العالم يتغير.. والاقتصاد العالمي يتجه شرقا والتغير هو إحدي نتائج الأزمة المالية العالمية منذ عام 2008، واليوم لندن ومؤسساتها وهيئاتها المالية وبنوكها تتجه أيضا شرقا لإيجاد حلول لدعم اقتصادها.. ولتخفيف حدة التقشف المالي الذي تطبقه الحكومة الإنجليزية والتركيز علي الشرق الأوسط، وخاصة الخليج العربي حيث السيولة المالية من خلال تصدير الخدمات المالية وخاصة المعاملات المالية الإسلامية وأيضا الخدمات التعليمية والرعاية الصحية. بريطانيا.. مازالت بعيدة عن الأزمات المالية والاقتصادية التي تضرب منطقة اليورو منذ بداية الأزمة المالية العالمية في 2008، ها هي اليونان تترنح رغم محاولات إنقاذها من الاتحاد الأوروبي، وإسبانيا وإيطاليا علي الطريق تعانيان من المشاكل المالية والاقتصادية، ولكن بريطانيا لم تنضم للعملة الموحدة اليورو، ورغم ذلك طبقت الحكومة البريطانية سياسة تقشف واسعة النطاق في بريطانيا، أثارت جدلا بين الأوساط المالية والنقابات وأصحاب المعاشات، وقدمت الحكومة البريطانية موازنة تقشف بدأت من يوليو الماضي، قدمت خلالها بعض التنازلات أمام تنامي الرفض الشعبي لسياسة التقشف، لهذا وعدت الحكومة الإنجليزية بمساعدات مثل تبسيط الإجراءات الإدارية لإنشاء شركات أو تقديم مساعدات لشراء عقارات وتجميد الضرائب علي وسائل النقل وتخفيضها علي الوقود، خاصة بعد أن أعلن جورج أوزبورن وزير المالية البريطاني أمام البرلمان أن الحكومة قررت إلغاء 490 ألف وظيفة في القطاع العام بحلول عام 2015، بهدف خفض النفقات العامة مما يوفر 83 مليار جنيه استرليني بالإضافة إلي 30 مليار جنيه استرليني من رفع الضرائب، وبذلك يتم خفض العجز في الموازنة من 10% إلي 1,1% تقريبا في عام 2014-2015. • قدرات وبسرعة تحركت الحكومة الإنجليزية ومعها القطاع الخاص البريطاني لإيجاد بدائل لدعم وتنشيط الاقتصاد البريطاني، وبعد دراسة وجدوا أن لديهم قدرات هائلة في ثلاثة قطاعات يمكن تصدير الخدمات منها للأسواق العالمية وهي الخدمات المالية بما فيها خدمات التمويل الإسلامي والرعاية الصحية والخدمات التعليمية، ومن أهم الأسواق التي يمكن أن تستفيد من هذه الخدمات هي منطقة الشرق الأوسط، وخصوصا منطقة الخليج العربي التي تتميز بالسيولة المالية. وفي لقاء مع روي بتشلر البروفيسور في الشئون البنكية والمالية ومدير برنامج الماجستير التنفيذي في مدرسة كاس للبيزنس أشار إلي ضرورة سياسة التقشف واستقطاع المصروفات العامة وزيادة الضرائب وتقليص حجم المديونية العامة، وهو ثمن تدفعه بريطانيا حتي لا تتعرض بريطانيا لأزمة مثل اليونان، وأشار إلي نسب النمو مازالت ضعيفة لا تتجاوز 5,1% ولكننا كبريطانيا ربحنا لأننا لسنا في منطقة اليورو التي تعاني بشدة، أيضا ربحنا من انخفاض قيمة الجنيه الاسترليني مما ساهم في زيادة الصادرات البريطانية، ودائما تحاول بريطانيا تصدير خبراتها من السلع، ولكن اليوم تتجه أيضا لتصدير الخدمات مثل السياحة وأيضا الخدمات المالية