قتل الثوار أبسط جريمة يحاسب عليها و»البلاوي السوداء« لا تحصي يتحسس عبود الزمر يده.. وكأنه يتأكد من نبضبه وانه يعيش بالفعل هذه اللحظة..! في شقة صغيرة بأحد الشوارع الجانية من شارع الملك فيصل بالهرم جلس عبود الزمر أحد القيادات التاريخية للجماعة الاسلامية ليتابع صباح امس امام التليفزيون وقائع محاكمة الرئيس السابق حسني مبارك ونجليه ووزير الداخلية واعوانه وآخرين. لحظة من التاريخ. عبود الزمر الذي لم يعش ثانية واحدة من الحرية في عهد مبارك.. فقد دخل السجن صبيحة تولي مبارك مقاليد السلطة وقضي به ثلاثين عاما منفذا حكم المؤبد في اتهامه باغتيال السادات ومدد مبارك للزمر فترة العقاب اعتقالا، ولم يخرج منه الا بعد سقوط مبارك ونظامه عقب ثورة 52 يناير.. من هنا كانت المفارقة وحتمية زيارة »الاخبار« لمنزل عبود الزمر لتقضي معه اللحظات التاريخية.. مصر تحاكم رئيسها المخلوع.. ولأول مرة في التاريخ. لم يغب عن عبود الزمر في هذه اللحظة ابن عمه وشريكه في القضية الكبري طارق الزمر، جلس الاثنان مع رجل سبعيني قدمه عبود الزمر بأنه حماه ليتابعوا جميعا لحظة دخول حسني مبارك قفص الاتهام.. لحظة فجرت ينابيع المشاعر المتداخلة والمتلاحمة داخل عبود الزمر احد اشهر المساجين السياسيين في عصر مبارك.. لحظة لا يكاد يصدقها عبود الزمر. راح يكلم نفسه كثيرا ويحدث من حوله احيانا، وينظر الي الشاشة غير مصدق لما يري.. واكتفينا بتحريك جهاز التسجيل لانطباعات عبود الزمر وهو مطلق الحرية بينما مبارك في القفص: بعدت عنه! ياااااه.. من رحمة ربنا بي انني لم اعش لحظة واحدة حرا مع مبارك، والا كنت سأبقي مسئولا عن ضرورة المقاومة المباشرة معه وله.. ويضيف عبود الزمر بصوت يعلو مع مشهد دخول مبارك الي قاعة المحكمة محمولا علي سرير طبي: سبحانك يا ربي.. تعز من تشاء وتذل من تشاء.. هذه آية من آيات الله سبحانه وتعالي. محاكمة مبارك وأين؟ في اكاديمية الشرطة التي تم استجوابي بها في عام 1891 بعد جلسات النيابة العامة للتحقيق معنا في القضايا المنسوبة إلينا آنذاك، صحيح ان مقر الاكاديمية ليس هو، لكن رمزية المكان ايضا لها دلالة وعبرة وعظة.. المكان الذي بناه العادلي وافتتحه مبارك وحمل اسمه هو نفس ساحة القصاص العادل منهما اليوم. عدالة السماء كنت علي بينة أم الله سيعاقبه.. هكذا يقول عبود الزمر عن مبارك مضيفا: هناك احاديث نبوية تجزم بأن اسرع ما يعاقب عليه العبد من ربه هو البغي وعقوق الوالدين. وكان مبارك باغيا علي شعبة. ظلم الكثيرين. وافسد وشرد ونكل، لذا كان كل مؤمن يثق في ان الله سيعاقبه علي بغية، لكن هل لدرجة ان اعيش لأري هذا بنفسي وبعين رأسي. هذه آية من عند الله ونحن في شهر رمضان الكريم. ينصت عبود الزمر وهو يتابع عريضة الاتهام الموجه الي مبارك في قضية قتل الثوار.. ويعلق: هذه قضايا بسيطة، بل لعلها ابسط واقل ما يمكن ان يحاكم عليها مبارك ونظامه، هو اجرم في حق شعبه من ناحية الصياغة النفسية له والقهر للشعب واشاع الفساد في كل مناحي الحياة.. افسد التعليم والصحة ونشر الفيروسات والسرطانات في الاغذية وكان هناك الفساد السياسي الذي يمكن لاهل السياسة تكييفه، وعمل علي الانفلات الاخلاقي والانهيار السلوكي بعد الانفتاح علي الغرب دون حساب واضعف البنية السياسية للوطن والمواطن، وافقر الشعب واهان الدولة وعمل علي تقزيم مكانة مصر وحجمها عربيا ودوليا واضعف اقتصادها وجوع ناسها واهدر حقوق الانسان وحرم الشباب من المسكن والملبس وحق العمل المناسب الكريم. كان مبارك حريصا دوما علي تجويع الشعب وكما كان ينصح رؤساء دول عربية في شمال افريقيا: »جوعوهم.. تأمنوهم«.. يعني كان يعتمد الفقر والجوع نهجا حتي يأمن غضبة الشعب أو تفكيره في السياسة، كان تفكيره القاصر ان الناس لو شبعت تتكلم في السياسة.. فكان حريضا علي ان يضيق علي الناس لغاية مارأينا اليوم