«صرخة نملة» هو صرخة إنسان.. صرخة المصرى الذى اعتاد لا أن يسير بجوار الحائط وإنما دخل إلى أعمق من ذلك فزج به داخل الحائط حيث لا يعيش إلا النمل أصغر كائن على وجه الأرض. من الغريب أن يواجه الفيلم بحملة من الانتقادات بأنه ركب الثورة ونحن هنا فى صباح الخير نحيى هذا الفيلم لجرأته وصرخته الجريئة التى كانت مثل القنبلة التى انفجرت فى وجوهنا جميعا.. لم يركب صرخة نملة الموجة فمن أول مشهد فى الفيلم وهو يعج بالثورة وقد تم تصويره كاملا بشكل الثورة وهذا للعلم تحية لكل من شارك فى هذا الفيلم الجرىء الذى تفجرت فيه إبداعات عدد من شباب الفن إنهم نجوم الزمن القادم. «منى...» اعترف الفنان عمرو عبد الجليل بأن ثورة يناير أعطت «صرخة نملة» البريق وأخرجته للنور وأنه لم يكن ليعرف مصير الفيلم لولا قيام الثورة التى قامت بسبب مشاكل وضغوط يتعرض لها المواطن المصرى الذى كان يرى نفسه كنملة لا صوت لها، عمرو عبدالجليل أبدى سعادته بكل ظروف الفيلم ولم يخش من توقيت عرضه بل يرى أنه مناسب تماما لمواكبة الحدث الذى نعيشه، وعن سعادته بردود الفعل فى مهرجان كان من الحفاوة التى استقبلت بها مصر التى غيرت نظرة العالم إليها بصرخة غضب من شبابها، وعن الفيلم والتغيرات التى طرأت عليه والأوضاع السياسية الراهنة كان هذا الحوار مع عمرو عبدالجليل. * فى البداية مارأيك فى توقيت عرض الفيلم فى موسم يخشى الجميع من إيراداته؟ - يبدو أن الظروف مازالت غير مواتية ليذهب الجمهور إلى السينما ولكن مازال هناك جمهور يذهب إلى السينما وهناك إيرادات تتحقق وأتوقع أيضا بعد انتهاء موسم الامتحانات خاصة الثانوية العامة أن تشهد دور العرض إقبالا أكثر كثافة. وأرى أن هذا التوقيت مناسب جدا للعرض بغض النظر عن الإيرادات والتخوفات منها، خاصة أن موضوع الفيلم موات للحدث الهام الذى نعيشه الآن والظروف التى عايشناها جميعا مؤخرا. * إبراهيم توشكى، كرم غباوة وآخرها جودة المصرى، ونموذج المواطن المقهور لماذا تميل إلى تقديم هذه الشخصيات رغم اتهامك بعدم التغيير؟ - الشبه الوحيد بين هذه الأدوار هو وجودى أنا فيها ولكن فتحى فى حين ميسرة ليس هو كرم فى دكان شحاتة وكلاهما ليس إبراهيم توشكى وكذك جودة فى صرخة نملة، والاتهام بأن جميعهم نماذج للمواطن المقهور الذى يعيش فى العشوائيات ويعانى من سلبيات المجتمع فهذا المواطن موجود فى مصر بالآلاف، ولكن كل نموذج منهم يختلف عن الآخر ولا يوجد شبه بينهم ولا يعانون من نفس المشاكل وتختلف ظروف كل منهم عن الآخر فما العيب فى تقديم هذه النماذج. * ما المشاكل التى واجهتموها فى البداية سواء من الرقابة أو من جهاز أمن الدولة وقتها؟ - فى البداية أخذنا موافقة على السيناريو ومع بداية التصوير كان من المفترض أن نأخذ تصاريح من وزارة الداخلية للتصوير فى أماكن معينة فطلبت الداخلية السيناريو ثم عرضته على أمن الدولة فأرسلو لنا واحدا وعشرين السيناريو وهذا كان موقفا محرجا للرقابة لأنها أبدت موافقتها على السيناريو من البداية فاضطررنا أحيانا لتصوير الفيلم بتصاريح لتصوير إعلانات مسحوق غسيل. * كنتم قد انتهيتم من الفيلم بشكل كامل كيف كان تحويل الأحداث فيه للحاق بأحداث 25 يناير؟ - الفيلم كنا قد انتهينا منه بشكل كامل كتصوير ومونتاج قبل الثورة ولم نضف أى شىء للأحداث إلا أننا أخذنا مشاهد من الثورة وأضفناها إلى مشهد النهاية، فالفيلم كان يسير فى اتجاه الثورة ولم يكن فى اتجاه مختلف عنها فهو حتى قبل قيامها كان يتناول الدوافع التى أدت إلى اندلاعها وبعض أوجه الفساد التى كانت منتشرة كتزوير الانتخابات والبطالة والأجور وتصدير الغاز إلى إسرائيل وغيرها من مشاكل تواجه المواطن البسيط وتناول مشاهد لجهاز أمن الدولة وما يحدث بداخله، وجودة المصرى فى الفيلم تزامنت ثورته مع ثورة الشعب فهو رمز من رموز الشعب واجه نماذج مختلفة من الاضطهاد الذى يواجهه المواطن المصرى البسيط. * عمرو عبدالجليل صاحب إيفيهات وإضافات فى جميع أفلامه قد ينتقدها البعض أحيانا، هل يجعلك هذا مؤيدا لفكرة إلغاء الرقابة على الأعمال؟ - كل واحد منا رقيب على نفسه وضميره هو الرقيب عليه وفقا لثقافته وانتماءاته، وأنا ضد إلغاء الرقابة بشكل تام فأنا لا أريد رقابة على فكر صناع العمل، ولكن الرقابة تكون على الأخلاق، فيجب ألا نصدر ما هو ضد أخلاقنا كمصريين شرقيين، لذلك أنا مع وجود الرقابة، ولكن ليس على الفكر مما يجعل الفيلم يقدم رسالة وفكرا فى إطار يحترم المتفرج. * ماذا عن العمل مع شقيقك طارق عبدالجليل؟ - لم نجتمع معا من قبل، فكل منا كان يعمل فى سكته وهو لم يقترح اسمى فى عمل من قبل لكى لا يبدو أنه يفرضنى على فريق العمل. * وهل رشحك لصرخة نملة؟ - لا بالعكس تماما، فأنا من اخترت النص، فهذه هى المرة الأولى التى تتاح لى فيها رفاهية الاختيار، فدائما ما يختارنى المخرج لدور فأذهب لتنفيذه فقط، أما هذه المرة هى الأولى عندما سألنى كامل أبوعلى إذا كان هناك سيناريو أريد أن أقدمه، فطلبت طارق وسألته إذا كان لديه عمل مناسب لى فكان فى الرقابة وقتها وبعد أن قرأته قلت له (أنا عايز أعمل الفيلم ده). * ما سبب تغيير الفيلم من (الحقنا ياريس ) إلى (صرخة نملة)؟ - اسم الفيلم الأخير الذى استقرينا عليه فرض نفسه منذ البروفات بسبب مشهد أمن الدولة الذى يحاول إقناع «جودة» أنه مجرد نملة ولكى يعيش فى سلام يجب أن يعيش فى جحور داخل الحيط كى لا يداس بالأقدام، لهذا فهذا الاسم طرح نفسه لأن البطل اقتنع لفترة أنه نملة بالفعل. * رغم مشاركته فى الفساد إلا أن مفهوم الشرف لديه اختذله من خلال زوجته؟ - هناك الكثيرون ممن باعوا مبادئهم تحت وطأة كل هذا الفساد وكل هذا الظلم الذى تعرضوا له فكانت البيئة والظروف حولهم مواتية ليبيعوا كل شىء وليتخلوا عن مبادئهم واضطروا أن يركبوا الموجة لكى يعيشوا. كما باعت زوجته نفسها لكى تعيش وتربى ابنها وهو مثل كثيرين يتجسد الشرف لديهم فقط فى الجسد والتخلى عن الشرف كما فعلت زوجته وفاء رغم أن كل ما يفعله بالأساس هو خطأ، فهذه النماذج يوجد منها الكثير، وجودة طوال الفيلم حاول أن يركب الموجة لكى يصبح أى شىء غير النملة حتى ولو صرصار. * هل تتوقع تطوراً على الساحة الفنية والذوق العام بعد الثورة؟ - قبل دخولى عالم الفن كنت أعلم أن الفن رسالة ومن خلاله يمكن خدمة المجتمع وليس مجرد عمل يقدم لمغازلة مشاعر الجمهور أو لركوب موجة ما لكسب مادى فقط وهدفى منذ دخولى هذا العالم أن أكون صاحب رسالة، لذلك آمل أن يتطور مستوى الفن والدراما للأفضل وكذلك حال البلد بأكمله وليس الفن فقط. فأنا بعيد عن السياسة ولا أفهمها ولكن أستطيع أن أشارك فيها أو أعبر عنها من خلال عمل أقدمه، فأنا فنان وهذا ما أستطيع أن أشارك به فكل واحد يناضل من موقعه ويعبر عن رأيه من خلال وظيفته. * كيف كان صدى الفيلم فى مهرجان كان؟ - كما قلت أنه لولا الثورة لما عرض الفيلم بهذا الشكل ولم يتغير فى محتواه، وأيضا لولا الثورة لما ذهبنا إلى مهرجان كان وما كان لمصر أن تكون ضيف شرف المهرجان وعن ردود الأفعال حول الفيلم لم أكن لأتخيلها أو أحلم بها يوما ما نظرا للحفاوة التى قوبل بها يوم عرضه، فالفيلم جهز له مكان عرض على الشاطئ، والحمدلله امتلأت الكراسى عن آخرها فبكيت وقتها من السعادة، وردود الفعل من العرب والأجانب كانت رائعة وكنت فى منتهى الفخر والسعادة بسبب الثورة فحتى العرب أخبرونا عن كم السعادة التى شعروا بها وكيف شعروا من خلالنا بالكرامة وأعدنا أنظار العالم بأجمعه إلى مصر. * كيف ترى المنافسة فى ظل هذه الظروف خاصة أنكم افتتحتم الموسم مع فيلم «الفاجومى»؟ - لا أفكر فى بداية أى عمل سوى أن يصل إلى الناس وأن يصدقوه وتشعر أنه يحترم تفكيرهم كمشاهدين، أما فكرة التنافس والاكتساح فلا تخطر على بالى من الأساس ولا أضع لها أى حسابات وأتمنى أن تنجح الأفلام الأخرى وتلاقى القبول، فعندما أرى فيلم مثل «الفاجومى» وقصته يعرض فى هذا التوقيت وهذه الظروف فأنا أنحنى لصناعه أحييهم ولا أفكر وقتها فى الاكتساح، بل أتمنى أن يصل هذا العمل للجمهور وأن يستمتعوا بهذا العمل.