يشغلني هذا السؤال، منذ صدور قرار التخلص من الخنازير، بعد انتشار الوباء المعروف باسم أنفلونزا الخنازير. يشغلني رغم أنني لست من الذين يأكلون لحومها أو يشتغلون بتربيتها أو لهم أي علاقة بالاستثمار فيها. يشغلني إلي حد أنه في الوقت الذي جرت فيه مذبحة الخنازير، بالطريقة الوحشية التي تمت بها، كما بدت في بعض اللقطات التليفزيونية التي شاهدناها، والقتلة يجهزون عليها ويكومونها في السيارات، تساءلت هل هناك تخطيط يا تري، للمحافظة علي سلالتها، ليمكن لنا استعادتها يوما، بعد انتهاء الوباء ولو بعد سنوات.. واطمأننت عندما صرح مسئول في الطب البيطري آنذاك، أننا نحتفظ في الثلاجات، بما يجعلنا نستعيد هذه الثروة الحيوانية عند اللزوم.. ولعل هذا التصريح يكون جادا وحقيقيا. ولاحظت آنذاك أن مصر، كانت البلد الوحيد الذي لجأ إلي هذا الأسلوب في مواجهة تلك الأنفلونزا. حيث شرح كثير من الخبراء، أنها تنتقل بين البشر، وليس عن طريق الخنازير. وحاولت أن أفهم، من الذي أصدر القرار، وما هي الهيئة المسئولة عن توفير الدراسة التي انتهت بالتوصية باتخاذه. فلم أتوصل إلي شيء. وسمعت إجابة تؤكد أنه في جميع الأحوال، فإن مثل هذا القرار ليس خاطئا، لأن أسلوب تربية الخنازير لدينا، لا يتم وفقا للشروط الصحية، أو يلتزم بالمعايير المطلوبة، ويعتمد في غذائه علي القمامة، وأن الخلاص منها خير. وقد يكون هذا الكلام صحيحا، ولكن القرار المشار إليه، لم يستثن المزارع التي أنشأها بعض المستثمرين أخيرا، وفقا لمعايير السلامة والصحة العامة. إنني أثير الحديث حول قرار الخلاص من الخنازير، لأنه نموذج لطريقتنا في إصدار القرارات دون تريث ودراسة وتخطيط. وأيضا نموذج لعدم قدرتنا علي مراجعة القرارات، علي ضوء متغيرات الواقع وفي الوقت المناسب. إن القدرة علي مراجعة القرارات وتعديلها وتطويرها وإلغائها واستبدالها، ثقافة نفتقدها ونحتاج أن ننقلها. والمفروض أن هذا القرار لم يصدر لأي سبب آخر، غير ارتباطه بموجة وباء الأنفلونزا. ومن هنا يجب أن تتم مراجعته علي ضوء هذا التقدير. المطالبة بمراجعة القرار، مسئولية كل من تعنيه المحافظة علي الثروة الحيوانية، والتنوع الذي تتسم به البلاد، والأيدي العاملة التي كانت تعتمد عليه. ومهم جدا أن ننتهز الفرصة، لتطوير هذه الثروة، ووضع المعايير التي تكفل الوفاء بالشروط الصحية والبيئية والاقتصادية. أي الاستفادة من العلم والخبرة العالمية وأسباب التقدم. • الشيخ دراز لفت نظري عنوان الكتاب «أوراق محمد عبدالله دراز في الإسلام والدعوة واللغة والأدب والنقد والتاريخ والجغرافيا». جمع وإعداد وتقديم الشيخ أحمد مصطفي فضلية. اسم محمد عبدالله دراز، معروف للذين تفتحت مداركهم في سنوات الخمسينيات وما تلاها من القرن الماضي. لا أذكر له شيئا محددا، وإنما أذكر أن اسمه كان يثير الاحترام والثقة في تمكن وعلم وتأثير صاحبه؛ الدكتور دراز. وهو أثر لا يسطع من الاسم، إلا بعد جهد وبرهان وعمل صالح. كما أن العنوان يحمل معني أن المسئول عنه قد بذل جهدا في إنقاذ آثار مجهولة، في أعمال الفقيه الراحل، ويمكن أن تطمرها يد الضياع. ومثل