تخوف كبير من سيطرة التيار الديني علي الحياة السياسية في ظل انقسام باقي التيارات وتشتت أهدافها وبرامجها مما خلق حالة من الفراغ السياسي لم يملأها سوي الإخوان من خلال تقديمهم للخدمات، وقد وجهت أصابع الاتهام لمنظمات المجتمع المدني التي خلقت حالة من الفراغ الخدمي، ولم تقم بدورها المنوط في توعية المواطنين. وفي هذا التحقيق استطلعنا آراء عدد من رجال المجتمع المدني حول رؤيتهم لدور المجتمع المدني خلال الفترة القادمة. في البداية يقول الدكتور عبدالعزيز حجازي رئيس وزراء مصر الأسبق ورئيس اتحاد الجمعيات الأهلية أن ما يحدث حاليا في مصر يحدث عقب أي ثورة، فالخلافات والانقسامات وتشتت الأحزاب وانقسامها علي بعض أمر طبيعي، فالكل يريد الظهور وأهم شيء أن نستوعب ذلك وأن لا نقع فريسة لما يحدث حاليا. ويري حجازي أن الديمقراطية الحقيقية هي النزول للشارع، فالسياسة هي القدرة علي خدمة الشارع وليست شعارات مشيرا إلي أن الإخوان المسلمين ليسوا الأقدر علي الاستحواذ علي الشارع، ولكن طوال عمرهم السياسي وهم يعملون في الشارع ويقدمون الخدمات. وعن رؤيته للانتخابات البرلمانية القادمة وتوقعات السيطرة عليها من جانب القوي الدينية في ظل انقسامات باقي الأحزاب يضيف: هذا هو دور المجتمع المدني، والذي لابد أن يعمل الفترة المقبلة علي الناخب لتوعيته وتثقيفه مشيرا إلي أن دور المجتمع المدني كان محدوداً خلال الفترة الماضية. ويقول محمد فائق نائب المجلس القومي لحقوق الإنسان إن المجلس حريص علي أن تكون الانتخابات البرلمانية القادمة حيادية وشفافة، وقد بدأ المجلس في تدريب أكبر عدد من منظمات المجتمع المدني استعدادا للانتخابات القادمة، هذا فضلا عن الدور التوعوي والتثقيفي الذي يقدمه المجلس من خلال عقد ندوات ومؤتمرات لضمان حسن اختيار الناخب ووعيه السياسي كي نتأكد أن المجتمع يمارس حقه السياسي وهذا هو دور المجلس، فما يهمنا هو أن تكون الانتخابات نظيفة وشفافة وقد طالبنا برقابة دولية ومحليه لضمان النزاهة. وعن تقصير منظمات المجتمع المدني في تقديم الخدمات مما أفسح المجال للإخوان كي يلعبوا هذا الدور يضيف فائق: إن الإخوان منذ البداية يلعبون هذا الدور ويقدمون الخدمات، وهذا ليس تقصيرا من الجمعيات والأهم هو المحصلة النهائية ومصلحة المواطن. الناشط الحقوقي محمد زارع يري أن الانقسامات السياسية وسيطرة الإخوان علي الساحة واعتمادهم علي تقديم الخدمات ليس تقصيرا من منظمات العمل الأهلي، فهذا الانقسام سببه عدم وجود أحزاب حقيقية، فالشعب المصري ترك الساحة السياسية ولم يهتم بالعمل السياسي، وابتعدت الأحزاب عن الحياة السياسية وتركت الحزب الوطني يهيمن علي كل شيء. مؤكدا أن كل الأحزاب التي كانت موجودة علي الساحة أحزاب كارتونية ورقية. أما الإخوان فكانوا يمارسون العمل الخدمي السياسي منذ فترة طويلة ومنذ إنشاء الجماعة، ولهم جمعيات أهلية خاصة بهم وترجع نشأتهم لما قبل وجود الجمعيات الأهلية، وقد انضموا للعمل النقابي. ويري زارع صعوبة في أن يسرق تيار بعينه الثورة مهما كانت قوته أو شعبيته، لأن الذي قام بالثورة هو الشعب المصري كله بجميع أطيافه واتجاهاته مؤكدا أن ما تمر به الأحزاب حاليا وضع طبيعي والمشاكل الموجودة ستستمر وستكون أكثر ديمقراطية خلال السنوات المقبله فالديمقراطية تتطلب وقتاً وجهداً وصبراً ووعياً وستحدث عمليات فرز للأفضل. ويؤكد زارع صعوبة أن يدعي أحد أنه يملك الثورة أو يسرقها لأن البلد يمكنها أن تثور مرة أخري إذا ماحدثت سيطرة من قبل أي تيار سياسي. وفي ذات السياق دعت مؤسسة عالم جديد للتنمية وحقوق الإنسان ومراقبون بلا حدود وشبكة المدافعين عن حقوق الإنسان جميع منظمات المجتمع المدني المصري لوضع خارطة طريق جديدة لعملها خلال المرحلة الانتقالية التي تمر بها مصر بعد ثورة الشعب المصري، تتضمن رؤيتها وخططها لتطوير أساليبها في العمل الأهلي واقتراحاتها لتلبية المشروعات والبرامج التي يحتاجها المجتمع للمساهمة في نهوضه ومساعدته في عمليات التغيير والتحديث التي يمر بها الآن، وصياغة أجندة وطنية جديدة للأفكار الداعمة للدولة المدنية الديمقراطية وفتح حوار مجتمعي حول هذه الأجندة قبل الشروع في تطبيقها لإيجاد دعم ومناخ مجتمعي مساند لها وخروجها من التقليدية إلي الأنشطة التي تتطلبها ظروف المجتمع في الوقت الراهن. دعت منظمات حقوق الإنسان لنقل غالبية أنشطتها إلي خارج العاصمة وتبني خطط جديدة لنشر الوعي بالحقوق والحريات وطريقة ممارسة أساليب حمايتها والدفاع عنها من تجاوزات الأجهزة الحكومية والشرطة والتوعية السياسية والانتخابية وطرق ممارسة الديمقراطية والتداول السلمي للسلطة، وتنظيم أنشطة لها بالقري والمدن بالمحافظات، لأن الريف وصعيد مصر أكثر تعطشا واحتياجا لهذة البرامج لبناء قاعدة شعبية جديدة لثقافة الديمقراطية وحقوق الإنسان، بعد أن تشبعت النخب الثقافية والسياسية والحقوقية في القاهرة بتنظيم المؤتمرات والندوات وورش العمل عن هذه القضايا ومناقشتها واقتراح التوصيات لها. وأكد عماد حجاب الناشط الحقوقي بأن هذا الأسلوب سوف يخلق دوراً أكبر للمنظمات الأهلية للتنمية وخدمة المجتمع وحقوق الإنسان والطفل والمرأة في خدمة القضايا الوطنية المصرية.