وعلوم الحياة والتعليم لتحسين الفائض المالي والتجاري. • تسويق وكلام البروفيسور بتشلر يشير إلي التوجه الجديد لبريطانيا لتصدير الخدمات المتميزة إلي البلدان الأخري في ظل امتلاكها قدرات ومهارات وإمكانيات هائلة، لهذا تتبني حاليا الحكومة البريطانية مبادرة لرفع مستوي علاقاتها مع بلدان الشرق الأوسط وزيادة التجارة والاستثمار وتوسيع التعاون ليشمل المجالات الثقافية والرياضية والسياسية والخارجية وتحتل دول الخليج أهمية كبيرة لدي المملكة المتحدة. فهناك 160 ألف مواطن بريطاني يعيشون ويعملون في منطقة الخليج ووصل حجم الصادرات البريطانية لدول الخليج 15 مليار جنيه استرليني سلعا وخدمات خلال العام الماضي، وهو ما يعادل صادرات الصين والهند معا لدول الخليج، ويصل حجم الاستثمارات الخليجية في بريطانيا 25,2 مليار دولار العام الماضي لهذا ترغب بريطانيا في أن تكون دول الشرق الأوسط هي الشريك المفضل، حيث تري أنها تمتلك خبرات كبيرة يمكن أن تستفيد منها دول الشرق الأوسط، وأيضا لجذب استثمارات الخليج إليها ويقدم مشروع بوابة لندن نموذجا ناجحا للاستثمار في بريطانيا وبوابة لندن تديره موانئ دبي العالمية. وهو أكبر مشروع استثماري من نوعه هناك وتكلف 5,1 مليار جنيه استرليني وهو عبارة عن ميناء للحاويات في عرض البحر ومركز للخدمات اللوجستية عالمية المستوي ويعتبر المشروع بنية تحتية جديدة للنقل ورصيدا حقيقيا لبريطانيا، يوفر إمكانية خدمة الجيل القادم من أكبر سفن الشحن في العالم من خلال ميناء في عرض البحر. • تنوع ! أما بالنسبة لمصر، فبريطانيا أكبر مستثمر أجنبي تراكمي في مصر، ويعد قطاع البترول والغاز جزءا كبيرا من الاستثمارات الإنجليزية في مصر، وتقدم الشركات الإنجليزية حوالي 40% من إنتاج البترول المصري، وأكثر من 40% من إنتاج الغاز، وتتنوع باقي الاستثمارات وتشمل الخدمات المالية والسياحة والأدوية، والاتصالات اللاسلكية والمنسوجات والسلع الاستهلاكية ومبيعات التجزئة، وهناك شركات تعمل في مصر منذ سنوات طويلة مثل فودافون وباركليز وبريتيش بتروليام، ومجموعة بريتيش جاز، وبنك (إتش إس بي سي) واسترازينيكا وجلاكسو ويونيليفر وفي عام 2010 زادت الصادرات البريطانية لمصر بنسبة 20% لتصل إلي 5,1 مليار جنيه استرليني أغلبها ماكينات ومعدات صناعية وخامات ومعادن ومنتجات متعلقة للبترول وأيضا كيماويات وأدوية، بينما بلغت صادرات مصر لبريطانيا 673 مليون جنيه استرليني بزيادة 3% وأهم الصادرات المصرية الملابس الجاهزة واكسسوارات الملابس والفاكهة والخضروات والماكينات والأجهزة الكهربائية ومعدات أخري. • الخليج! وتعد الخدمات المالية هي أهم القطاعات التي سيعتمد عليها الاقتصاد البريطاني لتحسين الفائض المالي والتجاري خلال الفترة القادمة وخاصة التمويل الإسلامي والذي يناسب الفكر السائد في الخليج، حيث دأبت بريطانيا علي تقديم الخدمات المالية الإسلامية منذ أكثر من 30 سنة، ولكن هناك عدة تطورات جعلت بريطانيا المركز الغربي