هذا الجهد، يستحق من القائمين عليه كل تقدير لأن جمهرة المبدعين والمفكرين، يتركون وراءهم أكواما من أعمال معدة للنشر أو لم تنشر وتكتمل. ودائما تحمل فائدة ما، للأجيال التالية. وكان أديبنا الكبير يحيي حقي، يعبر عن امتنانه كثيرا، لفؤاد دوارة، لأنه أشرف علي جمع كل ما خطه قلم الأديب الكبير، وبعضه لم يكن معروفا ونسيه يحيي حقي نفسه. سارعت باقتناء الكتاب. ولم يخيب أملي فيه. علي الأقل فقد عرفني بمصري فاضل حقا، من بيت علم، جذوره تمتد في قريته محلة دياي مركز دسوق، أبوه من علماء الأزهر، من الذين تتلمذوا علي الشيخ محمد عبده، واستعان به الشيخ لتنفيذ خطته في إصلاح الأزهر، وعينه في معهد الإسكندرية المنشأ حديثا آنذاك، وجده أيضا من العلماء، وكل إخوته. لو عاد بي الزمن، وعدت إلي أيام الشباب، لوضعت في قائمة ما أبحثه وأحققه، تحقيقا عن هذه الأسرة العريقة، أتعقب بداياتها وتطورها وأعلامها، وانعكاس التطورات الاجتماعية والسياسية علي أفرادها، ومدي تأثيرها في محيطها الريفي. والذي أعد الأوراق موضوع حديثنا، هو شيخ معهد محلة دياي، أحمد مصطفي. وبهذا العمل أدي واجبا كبيرا. وليس هذا هو الكتاب الوحيد له، فله عدة كتب أخري تضم ما تناثر من تراث الأستاذ الجليل. ويبدو في الكتاب أن مسيرة الشيخ كانت محفوفة بالنجاح والحظ ورعاية الأسرة. تزوج أبوه وهو دون العشرين، وأنجبه في 1894 وهو في العشرين. ويمضي الابن علي طريق النجاح، حيث يحصل علي درجة العالمية وهو في الثانية والعشرين. ويلفت النظر أنه انكب علي تعلم الفرنسية، بمجرد حصوله علي العالمية، حتي أتقنها، بل خطب بها أمام القنصل الفرنسي، أثناء ثورة 19، ويتضمن الكتاب الذي نتحدث عنه، نص هذه الخطبة. ثم ذهب في بعثة إلي فرنسا سنة 36، وظل هناك حتي سنة 1947، حيث حصل علي دكتوراه الدولة من السوربون في الآداب. وربما تكون هذه البعثة، من أوائل البعثات التي أوفدها الأزهر في العصر الحديث، فقد خاطبهم الشيخ المراغي: «أرسلكم الأزهر وهو ينتظر وقلبه يخفق. ستكونون بجدكم في تحصيل العلم وتفهم الأساليب وتعرف طرق البحث ودراسة عقليات الغربيين، من المجاهدين الصابرين». ولا أري مبررا للتوقف عند مقالات الكتاب المتنوعة. وأكتفي بالتنبيه إلي محاولة هذه المؤسسة الدينية العريقة، في اللحاق بالنهضة والتحديث، عن طريق مبعوثيها إلي الغرب. والشيخ دراز إحدي ثمار هذه المحاولة. وواحدة من مقالات الكتاب المشار إليه عن الدين والفلسفة، تكشف عن تأثير الشيخ الإيجابي بدراسته في فرنسا، فقد ساوي بين الاثنين في البحث عن الحقيقة وعلة الوجود، مما جعل الشيخ أحمد محمد شاكر، يعقب علي هذا رافضا، في نفس العدد وداخل المقال. مما دفع الشيخ إلي التعقيب علي التعقيب في العدد التالي من مجلة الهدي النبوي التي نشرت المقال. وهذا يشير إلي الدور الذي يمكن أن يلعبه هؤلاء المجددون في إرساء قيمة الحوار وإعمال العقل والانفتاح علي مختلف الاجتهادات، ولو في حدود، أقل مما نتمناه. ومما يدهش أن رسالته للدكتوراه عن الأخلاق في القرآن، لم تتم ترجمتها إلي العربية،إلا أخيرا في لبنان مع أن مثل هذه الثمار هي