د. عصام شرف بات في حكم المؤكد بعد أحداث مسرح البالون، أن افتراض حكومة شرف صحة التعامل بسياسة، رأت أنها الأصلح لما بعد يناير، لم يكن افتراضا صحيحا. النتيجة أن الحكومة التي تولت مسئولياتها من التحرير، قد سقطت علي أسوار مسرح البالون في العجوزة. والحكومة التي سقطت في العجوزة، كانت المسئولة عن تحول ساحات السياسة والاقتصاد والاجتماع إلي اختلافات وخلافات وائتلافات، وتهويمات، في حين كانت قوي الشارع في واد آخر. بعد أربعاء البالون، ظهر أن الشارع في نزاع مع الدولة، في حين فشلت حكومة شرف في حل المعادلة الأصعب، حيث الاختيار بين ترك الدولة الشارع، لأعراف الشارع، وبين النجاح في دفع الشارع للامتثال لهيبة الدولة، و مؤسسة القانون، دون تجاوزات، في الطريق لمصر جديدة بعد يناير. أحداث البالون، كشفت حكومة شرف. والجمعة الماضية أسقطتها، فغير أن الذين حملوا شرف مسئولية الوزارة ، كانوا هم أنفسهم الذين طالبوه بالاستقالة الجمعة الماضية، وكانت حكومة شرف نفسها، قد أسقط في يدها، وانكسر ميزانها المفترض بين الحريات، وبين الفوضي. الخط الرفيع الفاصل بين حقوق المواطنين، وبين هيبة الدولة، فتح الباب أمام علامات استفهام، حامت حولها دوائر حمراء، مشيرة إلي مخاطر حُف بها الطريق قبل أشهر قليلة من الانتخابات البرلمانية، إن كانت الانتخابات في الطريق، أو كتابة دستور جديد، إن كان خيار الدستور أولا، سوف يكون القنطرة لعبور «المرحلة الانتقالية». ثلاث نقاط استخلصتها جريدة «نيويورك تايمز» الأمريكية من تداعيات أحداث البالون، أولها مطالبات متظاهرو التحرير بإقالة حكومة شرف، في الوقت الذي تمسكت فيه الحكومة بالكرسي. الثانية، هي دفاع حكومة شرف عن حق الشرطة في الحفاظ علي الممتلكات العامة، وحفظ الأمن، في الوقت الذي أعطي فيه شرف نفسه الأمر بانسحاب الشرطة من الميدان. النقطة الثالثة، حسب «النيويورك تايمز»، أن حكومة ما بعد يناير، لم تستطع حتي الآن التوصل لماهية المتسببين في الأحداث، ولا استطاعت التوصل في الوقت نفسه لتفسيرات ومعاني المقصود بمصطلحات «الفلول»، وأتباع النظام السابق، التي أحالت إليهم التسبب في الأحداث الأخيرة. وضع سريع الاشتعال أحداث الثلاثاء الماضي رسخت الحقيقة باضطراب الشارع، بحيث أصبحت أية شرارة يسهل معها الاشتعال، ليتحول الشارع إلي ساحة حرب بين الأمن والمتظاهرين. حكومة شرف المسئول الأول، فالمفترض غير تمهيد الساحة السياسية، فإن أولي المهام المفترضة للحكومة كانت أيضا تنقية الشارع، للفصل بين مطالب يناير، وبين آثام بعض الذين استغلوا يناير. في الميدان، الجمعة الماضية، تعارض رأيان، الأول شعر بالصدمة مما قيل عن تعامل الشرطة مع المحتجين، بينما، علي الجانب الآخر، كان هناك رأي لا يستهان به، يري أن مهمة الدولة لإقامة دولة، هي المحافظة علي هيبة الدولة، وإقامة القانون.. بلا تجاوزات. لم يكن أصحاب الرأي الأخير من أنصار إباحة تجاوزات السلطة، لكن أصحاب هذا الرأي - في تحليل جريدة «واشنطن بوست الأمريكية» - كانوا قد وضعوا أساسا لتساؤلات منطقية حول الخط الفاصل بين الحريات والفوضي، مشيرين إلي تأكيد أحداث البالون، وما تلاها من اشتباكات في ميدان التحرير، أن حكومة شرف، لم تستطع التوصل، بعد مرور أكثر من 100 يوم علي ولايتها، إلي الحد الفاصل بين حقوق المصريين.. وبين التزاماتهم تجاه الدولة. وبحسب الصحيفة، أشارت اشتباكات البالون، ومن بعدها أحداث التحرير الأربعاء الماضي، إلي اختلافات ليس فقط بين الحكومة والمحتجين، لكن بين أولئك الذين يريدون التغيير أسرع، وبين الذين يحذرون من فتنة ما بعد الثورة. ضعف مشاركة ائتلاف شباب الثورة كانت ملاحظة الجمعة الماضية، الأمر الذي برره شباب الائتلاف بضيق الوقت الذي تم خلاله الإعلان عن المليونية، بينما أشار آخرون