الذي ضيقها عليه في قفصه.. لا شماتة لا أحب التشفي - اللهم لا شماتة - هكذا يتذكر عبود الزمر التسامح وهو يسبح علي مسبحته.. متابعا مشاهد المحاكمة التاريخية ويقول ناظرا الي مبارك: احب الخير للناس، وكنت اتمني له ان يتوب قبل هذه اللحظة التاريخية، لكنه لم يتعظ ولم يعتبر من وفاة حفيده، ولم تؤثر فيه شكوي واحدة من مئات بل ربما الاف الشكاوي التي كنا نرسلها له ونحن في السجون مقيدي الحرية، ندعو باسم وارواح الاموات الذين لقوا ربهم وهم في السجون يضربون، ندعوه ان يتقي الله ويرحم العباد، لكنه لم يعتبرمن هذه كله.. كان يعطي تعليماته دوما بالتعذيب. ويضيف عبود الزمر: العفو والصفح من قيم الاسلام وشيم المؤمنين، لكن هذا الحق اليوم هو لأصحابه وليس لنا، هذا الحق هنا هو لاهل شهداء ثورة يناير، هم ولاة الدم، هناك أرواح زهقت واسر نكبت، ليس لاحد حق التحدث باسمهم أو التفريط في حقهم، لكنني لست مع التشفي، لكن ليس بيدي العفو عنه كما انه ليس لي طلبات منه. محاكمة عادلة في نفس المنطقة بفيصل، قبل نحو ثلاثين عاما، كانت قوات الامن تلاحق عبود الزمر للقبض عليه في قضية اغتيال السادات وهو نفس المكان الذي يجلس فيه الآن عبود يتابع محاكمة مبارك، ويتذكر الزمر هذا ويقول : يوم 41 أكتوبر 1891 عندما تولي مبارك الحكم كنا في سجن القلعة نعذب وينكل بنا. واستمر حبسنا طوال عهده فالحمد الله لم يكتب لنا ان نعيش لحظة واحدة من الحرية في عهده. لكن هل تؤيد محاكمة مبارك امام محكمة جنائية ام كنت تفضل محاكمته عسكريا. يرد سريعا عبود الزمر وهو يتأمل مشاهد المحاكمة علي الشاشة: القضاء يأخذ مجراه، ولا اتمني له المحاكمة العسكرية او الاستثنائية رغم انه هو اكثر من توسع في استخدام هذه المحاكمات غير الطبيعية سواء امام امن الدولة طواريء أو الحاكم العسكرية، لكنني لا احب ان يضار احد مما اضرني به.. وكونه اجرم في حق شعبه يحاكم اعتياديا وامام قاضيه الطبيعي. »ولا يجر منكم شنآن قوم علي ألا تعدلوا«.. لقد غضبنا حين حاكمونا عسكريا وامام امن الدولة طواريء، فلا يجب ان نتمني لاحد ما كرهناه لانفسنا، دعوه يحاكم امام قاضيه الطبيعي، ويأخذ حقه في الدفاع عن نفسه حتي لا تتعرض القضية للنقض والنقد من المجتمع الدولي وبما يسهم في ان نستعيد حقوقنا في الخارج. احنا عايزين فلوسنا. يتذكر عبود الزمر مشاهد طويلة من السجن وهو ينظر الي ابن خالته طارق الزمر قائلا: لكل ظالم نهاية، ونتمني ان يتعظ مما يجري الان كل الحكام العرب، ويتوقوا الله في شعوبهم. تسود حالة من الهرج وتتعالي الاصوات في قاعة المحكمة فيقول عبود الزمر: نتمني وا هادئا في المحكمة ولا تمارس اي ضغوط علي القاضي حتي يأخذ العدل مجراه، واذا كان للمتهم حق الدفاع عن نفسه فان هناك ارواح شهداء لها حقوقها التي لا يجب ان تهمل أو تهدر. وما ان تظهر علي الشاشة صورة جمال مبارك حتي يعلق عبود الزمر: انه طمع التوريث والرغبة في استعباد الناس وقهر كل معارض أو صاحب رأي انها الاستهانة بالناس التي اوصلتهم اليوم الي هذه اللحظة، لقد اصدرنا بيانا مبكرا نساند فيه وندعم ثوار ميدان التحرير، ونحن من محبسنا كنا معهم، وقت ان كان هناك كثيرون يعزفون عن ابداء آرائهم انتظارا لما يحدث، لكننا سارعنا بالموقف، وساندنا المجلس العسكري منذ اللحظة الاولي وثمنا موقفه مع الشعب.. يقطع عبود الزمر كلامه علي اثر ثورة حبيب العادلي وهو في القفص ليقول عبود: اه الساعد الايمن لمبارك، لقد احتفظ به لنحو 51 عاما كان خلالها يقهر كل رأي ويظلم ويبطش ويقتل، حتي جاءت لحظة القصاص هذه، انها آية من عند الله. يرفض عبود الزمر تفسير البعض لمحاكمة مبارك بالتمثيلية ويقول المجلس العسكري كان صادقا في وقفته الوطنية مع الشعب، وليس هناك ما يمنعه من اقرار العدل والقصاص لشهداء الثورة. هذه ارواح لا يملك احد حق التفريط فيها.. هي من عند الله.