك بل سلم نفسه لمهاوييس التوريث الذى حتما جاء على هواه حتى لا يفتح أحد الملفات.. ويكشف الفساد الذى استشرى 30 عاما.. كان الله رحيما بالسادات بموته.. ولكن الله مد فى عمر مبارك ليلقى وبال أمره.. ويكون عظة وموعظة لأى حاكم يأتى من بعده ويترك نفسه لهواه ولا يحكم بالعدل.. ولا يرعى حقوق شعبه ووطنه.. ويكون ابنه عنده أغلى من مصر التى ضحى الشهداء من أجلها ومن أجل حريتها وكرامتها. وأخيرًا.. إن مصر تحاكم رئيسها بالقانون الطبيعى وبالقاضى الطبيعى، ولذا ليس من الطبيعى أن نشكك فى نزاهة النائب العام الذى وضع مبارك فى السجن.. ونقول إنه من صنائع مبارك.. وأيضا.. إن الذى ضمن حق الثورة والشعب فى محاكمة مبارك محاكمة عادلة هو الجيش.. والمجلس الأعلى للقوات المسلحة.. لذا أيضا لابد ألا نستسلم لمحاولات الوقيعة وإحداث الفتنه بين الشعب وقيادته العسكرية بدعوى أن المشير كان مشاركا فى عملية قطع الاتصالات يوم 25 يناير.. فهذه محاولات رخيصة وفتنة يراد بها إحداث الانقسام بين الجيش والشعب.. أظن أن ما تحقق.. ومشهد مبارك فى القفص هو ونجليه يعد أكبر رد على المشككين فى نزاهة قضاء مصر... وجيش مصر فهما الحصن الآمن لنا الآن. رئيس التحرير