إلي انشغال شباب الائتلاف في ترتيبات الإعداد لمليونية تحديد المصير للمطالبة بالدستور أولا، الجمعة المقبلة. المعني، أن الحكومة التي فشلت في تهيئة المناخ، كانت قد فشلت أيضا في فتح قنوات مع قوي السياسة في الشارع، بحيث أصبح مثيرا أن يسعي ائتلاف الثورة إلي المطالبة بالدستور أولا، في حين كان الشارع مشتعلا.. بنزاعات لم تحدد الحكومة المسئول عنها. البائعة وشباب الثورة بعد مرور أكثر من 100 يوم علي ولاية الحكومة، مازالت هناك مصطلحات لم تحدد بعد، وصلت ذروتها خلال اشتباكات التحرير الأخيرة، بينما بدت ردود أفعال رئيس الوزارة بالإحالة إلي مسؤلية البلطجية، وفلول النظام السابق، كما لو أنها محاولات للهروب من إشارة تلك الأحداث إلي انفلات الشارع. حسب «نيويورك تايمز»، فإن أية تبريرات لم تعد منطقية، خصوصا مع قصة معركة مجموعة من الباعة الجائلين، مع بعض المعتصمين في التحرير الجمعة الماضية، وهي القصة التي دللت بها البوست علي عدم قدرة الحكومة علي الاستمرار، وعدم قدرتها، لو استمرت علي إقامة دولة القانون. فيوم الخميس الماضي، وخلال اعتصام المتظاهرين استعدادا للجمعة، اشتبكت إحدي بائعات «الشاي» المتجولات، مع واحد من المعتصمين، وتطور الأمر إلي أن أصابته بعاهة مستديمة في وجهه باستخدام شفرة حلاقة أخرجتها من فمها. عصر الجمعة والأحد تصاعد الأمر، إذ تجمع عدد من المتظاهرين، ليدخلوا في سجال مع بائعة الشاي، سرعان ما تجمع في المقابل عدد من الباعة الجائلين، للاشتباك مع الشباب، قاموا علي إثره برش المياه المغلية عليهم لإبعادهم عن بائعة الشاي التي واصلت عملها في الميدان بصورة طبيعية. أكد شرف علي أن الأحداث المشتعلة ليست سوي مخطط لإفساد الثورة، مطالبا الشباب، بالحفاظ علي ثورتهم، بالتعاون مع الحكومة، والشرطة للحفاظ علي مكتسباتها. وخلال حديث رئيس الوزراء، كانت الشرطة تنسحب من الشارع، بأوامر من وزير الداخلية، وافق عليها رئيس الوزراء!! وتوعد شرف المخطئين حالة ثبوت تورطهم، بينما لم تعلن الحكومة حتي الآن عن أسماء المتسببين. أما آخر ما قاله شرف: «يمكن الناس صعبانة عليها الأمور تتحسن»، وهو كلام لا يمكن أن يصدر من أكبر تنفيذي، في حكومة تمهد لمصر جديدة. بعد الجمعة الماضية، لم تستطع مجموعة من الساسة، ربما أولهم رؤساء عدة أحزاب، أن يخفوا ما يمكن أن يعكسه مردود الأوضاع الحالية علي مستقبل البلاد. ففي الوقت الذي كان الوقت المتبقي علي الانتخابات البرلمانية، المقرر لها سبتمبر المقبل في طريقه للنفاد، كانت الحكومة، قد أعطت عدة تلميحات، بإمكانية أن تتم كتابة دستور جديد، بينما نفي المجلس العسكري الحاكم هذا. وفي حين كانت عدة ائتلافات منشغلة بالترتيب، لجمعة «الدستور أولا» المقبلة، كانت المؤشرات الاقتصادية في أدني مستوياتها، فلا سياحة، ولا إنتاج، ولا صناعة، مع معدل نمو لا يمكن التنبوء بمؤشراته في المستقبل، في ظل تمسك حكومي بالتاكيد علي أنها طبيعة «الفترات الانتقالية»! غير المطبات السياسية، التي مازال نائب رئيس الوزراء يحيي الجمل مستمرا في زراعتها، في حكومة «انتقالية»، يبدو أنه فهم أن المعني منها الصدام مع الجميع دون «الانتقال» من مكانه، كانت أدوار الوزارت الخدمية في حكومة شرف مازالت محل جدل. وزارة المالية مثلا كانت قد اعتادت الاقتراض، وأدمنت أذون الخزانة، للحد الذي وصل بها إلي الإعلان عن ميزانية، وصفت بأنها الأكبر في تاريخ البلاد، بينما رفض المجلس العسكري التصديق عليها.. لعدم معقوليتها. غير وزير المالية، فإن وزير التضامن كان مسئولا عن كثير من الضجيج بلا طحين في الحديث عن زيادة الدعم، مع تعهدات متكررة بتوفير السلع الأساسية لمحدودي الدخل، في حين لم تكن وزارته قد استطاعت، للآن، حسم المفاضلة بين تسليم المكرونة أو الأرز علي بطاقة التموين!