المفضل لتوفير الخدمات المصرفية الإسلامية وتتلقي البنوك الإسلامية دعماً حكومياً لتشجيع ترسيخ عملياتها في لندن، وتم وضع أطر مالية وتنظيمية للمصارف الإسلامية منذ عام 2003 وبها عدة مميزات منها إزالة الازدواج الضريبي عن الرهون العقارية الإسلامية وتوسيع دائرة الإعفاء الضريبي للرهون العقارية الإسلامية بالنسبة للشركات وللأفراد أيضاً، وإصلاح الإجراءات الخاصة بإصدارات الديون، حيث تعامل العوائد ودفعات الدخل وكأنها فوائد، وذلك جعل مدينة لندن موقعاً جاذباً لإصدار الصكوك وتداولها، ويوجد حالياً 22 مصرفاً تقدم خدمات إسلامية في بريطانيا منها 5 مصارف مستقلة ملتزمة بالشريعة الإسلامية، والبنوك الخمسة تم تأسيسها في أعقاب الأزمة المالية العالمية عام 2008 ومنها بنك جيت هاوس وبنك سيتي UK وغيرهما. وهي تقدم منتجات مالية إسلامية، مما جعل بريطانيا تتفوق علي أية دولة غربية أخري في هذا المجال، وهناك 5 صكوك مصدرة ومدرجة بسوق لندن للأوراق المالية عام 2010 وواحدة جديدة في أوائل 2011، مما رفع إجمالي إصدارات الصكوك المدرجة ببورصة لندن إلي 31 إصدارا إسلاميا بقيمة 18 مليار دولار وبلغت قيمة الأصول المجمعة للصناديق الإسلامية المدارة في بريطانيا 300 مليون دولار، وشهد سوق الخدمات المالية الإسلامية نموا بمقدار 10% عام 2009 ليبلغ حوالي تريليون دولار، وبلغ نمو السوق العالمية للمصارف الإسلامية وفق تقدير بنك سيتي UK بنفس المعدل عام 2010. • معاملات! وفي لقاء مع وين ايفانز أحد مسئولي بنك سيتي UK للمعاملات الإسلامية أشار إلي أن عمر البنك عام واحد ويشارك في تمويل البنك 156 هيئة من كبار شركات المحاماة والمحاسبة والاستشارات المالية والبنوك والمؤسسات المالية ومعظم البنوك الكبري والصغيرة والبورصات وشركات التأمين والشحن ونركز أولوياتنا علي دول الخليج وبعدها روسيا والبرازيل والهند وتمثل الخدمات المالية حوالي 10% من الناتج المحلي البريطاني ويعمل بها حوالي مليون شخص بريطاني دفعوا العام الماضي 61 مليار جنيه استرليني ضرائب دخل، ولدي البنوك هنا 150 مليون حساب بنكي رغم أن عدد السكان 60 مليون نسمة ونري أن قدراتنا كخدمات مالية ممكن أن تفيد دول الخليج العربي وخاصة في مجال التأمين. وأضاف ريتشارد توماس المدير التنفيذي لبنك جيت هاوس للمعاملات الإسلامية أن الحكومة البريطانية حريصة علي تغيير التشريعات لتناسب الاستثمارات الإسلامية وخلال الفترة الأخيرة ظهرت 5 بنوك إسلامية في لندن مدعومة برءوس أموال من مجلس التعاون الخليجي خاصة الكويت وقطر، وأصبحت البنوك الإسلامية موجودة في وسط الحي المالي في لندن والتجربة نجحت في لندن لأن سوق لندن سوق آمنة ومنفتحة، ولديها شفافية ورقابة عادلة والسياسات الحكومية ساعدت علي نمو وانتشار التمويل الإسلامي، وتغيير التشريعات ساهم في انتشار التمويل العقاري والسندات الإسلامية وأشار إلي أنه طلب منه إلقاء كلمة في البرلمان في فبراير الماضي بغرض أن يفهم أعضاء البرلمان ما هو