عاودت أجراس الكنيسة الدق مرة أخري تعلن عن بدء الصلاة بكنيسة صول، فتدفق أهالي القرية مسيحيين ومسلمين معاً للاحتفال بعودة الهدوء والحب والأمان للقرية وصاحت الألحان الكنسية تنبئ عن عهد جديد من الأخوة بالقرية، ومع انتهاء القداس ورش مياه البركة التي قام بها الأنبا «بولا» قس الكنيسة، خرج أهالي القرية يهنئ المسلمون إخوانهم الأقباط بعيدهم والتقينا بعديد من أهالي القرية الذين عبروا عن فرحتهم، وامتنانهم، وآمالهم في مستقبل جديد مع الثورة. عبدالملك لبيب: عامل في أحد مصانع حلوان قال لنا أختلف مع الذين يقولون إن الهدوء عاد إلي القرية الآن فقط، فالهدوء بدأ منذ أسابيع عندما تسلم الجيش البلدة وعقدت المصالحة وبدأ في البناء الفعلي للكنيسة، وحاول كثيرون من أهالي القرية مسلمين وأقباطًا المشاركة في البناء لكن الجيش فضل أن يقوم وحده بالبناء وقال إن بناء الكنيسة مسئولية الدولة، ومنذ ذلك الحين عادت الحياة لطبيعتها، وعاد التعامل بين المسيحيين والمسلمين. كنيسة أفضل فوزي سعد كان أحد الحاضرين في القداس قال لي أنا أعمل سائقًا علي «توك توك» وقت الأحداث عشنا أيامًا صعبة مع الأهالي مسيحيين ومسلمين ولم أستطع العمل، لكن جاري المسلم كان يساعدني بالعمل ساعتين علي «التوك توك» وما حدث لم يحدث من قبل في البلدة لكن الحقيقة كان يوجد احتقان وانعزال بين المسلمين والمسيحيين «كل واحد في حاله». لكن الآن الحياة عادت لطبيعتها وأصبحنا نتزاور في المناسبات، ونتعامل في البيع والشراء وغيره. كذلك الكنيسة أصبحت مثلما كانت بالضبط وربما أفضل. المهندس سامي لبيب هاجمنا كإعلاميين في البداية قائلا: نحن لا نريد الخوض في تفاصيل الحادث نحن اليوم في القرية نريد البناء والحديث عن الوحدة الوطنية، خاصة أنه لأول مرة يفتتح شيخ الأزهر كنيسة في قرية ويتم تقديم المصحف له، وهو ما جمع بين المسيحيين والمسلمين في صلاة في كنيسة في قرية مصرية، وكنا فرحين جداً وتكلم «المهندس سامي» بقلب مفتوح عن احتياجات القرية إلي مساعدة الأهالي وأبنائهم في إيجاد عمل من خلال إنشاء مجمع صناعي في القرية لأن مصانع حلوان القريبة أصبحت مكدسة بالعمالة وأن توفير العمل ونشر ثقافة الوحدة الوطنية هو ما سيضمن عدم تكرار هذا الحادث أو أي حادث فتنة طائفية آخر. صول وجذور الفتنة تركنا الكنيسة وتجولنا في شوارع القرية، حيث دعانا الأستاذ مجدي عياد وعدد من أهالي القرية لتناول وجبة الغداء في منزله، وكان معنا وفد إعلامي وعدد من أهالي القرية لم نعرف من فيهم مسيحي ومن مسلم، ذهبنا جميعاً بصحبة «القس بولا» راعي كنيسة صول وأبونا إسحاق- أحد القساوسة- الذي جاء للاحتفال بالعيد بالكنيسة، ولحق بنا عديد من رجال القرية، وجلسنا جميعاً حول «الطبلية» لنأكل أكل صيامي. قال مجدي عياد إن «صول» اختلفت في السنوات الأخيرة، عن سنوات شبابنا وقتها لم نفكر من فينا مسلم أو مسيحي كنا جميعا نتجمع حول الطعام والجلوس معاً في المزارع، لكن بدأت أفكار دينية غريبة تدخل القرية، جميعها تعمل علي الفرقة والاختلاف، فأنا مثلا في المدرسة أحتاج إلي تغيير المناهج وطريقة تدريس المدرسين حتي أضمن أن يأتي نشء من الشباب يحب بعضه بعضاً، ويعمل لبناء وطن، فما حدث من أحداث كان نتيجة لجذور من الجهل وعدم الوعي. لكن اليوم تعلم الجميع مسلمين ومسيحيين أن النار تطولنا جميعاً، ويجب أن نحافظ علي أمن البلد.. وفي دار مجدي جلسنا مع بعض نساء القرية وبناتها اللائي رفضن التصوير الفوتغرافي واكتفين فقط «بالدردشة». مارينا.. فتاة تبلغ من العمر 17 عاما وهي قد أوشكت علي الانتهاء هذا العام من دراسة« دبلوم تجاري» قالت لي منذ تلك الأحداث أخشي الذهاب للمدرسة، واشتقت إلي زميلاتي المسلمات وقد قررت أن أذهب للمدرسة لتأدية الامتحانات