هدف البعثات والمبعوثين. ما أشد حاجتنا إلي جمع كل قوانا، ومواجهة أنفسنا، والاستماع إلي كل الآراء. رحم الله الشيخ دراز وجزي شيخ معهد دياي خير الجزاء. • الأمثال الشعبية الدكتور مجدي شمس الدين أستاذ الآداب بجامعة عين شمس، نشرت له الهيئة العامة لقصور الثقافة أخيرا، كتابا من جزءين بعنوان «بانوراما المثل الشعبي» في سلسلة مكتبة الدراسات الشعبية. والكتاب مفيد جدا، لمن يريد معرفة بعض المعلومات ذات الطابع الأكاديمي عن الأمثال الشعبية، تعريفها، نشأتها، صياغتها، بلاغتها، علماؤها، الكتب التي تجمعها، المقارنة بين أمثلة الشعوب.. إلخ. وهذا الجانب الأكاديمي، يهم المتخصصين،وربما القارئ العام. وبعض نتائج الباحث يمكن أن تكون موضع نقاش وخلاف. ولكن الجانب الذي استهواني، هو الأمثال التي تملأ الكتاب بالعشرات. أمثال مصرية عامية، وأمثال عربية قديمة، وأمثال مغربية وكورية، حيث يذكر للمؤلف أنه انشغل أثناء عمله بجامعات البلدين، بدراسة أمثالهما الشعبية. أقرأ سطور الباحث التي تحلل وتفسر، ولكنني أتوقف عند الأمثلة التي تتناثر في صفحات الكتاب. فهو دائما يؤكد ويسعي لإثبات ما يراه، يذكر أمثلة لأمثال، فعندما يشير أن في سمات المثل الإيجاز، يذكر أمثالا من كلمتين: «الحرامي وعملته» «غشيم ومتعافي» «خرقاء عيابة» «أخرس وعامل قاضي» وحين يعمد إلي المقارنة بين المثل العربي والمثل العامي يذكر: «تقتير المرء علي نفسه توفير منه علي غيره». يقابله: «مال الكنزي للنزهي». وقد أتاح لنا الأستاذ الجامعي الفاضل، بالكم الكبير من الأمثلة التي أوردها، أن ننتقل بين دروس وتوجيهات ثمينة، ونتجول بين أمثال نعرفها وبعضها نقرؤها، لأول مرة وأمثال نستخدمها ولكن لا نعرف أصلها ويقول لنا حكايتها. وفهمت أصل «البساط أحمدي» فيحكون أن السيد البدوي، كان له بساط صغير علي قدر جلوسه، ولكنه يسع من أرادوا الجلوس معه ولو كانوا ألفا. وأعرف المثل «أن وراء الأكمة ما وراءها» أعرفه وأحفظه منذ وقت طويل. ولكن فهمي له لم يكن صائبا، وأصله أن أمة واعدت صديقها أن تأتيه وراء الأكمة، بعد أن تفرغ من خدمة أهلها ليلا، ولكنهم شغلوها عن إنجاز وعدها، بما أمروها به من أعمال، فقالت بعد أن غلبها الشوق» «حبستموني وأن وراء الأكمة ما وراءها» أي يضرب لمن يفشي علي نفسه أمرا مستورا.. ولم يكن هذا فهمي. وألتقي بكثير من الأمثال لأول مرة مثل: «لما يشبع الحمار يبعزق في عليقته» وهو منظر رأيته كثيرا أيام الحياة في القرية. ويشرح المؤلف أنه يضرب للفقير الذي يغتني، فيتصرف في أمواله بسفه وحمق. «وأكلوا الهدية وكسروا الزبدية». واسمع هذا المثل الإسباني: أيا كان الطريق الذي تسلكه، فهناك مسافة وعرة فيه». والمثل الهندي: «إن «لا» واحدة تكفيك شر آلاف الكوارث» ومن الأمثال التي لم أفهمها «المشروطة محطوطة». وكذلك «عشيقك ما تخديه وطليقك ما ترديه» أو قل إنني لم أوافق عليه، لأنه لا يمكن تطبيقه دائما. وعلي أي حال فالكتاب يلقي ضوءا علي سبب اختلاف الأمثال باختلاف التجارب، حيث تجد مثلين مختلفين حول موقف واحد. مجهود مثمر وسياحة ممتعة، كتاب بانوراما المثل الشعبي.