التمويل الإسلامي ولدينا لجنة للشريعة الإسلامية في البنك هي التي تحدد ما يتوافق مع الشريعة أم لا، ونحن ملتزمون تماماً عكس بنك الاعتماد والتجارة الذي انهار في أوائل التسعينيات وكان يدعي أنه بنك ملتزم بالمعاملات الإسلامية، ولكن بعد انهياره ثبت أنه عملية خداع كبيرة. • العمدة! في الحي المالي في لندن يوجد مبني قديم أثري التقيت بداخله اللورد مايكل مايير عمدة الحي المالي في لندن، في البداية سألته عن طبيعة منصبه فقال أنا العمدة رقم 683 للحي المالي وهي وظيفة مدتها سنة واحدة وبدون راتب أو أجر أو مكافأة، وعمدة الحي المالي مطلوب منه زيارة 26 دولة خلال السنة وفي كل دولة يكون معه وفد من الشركات والمؤسسات المالية ويقدمهم لمسئول الدولة التي يزورها، وأضاف: أنا أسافر برتبة وزير وأعمل مع رئيس وزراء بريطانيا ووزير التجارة بفلسفة نطلق عليها الدبلوماسية الشعبية وأبحث خلال الزيارات للدول العديدة عن فرص لدعم التعاون مع الدولة المضيفة. • سألته عن سر نجاح لندن كمركز مالي عالمي؟ - أجاب اللورد مايير: لندن مركز مالي كبير بسبب توفر عدة عناصر منها وفرة المهارات لدينا، نحن في بريطانيا نملك أكبر عدد من أصحاب المهارات يأتون إلينا من كل دول العالم ونستوعبهم، لهذا يوجد أكثر من 30 لغة في الحي المالي ونوفر لهم أفضل إقامة ومدارس وعمل، وأيضاً لدينا بيئة تجارية مناسبة مثل الاستقرار والشفافية وعندما نسير في نزاع لابد من حل ولدينا أفضل وسائل لحل النزاعات الاقتصادية وأيضاً اللغة الإنجليزية باعتبارها لغة عالمية تساعدنا كثيراً، وأيضاً لدينا قانون عقود بسيط وممتاز وأيضاً نظام مراقبة صارم للمعاملات المالية ونظام ضرائب ربما يعاني مؤقتاً بسبب سياسة التقشف ورفع الضرائب إلي 50% ومع الوقت سيكون أفضل وسيعود 40% وأيضاً نمتلك البنية الأساسية «التحتية» مثل النقل وأفضل مباني مكتبية مجهزة منها القديم ومنها العصري التي تتميز بالتكنولوجيا العالية، وفي 2018 سوف تصبح لدينا وسيلة للانتقال من المطار إلي الحي المالي بالقطار لأنه أفضل للعمل أن يصل الموظف للعمل بسرعة ولا يرهق في زحام الطريق وأيضاً لدي لندن اتصال بالأسواق العالمية عن طريق الموانئ أو الطرق الإلكترونية وتتميز لندن أيضاً بأن لديها أفضل مكاتب محاسبة ومحاماة وممولين وخبراء مال ومصممين. وأضاف اللورد مايير إنه سوف يزور مصر في الفترة من 3-6 أكتوبر القادم ويجري تجهيزات لهذه الزيارة وسبقه وفد من شباب السياسيين، والهدف هو وضع أفضل الوسائل للتعامل مع مصر في المرحلة الانتقالية التي تعيشها حاليا بعد ثورة 25 يناير وأشار إلي أنه سفير مالي وتجاري وليس له في السياسة وأكد أن التبادل التجاري زاد بين مصر وبريطانيا 33% منذ أحداث يناير مما يؤكد عمق العلاقات مع مصر وأضاف: إن أول من زار مصر هو ديفيد كاميرون رئيس الوزراء لدعم مصر في هذا الوقت الحساس وهو الذي طلب مني الذهاب في أكتوبر المقبل لأن الأولويات تغيرت ولابد أن نتعرف علي الأولويات الجديدة.