فقط، أمي تخشي علي من الخروج بمفردي لكن بعد الاحتفالات التي بدأت بالقرية ربما يتغير الوضع وأستطيع الذهاب للمدرسة. أم روماني حدثتنا عن فرحتها بانتهاء الأيام الحزينة الماضية حتي تستطيع أن تزوج ابنها الذي تأخر زفافه بسبب حادث صول وأنها ستقيم له العرس بعد العيد وسيكون أول حفل زفاف في القرية بعد أيام الحداد الماضية، حيث ستدعو القرية كلها، لزفاف ابنها والاحتفال معهم. أم ماريا حدثتنا عن علاقتها بجيرانها أم محمود، وأم محمد قالت لي خروج النساء في القرية لا يكون إلا للتزاور في المناسبات فقط «أعياد أو زفاف أو مرض لاقدر الله» ولكننا لابد أن نري بعضنا بعضًا كل يوم في الصباح ونحن نخبز فوق السطوح أو من النوافذ حيث إن البيوت متجاورة. وفي طريقنا إلي عمدة البلدة وجدنا طلبة المدارس عائدين من مدارسهم حيث توجد ثلاث مدارس، ابتدائي، وواحدة اعدادي وأخري ثانوي، وتجاري للبنات وقد افتتح د. أحمد الطيب شيخ الأزهر أحد المعاهد الأزهرية عند زيارته الأسبوع الماضي للقرية. لمحنا فتاتين في الثامنة من العمر تسيران متجاورتين تمسك إحداهما بيد الأخري تكاد تحضنها وسيل من الكلام والضحكات البريئة «نسيت أن أذكر أن إحداهما كانت محجبة والثانية تظهر علامة الصليب بيدها» حاولنا إيقافهما للحديث ولكن لم تلتفتا لنا. الإعلام المضلل في منزل العمدة التقينا بعدد من الرجال الذين كانوا قد عادوا لتوهم من الاحتفال مع إخوانهم الأقباط بالكنيسة وجاءوا ليحكوا لعمدتهم ما حدث. حيث اعتذر لنا العمدة محمود غيث قائلا: كنت أود أن أكون معكم في العيد، لكنني حضرت أمس في افتتاح الكنيسة وزيارة الشيخ أحمد الطيب، واليوم كان لدي لقاء تليفزيوني لأحكي للعالم تجربة عودة الهدوء لقرية صول، وأن المصريين لن يفرقهم شيء ولا حتي الموت، لأن هناك إعلاماً مضللاً يريد إظهار «قرية صول» وكأنها مازالت إلي الآن تغرق في بحر من الدماء أو أنها فقدت الأمان للأبد. ويضيف: ما حدث جعل الدولة تنظر إلي الريف المصري، وقد قام الجيش ببناء مركز شباب ليتجمع فيه الشباب في أنشطة رياضية وثقافية حول أهداف لخدمة القرية كذلك سوف يتم عمل «مخبز» حيث إن القرية ارتفع تعدادها وأصبح 60 ألف نسمة، والدقيق سعره مرتفع فلم يعد يخبز أحد في البيت. وهناك مشروعات سيتم الانتهاء منها قريباً مثل مستشفي بديل عن الوحدة الصحية التي كانت تخدم القرية ولم يكن لدينا غيرها، ومن يمرض يضطر للذهاب للقصر العيني وهذا التطور سيعود بالخير لأهالي القرية مسلمين ومسيحيين الثورة حققت أمالنا «العمدة الكبير» هكذا يطلقون عليه إنه محمد غيث عضو مجلس الشعب الأسبق لصول قال لنا بلدة صول كانت تعاني من الفقر ومن افتقارها للبنية الأساسية رغم أن الحكومة السابقة قبل الثورة أعلنت أكثر من مرة أنها وضعتها في خطة التنمية، ورغم ذلك مازالت القرية تفتقر لبنية أساسية وصرف صحي، وهناك منطقة صحراوية تبعد أمتاراً عن القرية وفي نطاقها وقد طالبت مراراً في مجلس الشعب بأهمية تطويرها لتكون مجمعًا صناعيا ولم يبال أحد، حيث إن القرية تعاني من البطالة، حيث إن أراضي الزراعة لا تكفي، وكثيرون يعملون في مصانع حلوان ولكن البطالة ارتفعت أيضا بين المتعلمين من الشباب وهم كثيرون وفي الدورة الماضية لمجلس الشعب قام الحزب الوطني بالعمل علي سقوطي وقد قدمت طعوناً، وفي دورة 2005 طالبت بضرورة توفير الرعاية الصحية، والثقافية للريف ولم يلتفت لنا أحد، وأنا لم أفاجأ بالثورة رغم أن عمري 80 عامًا لكني كنت أعلم أنها قادمة وما يحدث الآن طبيعي لأننا في البداية لكن مصر لن تقبل أن تتخلي عن وسطيتها سواء السياسية أو الدينية والإسلام في مصر سيظل دين الوسطية خاصة في مصر وما يحدث سينتهي فقط نحتاج للوعي الديني والثقافي وأنا أومن بأن هذا ما ستحققه الثورة.