ظهور كاميليا شحاتة علي إحدي الفضائيات واعترافها بأنها مسيحية ولم تشهر إسلامها لم يكن أبدا نهاية لأزمة الفتنة الطائفية التي أثارها السلفيون مع الأقباط وامتدت من السلفيين إلي آخرين وهو ما أكدته أحداث إمبابة، وإنما الأزمة تظل قائمة وإن اختلفت الأسماء، فبعد كاميليا جاء الكلام عن فتاة أخري تدعي عبير ومن جديد يتردد نفس الكلام بأن الكنيسة تحتجزها لتقوم الدنيا في حي إمبابة ويشتعل الموقف ويتم إحراق الكنيسة ويسقط ضحايا مصريون مسلمون وأقباط! المشهد في إمبابة مأساوي غياب كامل للعقل وتواجد فقط للأسلحة وكل طرف يعتقد أنه سيكون شهيدا إذا ما دافع عن موقفه والنتيجة قتلي ومصابون ونيران مشتعلة في كنيسة وبيوت والأخطر منها نيران مشتعلة داخل النفوس وصورة يسعد بها أعداء بلدنا في الداخل والخارج. الكلام عن ثورة مضادة وأحداث فردية وشعارات مثل مسلم مسيحي إيد واحدة أمور لم تعد مقبولة الآن ولن تجد صدي عند أحد لأن هناك بالفعل توتراً طائفياً ترتفع درجة حرارته بين الحين والآخر لتصل إلي درجة الغليان والمصادمات بمجرد انتشار أي شائعة دون انتظار لتحري الحقيقة، فالعقل يغيب تماما عند الشائعات التي تتناول الدين. كارثة إمبابة بدأت بشائعة لم يتم التأكد من صدقها بأن فتاة تدعي عبير طلعت خيري من أسيوط أشهرت إسلامها قبل 7 أشهر وقيلت أقوال متضاربة منها أنها تزوجت مسلماً ومنها أنها كانت تستعد للزواج منه قبل أن يعثر عليها أهلها ويقوموا باحتجازها داخل كنيسة مارمينا بإمبابة وعندما علم زوجها أو الشخص الذي كانت تنوي الزواج منه استعان بالسلفيين لتبدأ الكارثة. والملاحظة الأولي التي يجب التوقف عندها أن هذا الشخص استعان بالسلفيين ولم يستعن بأي إجراء قانوني وهو أمر خطير أن يتم الاحتماء بالسلفيين وكأنهم أصبحوا هم الدولة والمنوط بهم تنفيذ القانون خاصة ما يتعلق بتلك النوعية من المشاكل وكان يمكن تجنب تلك الكارثة لو أن الرجل استعان بالشرطة وقامت بدورها كما ينبغي وتحرت حقيقة احتجاز الفتاة أو كون الأمر شائعة لكن الاستعانة بقوة السلفيين ثم قيام شباب الأقباط بالرد عليه بالقوة أيضا لتصبح قوة الذراع هي السائدة أمر لا يمكن معه أن تنتهي تلك المواجهات أبدا. الملاحظة الثانية هي أن شعارات الثورة في ميدان التحرير التي كان أبرزها «مسلم مسيحي إيد واحدة» قد تراجعت وتغيرت إلي شعارات أخري خطيرة بدأت في قنا بمجرد تعيين محافظ قبطي عندما تم رفع شعار «عايزينه مسلم» والآن في إمبابة تعود شعارات «إسلامية إسلامية». الملاحظة الثالثة هي أنه إذا كان زوج عبير الذي يعبر عن تفكير بعض المسلمين قد قرر الاستعانة بالسلفيين في أزمته فإن هناك في المقابل عدداً من الأقباط فقدوا الثقة في قدرة الدولة علي حمايتهم فقرروا التوجه إلي مبني السفارة الأمريكية والدخول في اعتصام مدني مطالبين بحماية المجتمع الدولي وأمريكا وفتح أبواب الهجرة للأقباط وهو أمر خطير أيضا أن يحتمي المصريون الأقباط بأمريكا وليس بالدولة. الملاحظة الرابعة أن هناك كماً غير عادي من الأسلحة النارية أصبحت في يد الجميع ويتم استخدامها في أي وقت ليسقط الضحايا وتشتعل الأزمة أكثر، وأصبح مطلوبا من وزارة الداخلية أن تقوم بجهد مضاعف لنزع تلك الأسلحة غير المرخصة من أياد تستغلها للعبث بأمن البلد في أي وقت. (هيبة الدولة) وأيا كانت الملاحظات فإن الأمر الواقع الآن أن هناك فتنة خطيرة علي الأبواب وأنه علي كل من يريد استقرارا لهذا البلد ومستقبلا آمنا لأولاده أن يتكاتف من أجل الخروج من هذا الكابوس بأقل الخسائر، والتكاتف المطلوب الآن لا يتوقف فقط عند رجال الدين العقلاء وإن كان دورهم بالطبع مطلوباً لكن بشكل مختلف تماما عن تلك الصورة التقليدية لاستقبال البابا لشيخ الأزهر وإنما أتمني أن يخرج قداسة البابا ليتحدث بكل ما يجيش في صدره وأن يخرج أيضا شيخ الأزهر المشهود له بحكمته ليتحدث بكل صراحة وغيرهم من رجال الدين العقلاء من الطرفين وهذا دور مهم ومطلوب، لكن الدور الأهم الآن هو تفعيل القانون وعودة هيبة الدولة وعدم السماح بسرقتها. فعندما تم تحطيم كنيسة صول بأطفيح قامت القوات المسلحة بدور رائع في إعادة بنائها بشكل أفضل مما كانت عليه لكن لم يتم التوصل إلي الأيادي التي قامت بتحطيم الكنيسة وهو ما يشيع إحساسا بأن المخربين يمكن أن يفلتوا بجرائمهم والمؤكد أن الكنيسة التي تم إحراقها في إمبابة سيعاد بناؤها أيضا لكن مطلوب أيضا التوصل إلي الأيادي التي أحرقتها لأنه ليس من المقبول أبدا لأي مصري وليس للأقباط فقط أن تدفع الكنائس ثمن الشائعات مرة بهدمها وأخري بمحاصرتها وثالثة بحرقها مثلما مطلوب أيضا القبض علي كل قبطي أو مسلم أشعل الفتنة واستخدم الأسلحة ومطلوب أيضا ظهور هذا الشخص الذي قام بتهييج الموقف لمعرفة الحقيقة وراءه وهل روايته كانت حقيقية أم لا. (قطع رقاب) لقد استمعت إلي أحد قادة الجيش يتحدث علي قناة (أون تي في) بشكل شديد الحسم والقوة ليؤكد بالتعبير العامي أنه سيكون هناك (قطع رقاب) لكل من يحاول العبث بالبلد وبملف الوحدة الوطنية تحديدا وهو أمر مطلوب أن تكون هناك مواجهة قانونية أكثر حسما وسبق أن حذر الجيش من المواقع الإلكترونية التي تثير الفتنة الطائفية تلك المواقع التي تتلاعب بعقل ومشاعر الشباب وهو ما يؤكد أن هناك كابوسا حقيقيا وخطيرا يقترب منا. كابوس الفتنة الطائفية الذي يجب أن يواجهه الجميع وأن يكون في مقدمة المواجهة دائما قانون حاسم تنفذه أياد قوية لا ترتعش.